أزمة مالية واقتصادية خانقة تعيش على وقعها تونس منذ سنوات، لتجد الدولة نفسها على حافة الإفلاس ممّا مثّل الإطار المناسب لتعزيز السياسات النيولبراليّة بتدخّل المؤسسات الماليّة الدولية، من بينها صندوق النّقد الدولي الذي تتوجه إليه تونس خلال هذه الأيّام لـ”مناقشة تمويل برنامج إصلاحات اقتصادية”.

ما هي النيولبراليّة؟

في مفهومها العام، النيوليبرالية هي فكر آيديولوجي مبني على الليبرالية الاقتصادية التي هي المكوّن الاقتصادي لليبرالية الكلاسيكية والذي يمثل تأييد الرأسمالية المطلقة وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد.

الباحث في الشؤون السياسية وتاريخ الاقتصاد الدكتور أيمن البوغانمي، يقول إنّ النيولبرالية ليست مجرد ليبرالية مع شيء من مزيد التوحش، بل هي في الحقيقة ليبرالية قد فقدت قيمها المحافظة، ومن أبرزها المسؤولية والصرامة وكراهية الانسياق وراء التجارب القائمة على مبادئ مجردة لا سند لها في الواقع.
وبهذا المعنى تكون النيولبرالية تلك المساحة التي التقت فيها البرجوازية مع البوهيمية، ولعلها أيضا خليط بين حرية الفرد المطلقة في السوق وحرية الفرد المطلقة في المجتمع.

يضيف البوغانمي أنها تقوم على إعادة تعريف المواطنين كمستهلِكين يمارسون خياراتِهم الديموقراطيّة من خلال البيع والشراء، على اعتبارها العملية التي تكافئ الجدارة وتعاقِب قلّةَ الإنتاجيّة.

تونس: خيار أثبت فشله

الإستراتيجية الاقتصادية المملاة على تونس من الجهات المالية الدولية، منذ ما يزيد عن 30 عاما، أثبتت فشل السياسات النيولبرالية في خلق الثروة لأنّ البلدان الصاعدة لم تتمكن من تحقيق نسب التنمية المطلوبة دون الدور الفعّال والحاسم للدولة في حين أنه لم يتم إعادة تعريف دور الدولة في كلّ محاولات الحديث عن الإصلاح، حسب أستاذ الاقتصاد بالجامعة التّونسية رضا الشكندالي.
وأضاف أن ذلك يتجلّى من خلال الزيادات المتواصلة في المواد الأساسيّة وأسعار المحروقات ومعاليم استهلاك الكهرباء والماء والغاز والضرائب والأتاوات في المقابل لا تقدّم الدولة أي خدمات للمواطن ورفعت يدها عن التأمين الاجتماعي والتعليم والصحة.
وأكّد أن هذه الخيارات قد تكون تسببت في وفاة مئات التونسيين خلال أزمة وباء كورونا الذين لم يتمكّنوا من الولوج إلى الخدمات الصحية في حين أنه حق مكفول بالقانون ومن واجب الدولة توفيره.