تشهد درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في تونس، حيث تشهد موجات حرّ متواترة خلال فترة الصيف تتجاوز فيها درجات الحرارة المعدّلات العادية بأكثر من 10 درجات على الأقل، حيث تسجّل ولايات الجنوب الغربي كقبلّي وتوزر حرارة تقترب من الأرقام القياسية العالمية، حيث تجاوزت 48 درجة مائوية أكثر من مرّة خلال شهر جوان الجاري.
هيئة الأرصاد البريطانية حذّرت من أنّ السنوات الخمس المقبلة قد تكون الأكثر حراً في العالم مشيرة إلى احتمال أن ترتفع حرارة الأرض إلى 1.5 درجة على الأقلّ بحلول سنة 2024.

تونس والتغيّرات المناخيّة

 قال زهير الحلاوي، الخبير في التغيرات المناخية والأستاذ بالجامعة التونسية في تصريح لموقع JDD Tunisie الثلاثاء 29 جوان إنّه لا يمكن القول أنّ هذه الفترة تتميّز بارتفاع درجات الحرارة باعتبار أننا في فصل الصّيف، فالمناخ المتوسطي الّذي تنتمي إليه تونس يتميّز بتواتر فترتين، الأولى رطبة ومعتدلة والفترة الثانية حارّة وجافّة.

وأفاد بأنّ الارتفاع الكبير في درجات الحرارة الذي تشهده تونس من النّاحية الطبيعية، ناجم عن هبوب رياح حارّة وجافّة أو ما يُعرف برياح “الشّهيلي”، قادمة من الجنوب وترفع من درجات الحرارة كما تعطي إحساسا بالضيق والاختناق.


وأشار إلى أنّ الجانب الثاني الّذي ساهم في ارتفاع درجات الحرارة مرتبط بالتّغيّرات المناخية الناتجة عن النّشاط البشري، حيث تعيش تونس ظاهرة “الاحترار العالمي” الناجم عن احتجاز الغلاف الجوّي للطاقة الصّادرة عن الشمس والّتي تُرجعها الأرض في شكل أشعّة ما تحت الحمراء أو ما يعرف بالإشعاع الأرضي.

وتابع “في العادة تنتشر هذه الأشعة خارج الغلاف الجوي، لكن نتيجة اختلال في تركّز غازات معيّنة في الجوّ والتي تعرف بالغازات الدّفيئة تحتبس هذه الأشعّة في الهواء مشبّها إيّاها بتاثيرات البيوت المكيّفة”.

شحّ المياه

أفاد الخبير في التغيرات المناخية بأنّنا أصبحنا نلاحظ ارتفاع درجات الحرارة عن المعدّلات العاديّة منذ أكثر من 60 سنة وأصبحنا نعيش موجات حرّ متواترة خلال فترات مختلفة من فصل الصّيف وترتفع بها الحرارة القصوى لأيّام وأسابيع تنعكس على نشاط الإنسان.

وأضاف “الحرارة هي عنصر من العناصر المترابطة للمناخ ووجود اختلال في أحد العناصر يعني تغيّر كافّة المنظومة باعتبار أنّ الحرارة هي عنصر أساسي في عمليّة التبخّر، وأغلب الموارد المائية في تونس هي من المائدة السّطحية ومعرّضة مباشرة إلى التّبخّر وهو ما يؤدّي إلى تقليص رصيد المياه.

مناطق سيغمرها البحر

أشار الحلاوي إلى أنّ ارتفاع درجة حرارة مياه البحر سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وبالتالي سيهدد المناطق الساحلية المنخفضة الّتي ستُغمر بالمياه على المدى المتوسّط.

وأضاف أنّ عدّة مناطق مهدّدة بالغمر في سواحل المتوسّط من بينها أرخبيل قرقنة، حيث أكّدت الدراسات أن جزءا كبيرا من الجزر مستوى ارتفاعه صفر إضافة إلى بعض السواحل المنخفضة بمنطقة خليج قابس.

وقال إنّ ارتفاع مستوى سطح البحر يؤدّي إلى تسرّب مياه البحر المالحة إلى الموارد المائيّة السّاحلية وبالتّالي تصبح غير صالحة للشرب وللنّشاط الفلاحي مع ارتفاع درجة ملوحتها.

كائنات بحرية دخيلة

أكّد زهير الحلاوي أن التغيرات المناخية أدت إلى ظهور كائنات بحرية دخيلة على المياه التّونسية، ومثال على ذلك سرطان البحر بسواحل صفاقس والتي تشير الدّراسات إلى أنّه يعيش فقط في المياه الدّافئة وتسرّب من البحر الأحمر إلى البحر المتوسّط نتيجة ارتفاع درجة حرارة المياه.

وأضاف أنّ اختلال المنظومة البيئية في السواحل، أدّى إلى هروب بعض الكائنات البحرية المعروفة بسبب عدم ملاءمة المياه لطريقة عيشها مقابل دخول كائنات بحرية جديدة وهو ما يؤثّر سلبا على الأنشطة البحريّة كالسياحة والصّيد البحري، وأكبر دليل على ذلك اكتشاف أنواع جديدة من قنديل البحر “الحرّيقة” بالسّواحل التونسية خلال الأشهر الأخيرة.

كائنات بحرية مهددة بسبب التغيرات المناخية