منذ الاستقلال عام 1956، حظيت المرأة التونسية بجملة من الحقوق والامتيازات المدنية اعتبرت بمثابة “تحولات ثورية” مقارنة بوضع النساء آنذاك في العالم العربي وقد كفلت هذه الحقوق تشريعات “مجلة الأحوال الشخصية” التي تمنع تعدد الزوجات وتمنح حق الطلاق للمرأة والحق في التعليم والعمل.

لكن ذلك لا ينفي أن هذه الحقوق تبقى محدودة في ظل وجود قوانين تعطل المساواة بين الجنسين وتبقى رهينة التطبيق الفعلي، خاصة “حق الطلاق” والذي يعدّ من الظواهر الأكثر انتشارا في المجتمع، قد أخذ حيزا قانونيا هاما في مجلة الأحوال الشخصية واعتنى به المشرع في فصوله نظرا لما للمسألة من أهمية.

التكافؤ ضرورة بين الجنسين

كشفت إحصائيات قدمتها وزارة العدل، في بداية العام 2020، عن تسجيل 46 حالة طلاق يوميا في تونس و13 ألف قضية طلاق سنويا، كما تشير البيانات إلى ارتفاع عدد الحالات مقارنة بالعام 2017 حيث كانت المحاكم لا تبت سوى في 41 حالة طلاق يوميا، فما هي الإشكاليات المتعلقة بالطلاق؟ وهل يحظى كل من الرجل والمرأة بالمساواة في مسائل الطلاق؟

ينص الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية على أن “يتعاون كل من الزوج والزوجة على تسيير شؤون الأسرة وحسن تربية الأبناء والتصرف بشؤونهم بما في ذلك السفر والمعاملات المالية، وعلى الزوج بصفته رئيس العائلة أن ينفق على الزوجة و الأبناء على قدر حاله وحالهم في نطاق مشمولات النفقة، وعلى الزوجة أن تساهم في الإنفاق على الأسرة إن كان لها مال”.

وفي هذا الإطار رأى كثير من القانونيين أن المرأة أصبحت شريكا للزوج في النطاق الأسري بفضل هذا الفصل الذي ألغى مبدأ الطاعة المفروضة على الزوجة لزوجها وبنى العلاقة الزوجية على التعاون بينهما في تسيير شؤون الأسرة.

وفي نفس الإطار صرّحت المحامية وفاء الغلابي لـ”JDD” أن مبدأ المساواة متأصّل منذ الاستقلال في الطلاق بين الزوجين، ولعلّ الطّلاق القضائي يعد من أبرز مظاهر الإقرار الصريح لمبدأ المساواة بين الجنسين، إذ نصّ الفصل 30 من مجلة الأحوال الشخصية على أنّه “لا يقع الطلاق إلّا لدى المحكمة “وذلك على غرار العديد من البلدان العربية مثل “مصر” إذ لا يزال الطلاق فيها شفويا،

وحسب ما نصّت عليه، يكون الطلاق في ثلاث صور إمّا أن يتمّ الطلب بتراضي الطرفين، وإمّا أن يتمّ بناء على طلب أحد الزوجين بسبب ما حصل له من ضرر سواء كان ذلك ضرر ماديا أو معنويا، أو بناء على رغبة أحد الزوجين أي الطلاق إنشاء ووضحت في هذا السياق أهمية ما ورد في الفصل 38 من مجلة الأحوال الشخصية،”يجب على الزوج أن ينفق على زوجته المدخول بها وعلى مفارقته مدّة عدّتها”، فالنفقة غير مرتبطة بفقضية الطلاق فقط، الرجل يقتضي عليه أن ينفق على عائلته في حال قيام العلاقة الزوجية أو انفصالها، إذ أن المرأة بإمكانها رفع قضية في النفقة حتى في إطار قيام العلاقة الزوجية.

وأشارت إلى نقطة أخرى هامة، أنه في ظل اتخاذ البلاد لسياسة جزائية جديدة في أنسنة العقوبات لا تزال نسبة هامة من الرجال في السجن لعدم قدرتهم على دفع النفقة، أحيانا نظرا لأوضاعهم الصعبة.

وفي الحديث في إجراءات الطلاق فلا فرق بين من كان مدعيا أو مدعا عليه، فإجراءات الفصل 32 وما بعده من مجلة الأحوال الشخصية ستنطبق كما هي دون تمييز. وعند الحكم فسيحصل من تضرر منهما على تعويض مناسب، ولكن مع شيء من التمييز لفائدة المرأة من خلال إقرار حقها في الجراية العمرية.