على حين غرّة، وقبل أن يدفع الممرضون بالسرير إلى جوفه، يقرر المصعد الكهربائي الصعود محتجزا جسم المريضة التي بقي نصفها متدليا خارجه.

وبعد محاولات متكررة يخلص أعوان الصحة المريضة منه في مشهد أذهل الحاضرين. 

هذا المشهد عاش على وقعه مؤخرا مستشفى الحبيب بوقطفة ببنزرت، وكاد يعيد سيناريو ربما أفظع من فاجعة المستشفى الجهوي بجندوبة أواخر سنة 2020، بسقوط المصعد الذي أودى بحياة الطبيب بدر الدين العلوي.

مشكلة المصاعد ليست سوى واحدة من المشاكل التي باتت تشهدها بعض المؤسسات العمومية جراء عدم إيلاء ملف الصيانة الأهمية التي يستحقها.

مصعد معطل وآخر منهك

يتوفر مستشفى الحبيب بوقطفة على مصعدين، أحدهما صغير الحجم، ولا يستعمل في نقل أسرة المرضى، وهو معطل منذ سنة، ما دفع بالإدارة إلى إلغائه، وشقيقه الأكبر يستعمله الإطار الطبي وغير الطبي والزوار ومرضى الكوفيد 19 في نفس الوقت.

وأمام الاستغلال المفرط للمصعد الكبير، باتت علامات الإنهاك والإرهاق بادية للعيان وكلما حانت رحلة صعوده أو نزوله ارتعدت فرائصه وعلا ضجيجه إيذانا بساعة توقفه. 

الطبيب بدر الدين العلوي، أحد ضحايا المصعد المهمل بمستشفى جندوبة

لطالما تكررت أعطابه، تاركا راكبيه سجناء داخله، معلقين في منزلة بين المنزلتين، لا هم وصلو إلى غاياتهم ولا هو أكمل مشواره، وفق تأكيد احد الممرضين لـ JDD ،TUNISIE رافضا كشف هويته خوفا من أي ضغوطات إدارية. 

كما خير بعض الممرضين تفادي امتطائه، مستعملين درجات السلم المضنية لنقل أسرة المرضى في عملهم اليومي، حسب تأكيد نفس الممرض.

هذا التذبذب في أداء المصعد الكبير والعطالة غير المفهومة للمصعد الصغير، كانا على مرأى من إدارة المستشفى التي كانت تتلقى تذمر الممرضين ببرود ولامبالاة حينا ويختفي حينا آخر بصيانة سريعة تمدد وقتيا في حياة المصعد الأكبر إلى أن احتجز الأسبوع الماضي جسم إحدى المريضات، وكاد يشطرها نصفين.

اتصلنا بلطفي جمال القيم العام بالمستشفى، فتفادى تقديم إجابة واضحة، مكتفيا بالتأكيد على أن صيانة المصاعد من مشمولات مصلحة الصيانة.

صيانة عرضية

مستشفى الأطفال البشير حمزة، هو المؤسسة الاستشفائية العمومية الوحيدة المختصة في علاج الأطفال فقط وتكاد تنعدم الصيانة داخل هذا المرفق العمومي، وفق تأكيد ممرض، رفض ذكر اسمه تفاديا لأي ضغوطات إدارية.

“لا يقوم المستشفى بإعداد برنامج واضح لصيانة معداته وممتلكاته حيث تقتصر أعمال الصيانة على القيام بأشغال بسيطة وعرضيّة، أما تدخل فريق الصيانة فلا يتمّ بالسرعة المطلوبة لإصلاح الأعطاب التي تتعرض لها بعض التجهيزات” هكذا كانت ملاحظات مراجع الحسابات على ما يجري صلب مستشفى الأطفال البشير حمزة بتونس العاصمة في 2015.

وبعد سنة كاملة يكرّر مراجع الحسابات نفس الملاحظة حرفيا، لتكون ذات الإجابة من إدارة المستشفى: “يفتقد قسم الصيانة إلى العديد من الأعوان وفي كلّ الاختصاصات، وعليه فإنّ الاستجابة لطلبات الأقسام تتقيد بهذه الوضعية ولكن عمليات الصيانة الدورية تقوم بها في كلّ الحالات الشركات المختصّة ويقتصر عمل الفريق على المراقبة والمتابعة.”

مستشفى الأطفال البشير حمزة يفتقد لبرنامج واضح لصيانة المعدات

هذا الاقتصار على إجراء أشغال بسيطة وغير منتظمة لا تضمن فقط ديمومة عمل معدّات المستشفى، بل قد يعود بالضرر على المرضى و الإطار الطبي وشبه الطبي، حسب إفادة نفس المصدر بالمستشفى.

يذكر أنه قد سبق لجاد الهنشيري، الطبيب ورئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان، أن أشار في تصريح صحفي، إلى أن مشكلة المصاعد المعطلة بمستشفى جندوبة ليست بالجديدة، بل كانت محل شكايات من الإطار الطبي منذ 2016.

وقال أحد التقنيين بشركة مختصة في صيانة المصاعد تعمل مع المستشفيات العمومية، في تصريح لإذاعة شمس أف أم أن “مشكلة مصاعد مستشفى جندوبة تعود إلى قرابة الـ9 سنوات، وفي كل مرة يتجدد العقد مع شركة جديدة لكن لا يتم خلاص مستحقاتها فلا تستكمل عملية الصيانة.”

