تتميزالبلاد التونسية بكونها من الدول التي نجحت في تقنين قوانين العائلة في مجلة قانونية كرست أحكاما مدنية تنظم مؤسساتها، ومن المفترض تاليا أن يكون الجواب عن السؤال المطروح : “هل يقبل القانون التونسي بالزواج عند اختلاف الدين؟” إلا أن المسألة تبدو أكثر تعقيدا: فالسؤال حول موقف المشرع التونسي من جواز زواج المسلمة بغير المسلم والمسلم بغير الكتابية يواجه اليوم رأيين فقهيين متناقضين: أحدهما يؤكد المنع فيما يؤكد الآخر الإجازة، ولكل منهما مبرراته النظرية ويتجاذب الرأيان الأحكام القضائية التي تنقسم بينهما.

غموض قانوني

أعلنت المتحدثة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية فى تونس سنة 2017 سعيدة القراش، إلغاء جميع النصوص المتعلقة بمنع زواج التونسية بأجنبي.
وكتبت القراش على الصفحة الرسمية للرئاسة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إن “منشور عام 1973 والقرارات ذات الصلة المتعلقة بمنع زواج التونسية بأجنبي تم إلغاؤها، وأصبح لنساء تونس حق حرية اختيار القرين (الزوج).

لكن إبّان ذلك وقع نشر بلاغ عن بلدية الكرم التي يترأسها فتحي العيوني، الأربعاء 8 جويلية 2020، ينصّ على وجوب استظهار الأجنبي بشهادة في اعتناق الدين الإسلامي إن كان يروم الزواج بمسلمة، وهو ما اعتبره حقوقيون مخالفة للقوانين المنظمة لذلك.

وأكد رئيس بلدية الكرم على أن وجوبية تقديم الرجل غير المسلم المتقدم للزواج بامرأة تونسية مسلمة شهادة باعتناقه الدين الإسلامي للسماح له بإتمام عقد الزواج “ليس مخالفا للقانون”.

و ظلّ هذا التذبذب القائم تبعا للغموض الوارد في القانون المنظم لزواج المسلمة بغيرالمسلم والقوانين التي تخوّل لرؤساء الجماعات المحلية الارتكاز على الجانب القانوني ورفض أي زواج دون شهادة في اعتناق الدين الإسلامي، فماهي الأسس القانونية المعتمدة في ذلك؟.

يوضح النص الدستوري في التوطئة على “التمسك بتعاليم الإسلام” وعلى “الهوية العربية الإسلامية”، وينص في الفصل الأول أن تونس “دينها الإسلام”، وكذلك الفصل 6 الذي يشدد أن “الدولة راعية للدين”.

أما عن مجلة الأحوال الشخصية فينصّ الفصل 5 منها على أنه “يجب أن يكون كلّ من الزوجين خلوًا من الموانع الشرعية”، وتسمح عبارة “الموانع الشرعية”، بالعودة للفقه الإسلامي بما أنه المصدر المادي لمجلة الأحوال الشخصية. ويضيف أن المشرع اعتمد هذه العبارة لهذه الغاية بدليل عدم استعمال عبارة “الموانع القانونية”، وبالتالي لا يجب الاكتفاء بالموانع الأبدية والمؤقتة الواردة في نص المجلة فقط وذلك دليل على أن منشور 1973، الذي وإن سبق إلغاؤه، “لا يغير من الأمر شيئًا” باعتبار أن الفصل 5 من مجلة الأحوال الشخصية هو المستند الأساسي، وتأتي الإشارة، في هذا السياق، إلى أن عميد عدول الإشهاد “عبد المجيد الفقي” في تونس، صرح في وقت سابق، عن رفضه تغيير المنشور 73 بل طالب مفتي الجمهورية التونسية بالخروج عن صمته وحسم الأمر، وفق قوله.

ورغم توجه جانب هام من فقه القضاء لتبني هذا الطرح فان الطرح المناقض له لم يتراجع تأثيره تماما، فمنشور وزير العدل الذي يمنع زواج المسلمات بغير المسلمين يبقى ساريا، ويحرص ضباط الحالة المدنية على العمل به كما أن قضاة النواحي يتحرون عدم ترسيم الأجنبيات ذوات الأسماء التي يستشف منها أن ديانة أصحابها غير الإسلام بحجج وفاة المواطنين التونسيين.

 القانون التونسي يمنع أي تمييز بين الأفراد بسبب معتقداتهم

يبدو أن موقف فقه القضاء منقسم فيما يتعلق بصحة زواج المسلمة بغير المسلم، إذ تكشف أغلب الأحكام القضائية المنشورة عن توجه المحاكم لعدم الأخذ باختلاف المعتقد كسبب لفساد الزواج وتبعا لذلك لعدم استحقاق الإرث، مع تواجد أحكام قضائية لا زالت تصر على المنع وتصرح بحرمان القرين الأجنبي الذي لم يثبت إسلامه بحكم تسميته التي يستشف منها دينه أو بشهادة رسمية من دار الإفتاء  من إرث قرينه أو أبنائه منه.

يستند هذا الأخير على الدستور أيضًا بالخصوص مع تنصيص التوطئة على “مبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية” و”المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات، كما يرتكز على الفصل 2 الذي ينص على أن “تونس دولة مدنية”، والفصل 6 بخصوص “حرية المعتقد والضمير”، وأيضًا على الفصل 46 الذي تنص فقرته الأولى أن الدولة تتلزم بـ “حماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها”.

بالإضافة للاتفاقيات الدولية المصادق عليها وهي أقل مرتبة من الدستور وأعلى مرتبة من القوانين، ويأتي الحديث بالخصوص، في هذا الإطار، عن اتفاقية “السيداو” (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) التي تمنع التمييز ضد المرأة في علاقة بمسألة اشتراط زواجها بالمسلم ضرورة، وكذلك اتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

متى ينتهي هذا الجدال؟

إن الحسم في هذه المسألة على المستوى القانوني الإجرائي على الأقل يفترض تنقيح مجلة الأحوال الشخصية للخروج من حالة الغموض وذلك إما بحذف عبارة “الموانع الشرعية” وتعويضه بعبارة “الموانع القانونية” لسد الباب دون العودة للفقه الإسلامي لاستجلاب مانع عدم إسلام الزواج، وإلا، في الاتجاه المخالف، التنصيص على هذا المانع بصفة صريحة وإضافته لقائمة الموانع المؤقتة الواردة في نص المجلة.