منعرج جديد دخلته تونس منذ مساء الاثنين 20 سبتمبر 2021، عندما أعلن رئيس الجمهوريّة “مواصلة الثورة” كاشفا عن نيّته في إصدار أحكام انتقالية قد تغيّر ملامح المنظومة والنظام السياسي.
مرسوم المبزّع: المنعطف الأول
والأحكام الانتقاليّة أو التنظيم المؤقت للسلط للعمومية، يُلجأ إليها عندما يصبح النظام الدستوري غير ملائم مع الوضع العام بسبب لحظات تاريخية فارقة، كالثورة أو الانقلاب أو تحوّل سياسي كبير، أي أحداث يصبح فيها التنطيم المعاش غير قادر على إدارة المسألة السياسيّة والواقع الجديد، حسب أستاذ القانون الدستوري عبد الرزّاق المختار.
في الماضي القريب، أنتجت الثورة التونسية، تجربة متطابقة بصدور المرسوم عدد 14 لسنة 2011 مؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلّق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية والذي حُلّ بمقتضاه مجلس النواب عقب تعليق الدستور الساري به العمل حينها.
وجاء في دباجة المرسوم ” وحيث عبر الشعب أثناء ثورة 14 جانفي 2011 عن إرادة ممارسة سيادته كاملة في إطار دستور جديد، وحيث أن الوضع الحالي للدولة، بعد الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية في 14 جانفي 2011 كما أقر ذلك المجلس الدستوري في إعلانه الصادر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية المؤرخ في 15 جانفي 2011، لم يعد يسمح بالسير العادي للسلط العمومية، كما صار من المتعذر التطبيق الكامل لأحكام الدستور”.
وطبقا لهذا المرسوم الصادر عن رئيس الجمهورية المؤقت فؤاد المبزّع ألغت “الثورة” منظومة 1959 باعتبار أنّ هذا النص لم يستند إلى الدستور وإنّما إلى “إرادة الشعب” حسبما ورد في مقدّمته.
هذا المرسوم الصادر “باسم الثورة” بعيدا عن أي شرعية دستورية أمضي من قبل أحد شخصيات المنظومة لاعتباره كان رئيسا للبرلمان عند سقوط النظام مع الإشارة إلى أنّ المراسيم بصفة عامّة ذات طبيعة مختلطة فهي تأخذ من جهة بعض عناصر القانون، إذ أنها نصوص تتعلّق بمجال القوانين أي مجال السلطة التشريعيّة،
وتأخذ ببعض خصائص الأوامر كونها صادرة عن رئيس الجمهوريّة.
فالمراسيم هي نصوص قانونيّة يتّخذها رئيس الجمهوريّة في مجال القانون، وذلك في حالات ثلاث عند العطلة البرلمانيّة، وفي حالة تفويض البرلمان لبعض الصلاحيّات لرئيس الجمهوريّة، وأخيرا في حالة حلّ البرلمان.
سعيّد يعلن نهاية المنظومة
بعد أكثر من 10 سنوات، يأتي خطاب رئيس الجمهوريّة المنتخب قيس سعيد من سيدي بوزيد ، “مهد الثورة وعاصمتها”، ويثير من جديد جدلا حول تعديل البوصلة وتصحيح مسار الثورة الذي يعتبر أنّه أجهض بتاريخ 14 جانفي بهروب الرئيس الأسبق خارج البلاد.
في هذه الكلمة، المنعرج، يتحدّث سعيّد عن تغيير “المنظومة” وقانون انتخابي جديدة وأحكام انتقالية وسط مآل ضبابي للمجلس التشريعي الذي كان جمّد اختصاصاته بمقتصى أمر رئاسي صدر بالرائد الرسمي بتاريخ 26 جويلية 2021.
في الساعات التالية، قدّم أساتذة القانون الدستوري قراءات دستورية متناقضة ومتخالفة ومتشعّبة للخطوات المرتقبة الرئيس خاصة حول آليات حلّ البرلمان في ظل عدم توفّر شروطها القانونية والدستورية، وكيفية الذهاب للاستفتاء.
في هذا الإطار يؤكّد مدير قسم القانون العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، صغير الزكراوي، “أن تونس الآن في حالة استثناء، وهذه الحالة تحكمها قواعد ومبادئ خاصة، وعند حالة الضرورة يتحرر فيها رئيس الجمهورية بتفعيله للفصل 80 من عدة إكراهات القانونية الدستورية والشرعية، بالإضافة إلى ذلك الشعب داعم لقرارات سعيد وأمام إرادة الشعب الدستور لا يساوي شيئا“.
وأوضح الزكراوي أن “حالة الضرورة ليس لها قانون يحكمها، كما أن الضرورات تبيح المحضورات، أي يمكن العمل دون برلمان أو محكمة دستورية في هذا الظرف الاستثنائي، مشيرا إلى أن المنظومة القديمة غير قابلة للإصلاح من الداخل، ذلك أن المنظومة قدمت الفساد وتهريب الأموال وانهيار الدولة، والحديث عن عودة عمل البرلمان أصبح حديث غوغائي”.
في المقابل، يقول أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار إنّ الرئيس سيمسك بالسلطة التشريعية بمقتضى الأحكام الانتقالية عبر المراسيم. ليكون بذلك سعيّد أوّل شخصيّة سياسية تغيّر المنظومة بآليات المنظومة ذاتها وتكون المراسيم وقود آلة الحكم في تونس.