وتسبب سقوط مصعد كهربائي بمستشفى جندوبة في وفاة الطبيب ببدر الدين العلوي في 3 ديسمبر 2020.

تحذيرات محكمة المحاسبات

وخلصت الأعمال الرقابية لمحكمة المحاسبات على مستشفى عزيزة عثمانة بتونس العاصمة بين 2012 و2016 إلى أن 42 بالمائة من التجهيزات البيوطبية المتوفرة في الاقسام والمخابر، هي في وضعية سيئة، بل بلغت فترة تعطب بعضها لثمانية أشهر.

ويضيف التقرير: ” إثر تعطب شبكة التكييف بوحدة الإقامة بقسم أمراض الدم منذ 2014، ركز المستشفى أجهزة تكييف عادية وهي تجهيزات غير ملائمة لهذه الوحدة، تساهم في انتشار التعفنات مثلما نصت على ذلك مراسلة مركز الصيانة الموجهة إلى وزارة الصحة”.

42 بالمائة من التجهيزات البيوطبية في مستشفى عزيزة عثمانة في وضعية سيئة

“ويشكو المستشفى من قدم البنايات وتصدعها وانتشار الرطوبة ومن شأن ذلك أن يساهم في تدني ظروف حفظ الصحة ويتسبب في ظهور الفطريات والجراثيم التي تهدد سلامة المرضى وتجعلهم عرضة للتعفنات الاستشفائية وتؤثر سلبا على صحة العاملين بالمستشفى وهو ما يتطلب الإسراع بالقيام بعمليات الإصلاح والصيانة..” هكذا سجل تقرير محكمة المحاسبات.

بدوره لم يقم المستشفى الجامعي سهلول بسوسة بتحيين دفتر السلامة ولم يُعدّ مخطط تدخلٍ للوقاية من أخطار الحريق والانفجار والفزع بالبنايات، خلافا لأحكام مجلة السلامة والوقاية، وفق آخر تقرير لمحكمة المحاسبات عن المستشفى.

كما أشار التقرير إلى اكتفاء إدارة المستشفى بفحص 20 بالمائة من الأجهزة للرقابة.

مطار غير محمي من الحرائق

خلص تقرير اختبار أجرته المحكمة الابتدائية بتونس، في مارس 2012، إلى افتقار مطار قرطاج إلى شبكة امتصاص الدخان، ما يهدد هذا الفضاء بعدم القدرة على مجابهة أي حرائق قد تنشب.

وبعد مرور ست سنوات على الاختبار، يسجل مراجع الحسابات نفس الإخلال في التقرير المنجز في 2018 فقد أشار التقرير إلى عدم تسوية هذه الوضعية وإيجاد حل يمكن من تجهيز مختلف الفضاءات العائدة بالنظر إلى المطار بوسائل الحماية من الحرائق.

مطار قرطاج الدولي يفتقد لمنظومة ناجعة ضد الحرائق

وتتمثل هذه الفضاءات في مطار قرطاج والمقرات الاجتماعية 1 و2 و3 وإدارة المصالح الكهربائية والمغازة وبرج المراقبة ومبنى محطة الإنقاذ والحماية من حرائق الطائرات.

يذكر أن ديوان الطيران المدني والمطارات قد أبرم في سنة 2006 عقدا مع شركة خاصة لتركيز منظومة للتأمين من الحرائق في مطار قرطاج، قبل أن يتم فسخ العقد في 2013 بعد التأكد من عدم نجاعة هذه المنظومة، وفق تأكيد تقرير مراجع الحسابات لأنظمة الرقابة الداخلية لسنة 2018.

ورغم اتصالنا بإدرة الديوان ومراسلتها، لم يحظى استفسارنا بأي إجابة تذكر إلى حدود كتابة المقال.

تقصير في الحماية والإجلاء

لاحظ مراجع الحسابات في تقرير له عن أنظمة الرقابة الداخلية بشركة نقل تونس بتاريخ 2018، وجود العديد من النقائص المتصلة بإجراءات السلامة المعتمدة داخل الشركة.

في هذا السياق شدد على عدم تعهد قوارير الإطفاء بالمراقبة، وخاصة عدم تكليف فريق متخصص في الإجلاء والحماية في حالة نشوب حريق.

كما أفرزت أعمال التدقيق تسجيل غياب برمجة مسبقة لأعمال الصيانة الوقائية والتهيئة بمختلف بناءات الشركة وعدم توفر تدقيق دوري في المخاطر التي يمكن أن تمس بعض منشآت الشركة كخزانات الوقود والحافلات ومستودعات قطع الغيار.

اتصلنا بالمكلف بالإعلام بشركة نقل تونس، باحثين عن إجابة عن النقاط التي سجلها التقرير الرقابي، دون الحصول على أي إجابة تذكر.

هكذا يبقى استهتار بعض المؤسسات العمومية بصيانة دورية ومنهجية للتجهيزات، مهددا حقيقيا لأرواح موظفيها وقاصديها في الآن نفسه.

وفي الأثناء تطالعنا الأخبار بين الفينة والأخرى بحادث في هذا المرفق العمومي أو ذاك، في ظل سبات شبه كلي للإدارة والمسؤول.