Tunis (Tunisia): The law courts with a Tunisian flag on top (Photo by: Andia/UIG via Getty Images)

عندما سأل رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل مستشاريه عن حال القضاء في بلاده إبان الحرب العالمية الثانية، وقد شهدت البلادُ وقتها دمارًا منقطع النظير، أجابوه قائلين إنّ القضاء بخير، عندئذٍ قال جملتهُ الشهيرة: “طالما أنّ القضاء في البلاد بخير، فكلّ البلاد بخير”، وقبل تشرشل بقرون، قال العلاّمة التونسي عبد الرحمان بن خلدون إنّ: “الظلم مؤذن بخراب العمران”، ذلك أنّ لا عمران في غياب قضاء عادلٍ ومستقلّ.

وضعية القاضي اليوم

عندما نشيرُ إلى أوضاع القضاء السيّئة، فإننا لا نبالغُ أو نتوغّل داخل مناطق محظورة، فالاتهامات المتبادلة بالفساد والإثراء غير المشروع وُجدت لها طريقا إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وغضب القضاة من تردّي أوضاعهم المعيشيّة تحوّلت إلى مادّة إعلاميّة، وتعطلّ استكمال مسار إصلاح القضاء أرهق الهياكل المهنية وأرهق المواطنين، ففي دولةٍ أنجزت انتقالها الديمقراطيّ، ويفترضُ بها أن تستكمل مشروع بناء دولة المؤسسات والقانون، ما يزالُ القضاء التونسيّ يراوحُ مكانه رغم كمّ الدعوات التي تطالب القائمين على الشأنين السياسي والتشريعيّ بتعجيل النظر في ملفّ الجهاز القضائي.

وأضاف القاضي عمر الوسلاتي في هذا الأساس لـ” JDD” لم يقع سن النظام الأساسي الجديد للقضاة إلى اليوم، وهو ما نادى به دستور 2014، نظام كان من شأنه أن يكرس ضمانات استقلاليتهم في مساراتهم المهنية ويحقق خاصة استقلال النيابة العمومية على السلطة التنفيذية وكذلك الاستقلالية الإدارية والمالية للمحاكم بأصنافها، ومن ثمّة تحرير إدارة العدالة من التبعية للسلطة التنفيذية فضلاً عن الارتقاء بجودة العدالة وخدمات المرفق العدلي.
وأضاف أنه لم يقع إصلاح الأوضاع داخل التفقدية العامة بوزارة العدل التي ظلت جهازا قاصرا عن أداء دورها الرقابي.
وأشار إلى نقطة مهمة على حد ّ قوله، لم يقع ضبط مستوى تأجير محترم ومستقل للقضاة يقيهم من الخضوع للضغوطات الماسة باستقلالهم ونزاهتهم سواء من السلطة التنفيذية أو من مراكز النفوذ”.


وصرّح القاضي الإداري عز الدين حمدان لـ”JDD” أنه لم تتمّ مراجعة طرق انتداب القضاة وكل العاملين بالمحاكم وبالمؤسسات القضائية تحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء بناء على مستويات الكفاءة العلمية والكفاءة الأخلاقية.
كما أشار إلى برامج تكوين القضاة والتي في حاجة إلى تكوين مستمر وعميق تحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء لضمان نجاعة أكبر في قيام القضاة بالدور الجديد الموكول إليهم طبق الدستور في حماية الحقوق والحريات العامة وخاصة في التصدي للجرائم التي تهدد النظام الديمقراطي كجرائم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الفساد المتشعبة وجرائم الاعتداء على المال العام.
كما شدّد حسب رأيه على نقطة أساسية، وهي المحكمة الدستورية والتي تعتبر الضامنة لمطابقة كل الإصلاحات المدخلة على المنظومة القضائية للمقتضيات الدستورية في تركيز هيأة مستقلة وحتى لا تبقى على عكس ذلك منظومة تابعة وهشة سهلة الاختراق والتطويع.

خلافات واضحة لا تزال تشقّ مسار القضاء

من الواضح أنّ مسيرة إصلاح السلطة القضائية لم تكتمل، وأنّ المراجعات العميقة التي تمت المطالبة بها منذ فترة طويلة بقي جزء هام منها معلّقا، ومن بينها الإرادة السياسية، وهو ما جعل الحكومات المتعاقبة “تعجز” عن القيام بذلك، وتكتفي بغضّ الطرف أو القيام بتسويات جزئية من أجل ترضية القضاة.

لا شكّ في أنّ خلافات واضحة ومؤكدة لا تزال تشق الأسرة القضائية، وهو ما يجعل قدرة القضاة على تحقيق مطالبهم تبقى محدودة، رغم تمتعهم باستقلالية كاملة عن السلطة التنفيذية، كما أنّ سعي الأحزاب الكبرى نحو استمالة قضاة إلى جانبها، قد ضاعف من حالة الغموض، وأكد استمرار التداخل بين المجالين القضائي والسياسي، وبما أنّ تعاقب الحكومات بنسق سريع أصبح أمراً ملازماً للمشهد السياسي، فقد زاد ذلك من حالة الغموض التي تحيط بهذه المؤسسة الإستراتيجية.

لا ديمقراطية فعلية بدون استقلالية القضاء، وإعمال القانون وضمان العدالة، تونس في هذا المجال لا تزال تقف في وسط الطريق.