“رغم أن الدستور التونسي يكفل حرية المعتقد وحرية الضمير ضمن أحد بنوده إلا أن ذلك ظل حبرا على ورق ذلك أن الانتهاكات على خلفية الانتماء الديني ما تزال سائدة في تونس في خرق واضح للقانون وللدستور”، وفق تصريح رئيس جمعية “تلاقي” على هامش ندوة صحفية عقدتها الجمعية يوم 23 مارس الفارط، لتقديم التقرير السنوي الأول للحريات الدينية في تونس، والذي يسلط الضوء على وضعية هذه الحريات والانتهاكات التي تتعرض لها.

“الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي”، هذا ما يضمنه الدستور التونسي الجديد، الصادر في 27 جانفي سنة 2014، حسب فصله السادس. الحريات الدينية في تونس كلمات لا تغادر مجال الدستور، لكن هل هي مضمونة فعلا؟

 ما معنى حرية دينية؟

“الحرية الدينية حتى نُبسط الأمور -تعني- أنه لكل إنسان الحق في أن يعتنق ما يشاء من الديانات أو المعتقدات، وله الحق -كذلك- في أن يغير هذا الدين أو هذا المعتقد إن شاء، دون أن يتعرض إلى مشاكل أو إلى اضطهاد”،  وفق أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، عبد الفتاح عمر.

 كما يشير الأستاذ إلى أن “الديانات هي ديانات سماوية، ولكن الحرية الدينية تتجاوز الديانات السماوية، وهي تتعلق بكل ما هو -حقيقة أو افتراضاً- دين”.

حدود ممارسة الحرية الدينية

تخضع الحرية الدينية كسائر الحريات التي يكفلها الدستور للحدود التي ضبطها الفصل 49 من الدستور،  فقد كشف كتاب “ضوابط الحقوق والحريات” لخالد الماجري، أن حرية ممارسة الشعائر الدينية هي إحدى الحريات القابلة للتحديد على عكس الحرية الأم التي تنتجها وهي حرية المعتقد، وأوضح الكاتب أن ما ورد في الفقرة الثانية من الفصل 6 على أساس أنها التزامات على كاهل الدولة في هذا المجال يمثل في الآن نفسه حدودا لممارسة هذه الحرية والتي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تطبيق الفصل 49 على هذا الحق، وتتمثل هذه الحدود في “مراعاة قيم الاعتدال والتسامح” و”احترام المقدسات وعدم النيل منها” إضافة إلى “عدم الدعوة إلى التكفير أو التحريض على الكراهية والعنف”.

 من جهتها لاحظت منظمة المفكرة القانونية إن الفصل السادس من الدستور كرس “مفهوما واسعا للحرية الدينية، إلا أن هذه الحرية، كغيرها من الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، تبقى خاضعة لحدود تستمد أساسها وضوابطها من الفصل 49 من الدستور لكن يمكن أن تستشّفها كذلك من الفصل السادس ذاته وتحديدا من التزام الدولة بحماية المقدسات ومنع النيل منها”.

الدستور التونسي تحت المجهر

الحرية الدينية في تونس.. هل هي مضمونة؟

رصد تقرير الحريات الدينية في تونس لجمعية “تلاقي” الانتهاكات الدينية التي تعرضت لها الأقليات الدينية في تونس سواء من المعتنقين للديانة المسيحية والذين يتراوح عددهم بين 5 ألاف و6 آلاف مسيحي من حاملي الجنسية التونسية أو من بقية الأديان والمذاهب الدينية الأخرى على غرار البهائيين أو الشيعة أو اليهود.

من جهتها كشفت الأستاذة الجامعية في القانون الدستوري إكرام الدريدي في تصريح إعلامي يوم 23 مارس 2021، “أن التقرير السنوي للحرية الدينية في تونس 2020، أثبت وجود عدة انتهاكات تطال الأقليات في تونس، من طرف المواطنين ومن طرف مؤسسات الدولة خاصة المؤسسة الأمنية والقضائية وعدد من المسئولين كبعض الأئمة وبعض المسئولين في وزارة الشؤون الدينية”.

وأوضحت الدريدي أن الأمن لا يعتمد مبدأ المساواة في تعامله مع غير المسلمين ويتفادى التعاطي مع الشكاوى المتعلقة بالاعتداءات على خلفية الدين أو المعتقد.

 وبخصوص الجانب القضائي، أشارت أستاذة القانون الدستوري إلى وجود تيار داخل القضاء العدلي يحاول الاعتماد على الشريعة الإسلامية في عديد القضايا، خاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية رغم مخالفة ذلك للدستور وللمعاهدات الدولية”، على حد تعبيرها، وقد دعت جمعية “التلاقي” من خلال هذا التقرير كل السلط وخاصة الدينية إلى إعطاء أكثر أهمية لمسألة الأقليات الدينية في تونس والإسراع بتحيين الخارطة الدينية في تونس والتعامل معها على أنها عامل إثراء لا كخطر يهدد المجتمع.