تتزايد أشكال التداخل بين الرياضة والسياسة في تونس يوما بعد يوم، خصوصا بعد ثورة 14 جانفي 2011، إذ لم ينفك السياسيون عن الاتجاه إلى النجوم الرياضية كحل للاستقطاب، باعتبار أن الرياضة تشكل خطة دبلوماسية، على مدار التاريخ. وهو الأمر ذاته مع الوجوه الرياضية التي تجد في كراسي المناصب الملجأ المريح بعد مسيرة رياضية حافلة آن لها الأوان للتتويج بنهاية آمنة مستغلة القاعدة الجماهيرية التي تحظى بها.

في تونس، والبداية كانت منذ عهد الاستعمار، كانت الجمعيات الرياضية سبيلا للدفاع عن القضية الوطنية آنذاك، حيث عولت الحركة الوطنية على الرياضة من أجل مقاومة المستعمر من خلال نشر الحس الوطني عبرها وتعزيز الحب والانتماء لهذا الوطن. الأمر الذي ترجم من خلال تأسيس مجموعة من زعماء الحركة الوطنية على غرار “البشير صفر” و”عبد العزيز الثعالبي” و”علي باش حامبة” لفريق رياضي سمي “الملعب الإفريقي” تم حله في مرحلة أولى ثم عاد ليكون امتدادا لفريق “النادي الإفريقي”. كذلك هو الأمر من خلال تولي الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة خطة نائب رئيس لفريق “الترجي الرياضي التونسي” خلال فترة الاستعمار وأصبح هذا الفريق رمزا للحركة الوطنية.

وعلى الرغم من أن تداخل السياسة في الرياضة اعتبر نبيلا وحاملا لقضية معينة في عهد الاستعمار، إلا أنه أصبح يشكل خللا بعد الاستقلال في تونس، فتقلد العديد ممن تولى مسيرة رياضية في الجمعيات مناصبا سياسية ولم يكن ذلك في جمعية رياضية معينة على وجه الخصوص بل كان الأمر شائعا في جل الأندية تقريبا على غرار نادي الترجي الرياضي التونسي والنادي الإفريقي والنجم الساحلي، هذا التداخل يعد في ظاهره طفيفا إلا أنه شكل في مرحلة ما خطرا داهما وذلك من خلال استغلال النفوذ السياسي للتأثير على مجريات اللعبة الرياضية ونتائجها وقد وصل الأمر حد التأثير على مصير الأندية ما يخالف تماما قانون الرياضة، وبالتالي نشير هنا إلى مدى وطادة العلاقة التاريخية بين الرياضة والسياسة التي وصلت حد الإخلال بالقانون خدمة لرغبات مصالح معينة على حساب أخرى وتغليبا لمصالح فرق وجمعيات على حساب أخرى وأصبح الحديث عن مفارقة مفادها أنه كلما شغل الرياضي منصبا سياسيا أعلى وأرفع كلما شهد فريقه انتعاشة أكبر.

الدبلوماسية الرياضية بعد الثورة

الثورة التونسية التي اصطحبت معها قيما ومبادئ جديدة بعيدة عن كل أشكال القمع والاستبداد.. ثورة قامت على التجديد والتحرير شهدت التعددية الحزبية والقطع مع الفردانية والأحادية وفتحت الباب للتعددية الحزبية المبنية على إرادة الشعب واستقلال مؤسسات الدولة لم تساهم في قطع العلاقة بين السياسة والرياضة ولم تنجح في كسر الخيط الرفيع الذي يشكل تداخلا بينهما بل الأزمة تعمقت أكثر فأكثر، فالثورة التونسية ساهمت في توسعة مطامع العديد من الأطراف لخوض بداية جديدة. فالتجأت عديد الأحزاب السياسية التي ظهرت بعيد الثورة إلى الوجوه الرياضية المعروفة سواء من اللاعبين أو المدربين أو المحللين الفنيين والذين يحظون بمحبة كبيرة من جمهور وعشاق الرياضة، و قدمت لهم عروضا مغرية للالتحاق كقيادات مهمة في الحزب وذلك كوسيلة للاستقطاب الجماهيري والحصول على عدد أكبر من الأصوات في الانتخابات القادمة، فالمواطن التونسي عندما يشاهد اللاعب أو الرياضي المعروف في ذلك الحزب سيشعر بالطمأنينة والانتماء الذي تولد لديه خلال متابعته لفريقه المفضل، وبالتالي تحرص هذه الأحزاب على انتقاء رياضيين من فرق كبرى ومعروفة للوصول إلى مبتغاها المأمول.

