العميد المختار بن نصر الجمعية الدولية للاستشراف والدراسات الاستراتيجية والأمنية المتقدمة
لما انطلقت الثورة في البلاد منذ عشر سنوات كانت تحمل امالا عريضة، فحلم الشعب بالحرية والكرامة والرفاه في ظل نظام ديمقراطي، مودعا بلا رجعة نظاما كليانيا جثم على الصدور لعقود ،لكن كانت الانطلاقة متعثرة وانكشف مع مرور السنوات عجز الطبقة السياسية على إدارة المرحلة بنجاح، فعم التناحر والصراع بين أحزاب متهافتة، وحلت ازمة سياسية خانقة رمت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والامنية، وتعطلت عجلة الإنتاج وعمت الفوضى وتشبث الجميع بالمطالبات المتواصلة بالحقوق ونسي الكثيرون القيام بالواجبات ،وانتهي الامر بالبلاد على حافة الإفلاس وبالطبقة السياسية الى حد العجزعن انقاذ البلاد من الانهيار،فانطفأت جذوة الحماس وتبدد ذلك الامل الذي انطلق مع أولى أيام الثورة بانشاء دولة حديثة ديمقراطية تسودها العدالة وعلوية القانون، تعمل هياكلها في اطار الحوكمة الرشيدة واحترام حقوق الانسان وتقطع مع الاستبداد والظلم والفساد، وضاعت الثقة في الطبقة السياسية التي تشبثت بالحفاظ على مصالها الذاتية على حساب المصلحة العليا للوطن، واصبحنا نعيش في” دولة هشة ” متأزمة ونقترب كل يوم من ” الدولة الفاشلة” التي اصبحت تتجسد امام اعيننا ،وبدأً يضيع الامل بان تكون بلادنا دولة حديثة متقدمة تسهم بفظل كفاءاتها وشبابها في بناء مجتمع متماسك متحضر واع يسهم بابداعات طاقاته الحية في بناء الحضارة الإنسانية .
فماهي الدولة الهشة ؟ وما دولة الازمة والدولة الفاشلة ؟ وماهي تداعياتها على الامن والاستقرارالدوليين ؟
1- الدولة الهشة:
“الدولة الهشة” هي دولة معرضة بشكل كبير للأزمات في واحد أو أكثر من أنظمتها الفرعية. إنها دولة تعيش صعوبات داخلية وخارجية و تمزقها صراعات محلية ودولية . في الدولة الهشة ،تستفحل الازمات وتعجز المؤسسات والادارة عن معالجة الأوضاع، فمن الناحية الاقتصادية ، يتعزز الركود وتنهار معدلات النمو وتنتشرالبطالة والفقر ، و يتجسد التفاوت الشديد في الثروة ،او في الحصول على وسائل لكسب العيش؛ من الناحية الاجتماعية ، يلاحظ تفاوتًا شديدًا أو نقصًا في التمتع بالصحة و بالتعليم ومختلف الخدمات ؛ من الناحية السياسية ، قد ترسخ المؤسسات تحالفات إقصائية في السلطة (من الناحية الاديولوجية او العرقية أو الدينية …) ، مع بروز المجموعات المتطرفة أو التنظيمات الأمنية المتشظية بشكل كبير و تكون المؤسسات القضائية شبه معطلة وعرضة للتحديات التي تفرضها الأنظمة المتنافسة ، سواء كانت ناتجة عن السلطات التقليدية ، التي انتجتها المجتمعات في ظل ضغوط لا تراعي إمكانيات الدولة (من حيث الأمن أو التنمية) ، أويفرضها أمراء الحرب ، أو غيرهم من سماسرة السلط غير الحكومية. إن نقيض “الدولة الهشة” هو “دولة مستقرة” – دولة تظهر فيها المؤسسات الشرعية أو القانونية القادرة على تحمل الصدمات الداخلية والخارجية ويظل الخلاف داخل حدود الترتيبات القانونية السائدة.2
