عاد الجدل القائم حول تطبيق عقوبة الإعدام في تونس إلى الشارع التونسي، بعد إطلاق دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بتنفيذ عقوبة الإعدام في حق 5 أشخاص وقعت إدانتهم في جريمة مقتل الطفل”ربيع” التي هزت الرأي العام سنة 2010.

وأصدرت الدائرة الجنائية بمحكمة الاستناف ببنزرت، مؤخّرا، حكما استئنافيا يقضي بإقرار الحكم الابتدائي الصادر عن الدائرة الجناحية ببنزرت، الذي يقضي بإعدام 5 أشخاص شاركوا في جريمة قتل الطفل “ربيع”.

وتعود أطوار القضية إلى شهر ديسمبر من سنة 2010، حيث اختفى الطفل البالغ من العمر 10 سنوات، ليتم العثور عليه بعد مرور أيام مقتولا ومشوها في كيس بلاستيكي بالقرب من منزل عائلته.

مخالفة للمعاهدات والمواثيق الدولية

وتتعالى الأصوات المنادية بتطبيق عقوبة الإعدام مع كل جريمة تهز الرأي العام التونسي، حيث أضحت هذه العقوبة محل جدل واسع مؤخرا، بعد إعلان رئيس الجمهورية عن موقفه المؤيد لتنفيذ عقوبة الإعدام، في تونس خلال اجتماع مجلس الأمن القومي، على خلفية مقتل فتاة في العقد الثاني من عمرها في عين زغوان.

وقال رئيس الجمهورية قيس سعيد إن “من قتل نفسا بغير حق جزاؤه الإعدام”، وهو ما عقبه تنديد واسع من قبل حقوقيين ومنظمات حقوقية وطنية ودولية، لما يمثله هذا التصريح من صفعة في وجه التقدم الذي حققته تونس في مجال حقوق الإنسان كما سيكون مخالفة للمعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها الدولة، وفق منظمة العفو الدولية.

وقطعت تونس أشواطا هامة في مجال حقوق الإنسان، حيث لم يقع تنفيذ أي حكم بالإعدام منذ سنة 1991، آخرها قضية “سفاح نابل” الذي اتهم بجرائم قتل واغتصاب أطفال، كما أن تونس تصوت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل إيقاف استخدام عقوبة الإعدام منذ عام 2012.

وتعارض منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الدولية والوطنية على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عقوبة الإعدام في جميع الحالات مهما كانت طبيعة الجريمة أو خصائصها أو الطريقة التي تستخدمها الدولة في تنفيذ هذا الحكم الذي قالت إنه يمثل “انتهاكاً للحق في الحياة” الذي يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

انتهاك للحق في الحياة

دعا نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بسام الطريفي، في تصريح لـ”JDD”، اليوم الجمعة 5 مارس 2021، إلى التعاطي مع أحكام الإعدام بكل روية بعيدا عن التشنجات والعصبية وردود الفعل عند الحديث عن هذه العقوبة، لافتا إلى أن في كل مرة يتم فيها التعاطي مع هذه العقوبة يكون ذلك في إطار الصدمات والحديث عن الجرائم الشنيعة.

وبين أن التوجهات تسير نحو إلغاء عقوبة الإعدام التي قال إنها تنتهك الحق في الحياة ومن الصعب تدارك هذه العقوبة في صورة ثبوت خطأ أو ورود معلومات جديدة حول القضايا.

وشدد على موقف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الرافض لعقوبة الإعدام والمطالب بإلغائها، كما تطالب الرابطة بإعادة النظر في المجلة الجزائية التي تتضمن العديد من الأحكام التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.

تفاعل وجداني مع الضحية

واعتبر الطريفي أن موقف رئيس الجمهورية الأخير من الإعدام “شعبي وشعبوي”، ويتعارض مع الموقف الرسمي للجمهورية التونسية الرافض لعقوبة الإعدام، حيث صوتت تونس خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة يوم 16 ديسمبر 2020 في دورتها الـ 75 لصالح قرار دولي لإيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام.

وصوتت لصالح هذا القرار 123 دولة، فيما صوّتت 38 دولة ضدّه وامتنعت 24 دولة أخرى عن التصويت.

من جهته دعا المختص في علم الاجتماع سامي نصر، في تصريح لـ”JDD”، إلى ضرورة طرح موضوع العقوبة في إطار عقلاني، وبشكل جدي، بعيدا عن الشعبوية والمشاعر والوجدان، مبينا أن الرأي العام التونسي يقوم بطرح هذه المسألة دائما، في إطار جرائم القتل البشعة وفي إطار التفاعل الوجداني مع أهالي الضحايا.

وبين محدثنا أن ملف الإعدام يثير الجدل على مستوى الرأي العام مع بروز كل حادثة شنيعة، فتتعالى الأصوات المنادية بالقصاص وإنفاذ أقصى العقوبات، فيما تنادي أصوات أخرى بحماية الحق في الحياة، لتتحول هذه القضية إلى نقطة تقسيم للمجتمع التونسي.