إذا كانت الطبيعة تأبى الفراغ، فإن هذا يعني أن المجتمع البشري عندما تبرز فيه بعض الظواهر المخالفة للدين وللعقل فذلك إشارة على وقوع خلل ما في الوتيرة الاجتماعية، وتبعا لذلك وضع المشرع نظما وأحكاما زجرية وقوانين ملزمة تنظم الحياة في كافة جوانبها.

غير أن هناك عددا من المواضيع التي لم يتطرق إليها المشرع التونسي بين فصوله، أبرزها “السحر والشعوذة” مع أنهما من بين الظواهر الأكثر شيوعا في العالم العربي خاصة، ورغم الخطورة التي تتضمنها هذه الجريمة وآثارها المستفحلة إلا أن المشرع التونسي لم يتطرق لها بشكل واضح وصريح.

وضع السحر والشعوذة في القانون التونسي

من المتعارف عليه أن القانون الجنائي لا يتطرق لجريمة السحر والشعوذة على عكس القانون السوري والقانون المغربي وبعض قوانين الدول العربية التي تعاقب على جرائم السحر والشعوذة، فقد ضمها المشرع التونسي في الفصل 291 من المجلة الجزائية في إطار جريمة التحيل والخزعبلات، وهنا يكون الإشكال، أنه لا يحق للمتضرر أن يحرر محاضر ضد الساحر والمشعوذ لأنه لا توجد رابطة بينهما، حتى وإن تم الإضرار به نظرا لأنها جريمة صعبة الثبوت، وعليه يمكن الإشارة إلى أن هناك قصورا في القانون التونسي.

وحسب إحصاءات نشرت سنة 2016، يوجد في تونس 145 ألف مشعوذ، حسب دراسة قام بها الباحث التونسي في علم الاجتماع، زهير العزوزي، وذلك أكبر دليل على أن نسبة المشعوذين في تونس تقريبا تتضاعف مقارنة بعدد الأطباء والذي لا يتجاوز 80 ألف بحسب نفس الدراسة.

وفي هذا الصدد أوضحت المحامية “وفاء غلابي” لـ “JDD” أن الفصل 291 من المجلة الجزائية هو فصل عام يتعلق بجريمة التحيل ويتضمن عبارات فضفاضة، إذ لم يحسم بصفة آلية في عقوبة الشعوذة والسحر، كما أوضحت أنه يجب الإشارة بشكل صريح إلى هذه الجريمة وتكريس العقوبة اللازمة عليها وتشديدها، نظرا لتفاقمها واستشرائها وإسهامها في خلق مجتمع قائم على الجهل والتضليل، وذلك بهدف الحد منها حسب تعبيرها.

إن أغلب العقوبات المقررة في ارتكاب جريمة السحر غير صارمة في ردع السحرة والمشعوذين، بل غير متطرق إليها بشكل واضح، مما ساهم وبشكل رئيسي في استمرارية ممارسة طقوس السحر والشعوذة في تونس بل إلى انتشار أوكار مزاولة هذه الأعمال مقابل الحصول على أموال كمصدر للاسترزاق، وليس بالأمر الغريب أن العالم الافتراضي من مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية قد أصبحوا من أهم الوسائل التي ساهمت بشكل كبير في انتشار هذه الظاهرة من دولة لأخرى مما سهل عملية ممارستها، وذلك يدعو لطرح العديد من التساؤلات: إلى متى سيفلت السحرة ومن يتمتعون بخدماتهم من عقاب القانون؟ وإلى متى سيبقى السحرة والمشعوذين يعملون بحماية القانون ويتم الإشهار لهم على العديد من المنصات المرئية والمكتوبة؟