2-دولة في حالة الازمة:
في حالة الأزمة تتعرض الدولة لضغوط شديدة ، حيث تواجه المؤسسات الحاكمة نزاعًا خطيرًا وقد تكون غير قادرة على إدارة الصراع والصدمات. ويبرزخطر انهيار الدولة. ولا تكون تلك حالة دائمة ، وانما تظهر في وقت معين ، لذلك يمكن للدولة التي تصل إلى “حالة الأزمة” ان تتعافى منها ، أو يمكن أن تظل في أزمة لفترات طويلة نسبيًا ، أو يمكن أن تنهار ان عجزت عن معالجتها . ويمكن أن تؤدي مثل هذه الحالة ، إلى تشكل دول جديدة ، أو إلى الحرب والفوضى ، أو إلى توطيد “النظام القديم”. يمكن أن توجد أيضًا “أزمات” محددة داخل الأنظمة الفرعية للدولة – أزمة اقتصادية ، اوأزمة صحية ، اوأزمة نظام عام ، اوأزمة دستورية ، كل منها على حدة لا ترقى إلى حالة الأزمة الشاملة على الرغم من أن أزمة النظام الفرعي يمكن أن تكون شديدة وممتدة بدرجة عالية بحيث تؤدي إلى حالة ازمة شاملة. إن نقيض حالة الأزمة هي “الدولة المرنة” ، حيث تكون المؤسسات عمومًا قادرة على التعامل مع الصراع ، وإدارة الأزمات الفرعية ، فتكون الدولة بين الهشاشة والاستقرار.
3-الدولة الفاشلة :
تعتبر الدولة الفاشلة بداية “لانهيار الدولة” ، فهي الدولة التي لم تعد قادرة على أداء وظائفها الأمنية والاجتماعية والتنموية الأساسية وليس لديها سيطرة فعلية على أراضيها وحدودها. الدولة الفاشلة هي الدولة التي لم تعد قادرة على إعادة إنتاج الشروط الضرورية لوجودها. يستخدم هذا المصطلح بطرق متناقضة للغاية في مجتمع السياسات (على سبيل المثال ، هناك ميل إلى تصنيف حالة دولة “ضعيفة الأداء” على أنها “فاشلة” )،ومن الصعب التأكد من الخط الفاصل بين هذين الشرطين. حتى في الدولة الفاشلة قد تستمر بعض عناصر الدولة في الوجود ، مثل المنظمات المحلية .يقول نعوم تشومسكيالدولة الفاشلة هي “الدولة غير القادرة أوغير الراغبة في حماية مواطنيها من العنف وربما من الدمار “، والتي “تعتبر نفسها فوق القانون، محلياً كان أم دولياً”. وحتى إذا ما كانت الدولة الفاشلة تملك أشكالاً ديمقراطية، فأنها تعاني من قصور وعجز ديمقراطي خطير يجرد مؤسساتها الديمقراطية من أي جوهر حقيقي.3 الدولة الفاشلة هي تلك التي تصبح غير قادرة على ضمان الوظائف والمسؤوليات الأساسية لدولة ذات سيادة ، مثل الدفاع عن مجالها ومواطنيها ، وتحقيق الامن و إنفاذ القانون وتحقيق العدالة ، أو توفير التعليم الجيد، أو ضمان الصحة للمواطنين وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وتشمل الخصائص المشتركة للدول الفاشلة انتشار العنف المدني و تفشي الفساد واستفتحال الجريمة والفقر والأمية وتداعي البنية التحتية . ويمكن للدولة ان تفشل حتي وان أدت وضائفها بشكل صحيح ، إذا ما فقدت مصداقيتها وثقة الناس فيها.
تشمل العوامل المساهمة في فشل الدولة عادة ،التمرد على سلطتها ، وارتفاع معدلات الجريمة داخل المجتمع فيسبب ذلك ارتخاء القبضة الامنية، والرزح تحت بيروقراطية مفرطة ، واستشراء الفساد ، وعدم الكفاءة القضائية ، والتدخل العسكري في السياسة.
ورغم سوء الأوضاع في أماكن عديدة حول العالم، حلت معظم الدول العربية في مراتب متقدمة على مؤشر الدول الهشة لعام 2019. فقد حلت اليمن الاولى بين دول العالم من حيث هشاشة الدولة وخطورة الأوضاع فيها، ولأسباب أبرزها الحرب الدائرة منذ سنوات وتداعياتها. ثم جاء الصومال وسوريا وجنوب السودان في أعلى قائمة الدول التي استوجب سوء الأوضاع فيها “التحذير بدرجة عالية جدا”، حسب المؤشر. ويقيس ذلك المؤشر ضغوطا وتحديات مختلفة تواجه 178 دولة حول العالم، من خلال تحليل اثنى عشرعاملا أساسيا وأخرى فرعية في المجالات السياسة والاجتماعية والاقتصادية. ويضع المؤشر الذي تعده سنويا مجلة السياسة الخارجية ” فورين بوليسي” بدعم من صندوق السلام الأميركي، الدول ضمن احدى عشرتصنيفا بناء على ضعفها وعدم استقرارها.وتظهر النتائج تردي الأوضاع في غالبية الدول العربية، خصوصا تلك التي تعاني من حروب داخلية وخارجية خلال السنوات الأخيرة، ما جعلها مركزا لعدم الاستقرار ضمن فئات الدول ذات الإنذار العالي جدا .ومن بين مجمل الدولة التي تم فحصها ، احتلت تونس المرتبة 95عالميا بدرجة تحذير متوسط وبمؤشر70,1 وجاءت في المرتبة14 عربيا والولايات المتحدة بالمرتبة 153 الأكثر استقرارًا ، تليها جمهورية التشيك والمملكة المتحدة ومالطا واليابان.4
فالدول الهشة، حسب التقرير، هي تلك التي لديها قدرة في حدود متدنية لإنجاز وظائف إدارة الحكم، وتعاني من أزمات داخلية وخارجية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن تفشي الفساد السياسي والمالي .ورغم اختلاف ظروف الدول الهشة داخليا، تشترك في تفشي متلازمة الفقر والبطالة والفساد وانعدام الأمن.
لقد طور تشارلز تي كول ، تعريف الدولة الفاشلة ، باعتماد مفهوم أكثر موضوعية يسميه “إطار عمل الفجوة”. يحدد إطار العمل ثلاث فجوات أو مجالات لم تعد الدولة قادرة على توفيرها عندما تبدأ في الفشل. وهي ،الخدمات ، عندما لا تستطيع الدولة تقديم والخدمات الأساسية والسلع بشكل فعال للشعب ؛ الامن ،عندما تكون الدولة غير قادرة على حماية سكانها من الغزو المسلح او من بعضهم البعض ؛ والشرعية عندما ”يرفض جزء كبير من النخب السياسية في الدولة والمجتمع القواعد المنظمة للسلطة وتراكم الثروة وتوزيعها”.
واصبح بالإمكان اليوم القيام بالقياسات الكمية لفشل الدولة حيث ، انشأ علماء الاجتماع والسياسة تصنيفات مثل مؤشر هشاشة الدولةfragile states index الذي يستعمل لضبط و تقييم نقاط الضعف ومستوى التطور في كل دولة وفقًا لأربعة عناصر رئيسية – تتعلق بالوضع الاجتماعي والسياسي و الاقتصادي والتماسك الامني – يتكون كل منها من ثلاثة مؤشرات على النحو التالي:
- المؤشرات الاجتماعية ،الضغوط الديموغرافية (الإمدادات الغذائية ، الوصول إلى المياه الصالحة للشرب ، إلخ.) اللاجئون أو المشردون داخليا ،التدخل الخارجي (تأثيرالجهات الخارجية السرية والعلنية)
- المؤشرات السياسية، شرعية الدولة (تمثيل الحكومة وانفتاحها) ،الخدمات العامة الأساسية، حقوق الإنسان وسيادة القانون
- المؤشرات الاقتصادية،الضعف الاقتصادي ،التنمية الاقتصادية غير المتكافئة ،عدم المساواة في الدخل وهجرة الأدمغة.
