عرفت نسبة الولادات في تونس تراجعا بأكثر من 28 بالمائة خلال الثماني سنوات الأخيرة، وهو ما لم تشهد تونس خلال العشرين سنة الماضية.

إنخفاض كهذا في عدد الولادات، بنبئ يتغيير في البنية الديمغرافية لتونس، إذ يرى مختصون في الشأن الإجتماعي أن هذا التراجع يعود بالأساس إلى الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعيشها التونسيون والتي ضيقت خياراتهم في الحياة فقد أصبحت أغلب الأسر تلجأ إلى ترشيد المصاريف العائلية لكي تتمكن من الصمود أمام إرتفاع تكاليف الحياة الأساسية من أكل وعلاج وتعليم.

تراجع لافت في نسبة الولادات

تشير آخر الإحصائيات التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء سنة 2021، إلى تراجع كبير في نسبة الولادات المسجلة مقارنة بالسنوات القليلة الماضية، حيث بلغ حسب ذات الإحصائية عدد الولادات لسنة 2021، 160268 بينما سجلت سنة 2013، 222962 ولادة ما معناه أن خلال 8 سنوات تراجعت نسبة الولادة ب28.11 بالمئة، وتعتبر الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع متعددة حسب مختصين في علم الإجتماع لكن تظل الأزمة الإقتصادية العنوان الأبرز في قصص التونسيين عن تأجيل الإنجاب.

بسمة أم لطفلين موظفة بإحدى المؤسسات الحكومية التونسية ،تعمل من الساعة الثامنةصباحا إلى الساعة الخامسة مساء تقول :” عملي عسير، يفوق قدرتي وبالبرغم من الجهد المبذول أتلقى راتبًا قدره 1150 دينار، يذهب فيه جزءا مهمًا لوقود سيارتي للتنقل من منزلي في ولاية زغوان إلى مكان عملي بالعاصمة، و بقية الراتب بالكاد يكفيني لتأمين باقي مستلزمات الحياة الأساسية.”

بسمة ليست المعيل الوحيد لعائلتها بل يعمل زوجها في قطاع التعليم أستاذ رياضيات ويؤمن دروسا خصوصية لتلاميذ البكالوريا ومع ذلك لا ترغب بسمة في إنجاب المزيد من الأطفال في ظل هذه الظروف، من فقدان المواد الأساسية من خبز و حليب للأطفال .

العزوف عن الزواج

ووفق ذات الإحصائيات شهدت نسبة الزواج تراجعا كبيرا في سنة 2021 مقارنة بسنة 2013، حيث بلغت حالات الزواج في سنة 2021، 71572 بفارق 38547 حالة عن سنة 2013.

الأزمة الإقتصادية التي تغرق فيها تونس و إرتفاع تكاليف الزواج ، دفعت بالمقبلين عليه إلى إعادة النظر في تخطيطهم للإنجاب، يرى أحمد 38 سنة أن إنجاب طفل في هذا الظرف الدقيق التي تمر به البلاد أمر غير منصف، ويقول :” لماذا أنجب طفلا في بلد نبصر فيه كل لحظة أن الغد فيه سيء؟.”

ويضيف أحمد :”لماذا أنجب طفلا سيٌعاني من عدم الأمان و أدني مقومات الحياة في بلد الكل يحلم بمغادرته.”

إرتفاع حالات الطلاق

وفي مقابل تراجع حالات الزواج وفق ذات الإحصائية إرتفعت عدد حالات الطلاق، من 12871 حالة سنة 2010 إلى 16750 حالة سنة 2018.

فاطمة 34 سنة ،إنفصلت أخيرا عن زوجها بعد زواج دام سنتين تقول :” تفاقمت الخلافات مع طليقي بعد زواجي بأشهر جراء المتطلبات المادية للمنزل من إيجار البيت و فواتير الكهرباء و الماء و الأنترنت.” وتضيف فاطمة :” أحمد الله أني لم أرزق بأطفال ، بالكاد تحملت صعوبات الحياة مع طليقي، كُنا بالكاد قادرين على خلاص الفواتير و معاليم الإيجار فلم تكون لنا القدرة على التخطيط للإنجاب في ظل مستقبل ضبابي.

الهجرة تساهم في إنخفاض عدد الولادات

ساهمت ظاهرة الهجرة خلال السنوات القليلة الماضية في إنخفاض عدد الولادات، و يقدر عدد المهاجرين التونسيين الحاليين بحسب دراسة نشرها المرصد الوطني للهجرة لسنة 2020 بحوالي 566 ألف شخص (388 ألف من الرجال و 178 ألف من النساء) يقيم ثلاث أرباعهم بفرنسا ثم إيطاليا و ألمانيا.

وغادر حسب ذات الدراسة نصف المهاجريين الحاليين من أجل البحث عن عمل و تحسين دخلهم، و يعدُ التجمع الأسري السبب الرئيسي لمغادرة ثلثي المهاجرات.

ووفق ذات الدراسة تتمير الهيكلية العمرية للمهاجرين الحاليين بغالبية نسبية لفئة الشباب في سن الخصوبة، حيث أن أربعة مهاجرات من 10 تتراوح أعمارهم بين 15 سنة و 29 سنة.

أدت الأزمة الإقتصادية والنقص الحاد في المواد الأساسية إلى إتجاه التونسيين نحو البحث صوب أفق أرحب خارج بلدهم الذي لازال يعاني من تراكمات ناتجة عن منظومات مزالت تنخرها البيروقراطية وقلة الإمكانيات وغياب الإستراتجيات الفعالة و الخطط العقلانية التي من شأنها حلحلة الأزمة و الخروج منها بأخف الأضرار.

إيمان الوسلاتي