بقلم: الدكتور الصحبي بن فرج

لفهم ما يجري على الساحة يجب تجميع وتحليل الحقائق الثابتة وغير القابلة للدحض التي تتكثّف أمامنا والتي ستحدد ملامح المشهد السياسي،
قراءة هذه الحقائق بهدوء وتمعن تمكننا من فهم ما يجري وخاصة ما يتم طبخه في الكواليس.
أولا، الوضع المالي يتقدم بثبات نحو المأزق وربما الإفلاس : ثغرة بـ20 ألف مليار في الميزانية، ديون حان وقت سدادها بمليار دولار، ترقيم سيادي ينحدر نحو الأسوأ وغياب أي بوادر حل باستثناء المراهنة على الاقتراض الخارجي.
ثانيا، التقييم التقني للحكومة برمتها والمسلّم به في الداخل كما في الخارج، أنها حكومة ضعيفة وعاجزة وبلا أدنى قدرة على مواجهة الوضع أو حتى تقديم تصور للحل وذلك دون أن نذكر إدارتها الكارثية لجائحة الكورونا وأزمة التلاقيح
ثالثا، شراسة المعركة السياسية بين قرطاج ومحور باردو|مونبليزير عطلت السير العادي للمؤسسات فظلا عن التصدي للازمة المالية، واستحالة أي تسوية سياسية بدون حسم ملف الحكومة
رابعا، الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو الإمكانية الوحيدة المتاحة أمام أي حكومة، وثمن هذا  الاتفاق بالضرورة هو ثمن سياسي|تقني
أما السياسي فهو التوصل إلى تسوية بين القصرين (باردو وقرطاج) وإنهاء الخلاف حول الحكومة.
وأما التقني فهو الالتزام ببرنامج إصلاحات مؤلمة شعبيا يكاد يجمع المراقبون على أنها ستؤدي حتما إلى حراك اجتماعي سينفجر في وجه الجميع
خامسا، رحيل ترامب وقدوم بايدن إلى البيت الأبيض أدى إلى إعادة رسم المشهد الإقليمي حولنا: أنهيت الحرب في ليبيا وجيئ بحكومة ائتلافية تركز على إعادة الإعمار وتنظيم انتخابات، مصالحة مصرية تركية قطرية تتقدم ببطء ولكن بثبات،
لقد بات واضحا لكل من يريد أن يفهم أن من يفرض إخماد حرب في ليبيا سيعمل بالضرورة على منع تدحرج الاوضاع في تونس نحو أن تصبح بؤرة توتر على حدودها(ومنها إلى عمق إفريقيا) وعلى مرمى قارب خشبي من أوروبا
بتجميع بسيط لهذه الحقائق الثابتة يكون التكهن بما تم إبلاغه بكل وضوح إلى مختلف الفرقاء وعبر وسائط متعددة : لن يكون هناك دعم مالي ولا قروض ولا ضمانات إلا بتوقيع اتفاق تقني من صندوق وأيضا بإرساء تسوية دائمة بين طرفي الأزمة في إطار الحفاظ على الديموقراطية (المؤسسات) وفي إطار احترام الشرعية(رئاسة وبرلمانا)
هذه التسوية تتطلب إما صلحا مستحيلا بين قيس والمشيشي وإما استقالة الحكومة مع اتفاق واسع على اسم ساكن القصبة القادم انتهت الرسالة
أما القصر فقد اختار تكتيك التهدئة والحذر في التصريحات مع التمسك بنفس المطالب في الكواليس
بينما توخت النهضة خطة الهجوم (وثيقة الانقلاب)  والمناورة عبر تحشيد الحلفاء في الخارج من إجل توفير دعم مالي هام للميزانية  يمكنها من إنقاذ حكومتها و التهرب من استحقاقات التسوية السياسية المطالبة بها دوليا 
فشلت غزوة الوثيقة في استدراج الرئيس إلى معارك كلامية بالرغم من شراسة الحملة، وفشلت كل محاولات تأمين الدعم المالي من الخارج وسط ضخ إعلامي هائل سبق ورافق زيارات رئيس الحكومة إلى قطر وليبيا حيث تلقى على الأرجح نفس الرسائل المذكورة أعلاه: الدعم مقابل التسوية السياسية الداخلية  وبعد الاتفاق التقني مع صندوق النقد الدولي.
عمليا لم يبق لمن يصر على المغالبة ورفض التسوية سوى تحمل مسؤولية توجه تونس نحو نادي باريس.