- مؤشرات التماسك الامني،جهاز الأمن (القدرة على الرد على التهديدات والهجمات) ،النخب المنقسمة (تشظي مؤسسات الدولة) ،التظلم (الانقسامات بين فئات المجتمع).5
وتتضمن معظم القياسات النوعية لفشل الدولة تقييم الأطر النظرية ، مثل “إطار عمل الفجوة” المذكور. بافتراض أن فشل الدولة هو عملية يمكن قيسها ، وانه يمكن تصنيف الدول المهددة وفقًا لمراحل الفشل المختلفة. و “نموذج المرحلة” الذي طوره الباحث الألماني أولريش شنيكنر ،الذي يأخذ في الاعتبار ثلاثة عناصر أساسية لكل دولة: احتكار السيطرة والشرعية وسيادة القانون. بناءً على هذه العناصر الأساسية ، يتم تقييم الدول على أنها موحّدة ومستقرة او ضعيفة او هشة او فاشلة . في الدول الموحدة المستقرة ، تعمل جميع الوظائف الأساسية بشكل صحيح. في الدول الضعيفة ، يظل احتكار الدولة للسيطرة سليمًا ، لكن الشرعية وحكم القانون معيبان. في الدول الهشة ، تفقد الدولة احتكار القوة ، في حين تبقى الوظيفتان الأساسيتان الأخريان سليمتين جزئيًا على الأقل. أخيرًا ، في الدول الفاشلة ، لا تعمل أي من الوظائف الأساسية الثلاث بشكل صحيح.
4-ثاتير الدولة الفاشلة على الاستقرار والسلم الدوليين
منذ اعلان الحرب على الإرهاب العالمي ، أصبحت عواقب فشل الدول على المجتمع الدولي أكثر ضررًا من أي وقت مضى، لقد اصبح اختراق الحدود يتم بيسر ،فعناصر القاعدة الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2001 كانوا متمركزين وتدربوا في أفغانستان وتحركوا في عديد البلدان ،ليضربوا في أمريكا ، وتفرعت القاعدة لتنتشرفي كل القارات ،القاعدة بالمغرب الإسلامي ، القاعدة بالساحل الافريقي واخري بآسيا وكذلك هو الشأن بالنسبة لتنظيم”داعش”الإرهابي،
تنتهي الدول الفاشلة أيضًا كبؤر لكل أنواع التهديدات الدولية الأخرى. كتدفق الأسلحة وانتشار الاتجار بالمخدرات وتعشيش الإرهاب وتجنيد الأطفال والاتجار بالبشر، وتفشي الجريمة المنظمة وهذه بعض الأمثلة لأكثر الدول الفاشلة شهرة في العالم ، و العوامل المتعددة التي اسهمت في عدم استقرارها :
الصومال :تعتبر الصومال الدولة الأكثر فشلًا في العالم ، فقد كانت بدون حكومة فعالة منذ الحرب الأهلية الصومالية المدمرة في عام 1991. تشتهر بانتهاكاتها لحقوق الإنسان ،و كثرة الفصائل السياسية المتحاربة ، وانعدام الأمن ، فالبلاد مليئة باللاجئين المشردين. إلى جانب أكثر من مليون من نازحيها ، تواجه الصومال تمردًا من الإرهابيين الجهاديين الإسلاميين التابعين لتنظيم القاعدة مما اثر على الوضع الأمني في كامل منطقة الساحل الافريقي ودفع الى الدخل الأجنبي في المنطقة.
جنوب السودان : إضافة الى مسالة شرعية الدولة ، يعاني اللاجئون المظالم الفئوية ، وانتهاك لحقوق الإنسان ونقص الخدمات العامة ، والتهديدات من الجها ت الخارجية ، وكان جنوب السودان مسرحًا لقتال مستمر منذ استقلاله في عام 2011. بعد معركة دامية شاملة وتداعيات الحرب الأهلية 2013، ورغم توقيع اتفاقية سلام في عام 2015 ، لم يتم تشكيل حكومة موحدة انتقالية ،فتسببت الحرب في نزوح أكثر من 18٪ من سكان البلاد ، مع تعرض مئات الآلاف من المواطنين لخطر المجاعة.
اليمن: منذ عام 2015 ، سمحت حرب أهلية وحشية ومتعددة الجوانب لجماعات داعش والقاعدة الإرهابية بتحقيق مكاسب كبيرة في اليمن. في ذات الوقت ، أدى التدخل المباشر من قبل المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى إلى فوضى وكارثة واسعة النطاق في جميع أنحاء الدولة. لا يزال حوالي 11٪ من السكان ، أكثر من 2.8 مليون شخص ، نازحين داخليًا ، بينما يواجه 59٪ من السكان انعدام الأمن الغذائي أو المجاعة.
أفغانستان: منذ انتهاء العمليات القتالية الأمريكية في أفغانستان في ديسمبر 2014 ، أصبحت البلاد أكثر هشاشة بسبب الافتقار إلى الأمن والخدمات العامة ، والتدخل الأجنبي. على الرغم من الإطاحة بحركة طالبان في عام 2001 ، إلا أنها حققت مكاسب كبيرة في تمردها ضد الحكومة الأفغانية والمهمة التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان ، مما أدى إلى تأخير الانسحاب الأمريكي الكامل من البلاد بعد 15 عامًا من بناء الدولة .
سوريا :مع تمزق مجتمعها بسبب حرب أهلية متعددة الجوانب ، لا تزال سوريا ضحية لحرب متواصالة بين الدولة بقيادة رئيسها وداعش وقوى محلية وأجنبية مختلفة . و مع التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة وروسيا ، أصبح أكثر من 9 ملايين سوري لاجئين أو نازحين داخليًا منذ مارس 2011.6 وقد اثر الوضع السوري على امن واستقرار كل بلدان المنطقة وبعض البلدان الآسيوية والأوروبية .وقد نشأ جيل من أطفال الارهابين الذين يعدون بالآلاف بالمخيمات على الحدود السورية العراقية في ظروف قاسية ،سيحملون السلاح بعد سنوات في وجة الجميع ، اذ بلغ عدد المشردين ”بمخيم الهول”
74 الف بين أطفال ونساء بشكل رئيسي منحدرين من عدة دول أهمها سوريا والعراق، ويحتوي “مخيم روج” اربعة آلاف لاجئ نساء واطفال عالقين من 57 دولة تسميهم الأمم المتحدة ” رعايا الدول الثالثة” وتطالب باعادتهم لدول المنشأ.
ختاما إن نجاح أو فشل الدولة يظل موضوع نقاش لكل من الأحزاب السياسية وجماعات المصالح، فما يعتبره البعض نجاحًا غالبًا ما يتم تقديمه على أنه فشل من قبل الآخرين. ثم يطرح السؤال حول تحديد المعايير الموضوعية التي تسمح بالحكم على السياسة وعلى نجاح او فشل دولة في القيام بمهامها . هذا السؤال هو في صميم اهتمامات تقييم السياسات العامة ، وهي ممارسة تسعى إلى التقييم المنهجي لعمل وتأثيرات السياسة من أجل تحسين طريقة وأسلوب الحكم . ان الدول المصنفة فاشلة في العشرية الأخيرة اثرت بشكل بالغ على الاستقرار والسلم العالميين بحكم عدم قدرتها على حماية مجالها وعلى تلبية حاجيات مواطنيها الأساسية و استفحال عمليات النزوح والهجرات المكثفة وتفشي الأوبئة والامراض والفقر والاتجار بكل أنواع الممنوعات من المخدرات الى الأسلحة والمتفجرات الى الاتجار بالبشر مع الاعتداءات الصارخة على القوانين وحقوق الانسان واستغلال أراضي تلك البلدان كملاذات للمجموعات الإرهابية وكل مجموعات الجريمة المنظمة المتعددة ؛وان تواصل هشاشة بعض الدول التي يمكن ان تتحول الى دول فاشلة من شانه ان يشغل الرأي العام الدولى والمنظمات الإنسانية لما يمكن ان يسببه ذلك من آثار مدمرة على السلم والاسقرار الدوليين.