بين الرياضة والسياسة

لم يخفي عدد من الرياضيين مقاصدهم من الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو الدخول في غمار عالم السياسة، فتقلد المناصب السياسة أصبح طموحا يتملك الجميع تقريبا بعد الثورة والأكيد أن النوايا تختلف، فالرياضي من جهته كذلك يرى في شعبيته الملاذ الوحيد للظفر بقاعدة جماهيرية على المستوى السياسي، ولعل نجم مونديال 1978 طارق ذياب هو أحد هذه الأمثلة، حيث انتقل ذياب من عالم كرة القدم الذي تألق فيه مع فريق الترجي الرياضي وسنحت له الفرصة للمشاركة في كأس العالم 1978 مع المنتخب الوطني التونسي، إلى عالم السياسة من بوابة حزب حركة النهضة، حيث عين وزيرا للشباب والرياضة في حكومة حمادي الجبالي، كذلك هو الأمر مع الرئيس السابق “للنادي البنزرتي” مهدي بن غربية الذي خاض السياسة والرياضة في نفس الوقت وتحصل على مقعد في الانتخابات التأسيسية عن حزب التحالف الديمقراطي عن ولاية بنزرت ويحافظ عليه في الانتخابات التشريعية 2014 وشغل خطة وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان في حكومة يوسف الشاهد، تزامن هذا الأمر مع خوض رئيس “النجم الرياضي الساحلي” رضا شرف الدين تجربته السياسية كنائب وقيادي في حركة نداء تونس لفترة ما، ولا يمكن المرور دون الحديث عن تجربة سليم الرياحي والذي يمكن اعتباره المثال الأبرز في هذا الموضوع، فقد تقلد الرياحي رئاسة “النادي الإفريقي” في جوان 2012، وأسس “الحزب الوطني الحر” وساعدته رئاسته لهذا الفريق الذي يعد أحد أهم وأعرق الفرق التونسية، في حصد شعبية كبيرة كفيلة لتجعله أحد أبرز الفاعلين السياسيين في البرلمان التونسي بعد الانتخابات التشريعية 2014. 

وما حدث مؤخرا في البرلمان بتاريخ 21 جانفي 2021 يمثل كذلك تجسيدا لتداخل السياسة في الرياضة، فخلال مداخلته في الجلسة العامة أقدم النائب ياسين العياري على تشغيل أغنية الفيراج “يا حياتنا” تعبيرا منه عن معاناة الشباب وتعليقا على الاحتجاجات الأخيرة، ليحدث ذلك ردود أفعال كبيرة ومختلفة من محبي ومتتبعي الرياضة في تونس بين مرحب بهذه الفكرة باعتبار أن أغاني “الفيراج” هي نابعة من رحم المعاناة وبين من رفض هذا التداخل قطعيا لكن هذا لا يمنع الشعبية الواسعة التي اكتسبها العياري بسبب هذا التصرف.

وبالتالي يمكن الجزم أن الرياضة والسياسة ثنائية شكلت المشهد السياسي في تونس وتعزز الوضع بعد الثورة ليصبح الأمر واقعا لا مجال للتشكيك فيه أو لحجبه، وبات هذا الأمر معروفا حتى على المستوى العالمي فلطالما شكلت الرياضة حلا لتحسين العلاقات الدبلوماسية بين الدول والقطع مع النزاعات خصوصا النزاعات الطائفية عند العرب وعملت على توحيد الشعوب في أكثر من مرة على مدار التاريخ.

المصادر: