أحيى عشرات الفرنسيين قبل أيّام الذكرى الـ 150 للثورة الفرنسية الرابعة أو ما يعرف بانتفاضة الطبقة العاملة “كومونة باريس” التي راح ضحيتها آلاف الفرنسيين. وأدارت “كومونة باريس”، وهي حكومة اشتراكية معادية للكنيسة العاصمة الفرنسية باريس لفترة قصيرة، بدءا من منتصف مارس حتى 28 ماي 1871 وانتهت بقمع وحشي من قبل الجيش النظامي فيما سمي بـ”الأسبوع الدموي”
قصر مدّة هذه الثورة لم يمنع إشعاعها في الزمان والمكان، فبعد قرن ونصف لا تزال ذاكرتها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالهوية السياسية للمعسكر الإنساني الثوري في فرنسا.

نفس الأسباب تتجدد


أظهرت التحركات الاحتجاجية في باريس سنة 2018 تواصل الصرّاع الذي قامت عليه “الثورة البروليتارية الأولى” كما يسميها كارل مارس سنة 1871 في باريس، بين أصحاب الأفكار الاشتراكية والعدالة الاجتماعية ورجالات الطبقة البرجوازية المتنفذة.

حركة السترات الصفراء كشفت أن الإشكالات التي يعيشها المجتمع الفرنسي اليوم من بطالة وارتفاع نسب الضرائب، أدّت إلى إحياء القضايا التي كان يحتدم حولها الصراع السياسي في فرنسا زمن انتفاضة الكومونة، حيث اختار المحتجون شارع الشانزيليزيه الذي يرمز إلى الطبقة “البرجوازية” على اعتبار أنه يضم أكبر عدد من محلات بيع “الماركات” العالمية.

ورفعت في مظاهرات السترات الصفر لافتات تمجد ثورة 1789 وكومونة 1871، كما رفعت في مظاهرات المعلمين والأساتذة ضد وزير التعليم جان ميشال بلانكي لافتات تقول: نريد القليل من جان ميشال والمزيد من لويز ميشال (أشهر بطلات الكومونة).

خلاف بعد قرن ونصف

هل يجب أن يحيي الفرنسيون ذكرى كومونة باريس؟.. رغم مرور 150 عاما ما زال هذا السؤال يؤجج الخلافات بين اليسار الفرنسي في السلطة واليمين في المعارضة.


النائب عن حزب الجمهوريين في المجلس البلدي لباريس رودولف غارنيي عبّر أثناء الاستعداد لإحياء الذكرى في باريس عن معارضته اقتراح تخصيص منحة مالية لجمعية “أصدقاء كومونة باريس 1871” التي اتهمها بتمجيد حرائق الكومونة والأحداث العنيفة التي تخللتها.


كما اتهم غارنيي عمدة باريس الاشتراكية آن هيدالغو بترويج الأباطيل التاريخية بغرض إعادة توحيد الاشتراكيين والشيوعيين والخضر في سياق مسعاها لخوض السباق الرئاسي العام المقبل، ليجيبه رئيس الجلسة، الاشتراكي باتريك بلوش، قائلا “ما يطمئنني أني مؤمن بالتضادّ بين اليسار واليمين، وها أنت قد أكدت صحة هذا التضاد بعد 150 سنة كاملة على أحداث الكومونة”.
كنيسة القلب المقدس، التي شيّدت كأحد أعمال التكفير عن الذنب في أعقاب النتائج الكارثية للحرب الفرنسية البروسية والتي ارتبطت ارتباطا وثيقا بالعداء الكاتوليكي تجاه الكومونة، كان لها نصيب من الصراع اليساري اليميني في فرنسا سنة 2021، حيث أحّل مجلس المدينة قرارا كان يفترض صدوره هذا العام بشأن منح الكنيسة مكانة في قائمة تسمح لها بتلقي الدعم الحكومي.


رودولف غارنيي النائب عن الجمهوريين صرّح أن “هناك أشخاصا في التحالف الاشتراكي، يريدون تدمير كنيسة القلب المقدس لأنهم يرون أنه نصب تذكاري ضد الكومونة، بعد نوتردام، هذه هي الكنيسة الأكثر زيارة في باريس” ويضيف “إعادة كتابة التاريخ لتسجيل نقاط سياسية ليست طريقة جيدة لممارسة السياسة”.