لقد كشف تقرير افضل الدول الذي صدر في شهر جانفي 2020. عن دراسة استقصائية عالمية قام بها الموقع الأمريكي News &World report الامريكية بالشراكة مع مجموعة BAV وكلية وارتون بجامعة بنسلفينيا ان الخمسة دول الأفضل في العالم هي سويسرا وكندا واليابان وألمانيا و استراليا اما الدول الخمسة الأسوأ فهي لبنان وصربيا وسلطة عمان وروسيا البيضاء وتونس 7 ، هكذا في عشر سنوات من السياسات البائسة والعشوائية ومن عدم الاستقرار السياسي والفوضى أصبحت تونس البلد الرمز تصنف ضمن أسوأ دول العالم .
ان هشاشة الدولة في بلادنا اليوم وضعفها لابد ان يرج الوعي الجماعي، لان فشل الدولة في أداء مهامها له أسبابه العميقة المتراكمة ويجب ان تعي الطبقة السياسية في بان إمكانية ان نتفاجأ يوما بان تونس أضحت دولة فاشلة احتمال وارد ،وان بوادر فشل الدولة بدات تلوح في اكثر من ميدان وعلية لا بد من تصويب الرؤى والالتفاف حول مشروع وطني حازم لإنقاذ البلاد .ولعل رئيس الدولة المسؤول الأول على الأمن القومي هوالمطالب الأول بان يفكر مليا في آليات الإنقاذ كما يتوجب على الحكومة والبرلمان انهاء الخلافات والمضي نحو إيجاد الحلول العاجلة للحد من تدهور اقتصاد البلاد والسعي للاستفادة من الخبرات التونسية التي تعج بها الساحة للخروج من الازمة الطاحنة التي تعيشها البلاد قبل فوات الأوان …وحذاري فان الفشل لا يمكن ان يأتي الا للآخرين.
المراجع :
1-الدول الفاشلة – إساءة استعمال القوة والتعدي على الديمقراطية – نعوم تشومسكي
2-“Robert Longley ماذا يعني” هشاشة الدولة “؟ صندوق السلام ،
https://web.archive.org/web/20150104202014/http://ffp.statesindex.org/faq-06-state-fragility.
3. -بواس ، مورتن وجينينغز ، كاثلين م. “انعدام الأمن والتنمية: خطاب” الدولة الفاشلة “.” المجلة الأوروبية لبحوث التنمية ، سبتمبر 2005.
2- -العرب في مؤشر الول الهشة -الحرة
3- ، تشارلز ت. “مغالطة” الدولة الفاشلة “. العالم الثالث الربع سنوي ، المجلد 29 ، 2008 ، العدد 8 ، https://www.researchgate.net/publication/228346162_The_Fallacy_of_the_’Failed_State ‘.
Rotberg،R-5 “عندما تفشل الدول. الأسباب والنتائج “. مطبعة جامعة برينستون (2004) ، ISBN 978-0-66.
6- باتريك ، ستيوارت. “الدول الفاشلة والأمن العالمي: أسئلة تجريبية ومعضلات
السياسة.” Blackwell Publishing Ltd. (2008) ، https://www.jstor.org/stable/4621865؟seq=1#metadata_info_tab_contents
7- تعرف على افضل واسوأالدول في العالم – موقع shorouknews.com