قرّرت الجلسة العامة بالمحكمة الإدارية، وهي طور استئنافي، يوم الاثنين 29 مارس 2021 تأخير النظر في قضيّة وكيل الجمهورية السابق البشير العكرمي إلى موعد لاحق، بعد أن استمعت إلى مرافعات الدفاع في ما يعرف بقضيّة النقلة القضائية.

وكانت المحكمة الابتدائية في طورها الابتدائي قد قضت برفض قرار المجلس الأعلى للقضاء، القاضي بنقلة البشير العكرمي من خطته كوكيل للجمهورية بالمحكمة الإبتدائية بتونس إلى خطة مدّع عام بوزارة العدل.

العكرمي طعن في الحكم الإبتدائي، على أساس أنه لا يمكن نقلة القاضي قسرا، وأنه لا يمكن حسب طعنه أن يتمّ إجباره على القيام بما لا يرغب فيه.

يشار إلى أنّ المجلس الأعلى للقضاء هو هيئة دستورية ضامنة في نطاق صلاحيتاها لحسن سير المرفق القضائي واستقلالية السلطة القضائية طبق أحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها، غير أن هذه الهيئة لحقتها العديد من الشوائب والإخلالات، خاصة فيما تعلق مؤخرا بملف وكيل الجمهورية بشير العكرمي والذي وُجهت له العديد من التهم من عدة أطراف.

من هو بشير العكرمي؟

بشير العكرمي هو وكيل الجمهورية بمحكمة تونس 1 سابقا، كان يشغل قبل ذلك خطّة قاضي تحقيق بالمكتب 13 وتعهّد بملف الشهيد شكري بلعيد، وقد شهدت العلاقة بينه وبين لسان الدفاع عن القائمين بالحق الشخصي توترا وشبه قطيعة في السنوات الأخيرة، ووجّهت له هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عديد التهم في أكثر من مناسبة.

لماذا هذا الجدل حول العكرمي؟

في الآونة الاخيرة، أثار ملف نقلة بشير العكرمي الكثير من الجدل، فهناك من اعتبر إبعاده عن سلك النيابة العمومية أمرا مقصودا وذا طابع سياسي خاصة بعد الاتهامات التي وجهت له من قبل هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي واعتبار أنه تلاعب بالوثائق لإخفاء الحقيقة وحماية راشد الغنوشي وقيادات في حركة النهضة.
من جهة أخرى وتزامنا مع انطلاق مجلس القضاء العدلي في أعماله للبتّ في الاعتراضات التي من بينها ملف بشير العكرمي كثر الحديث عن وجود ضغوطات من أطراف داخل وخارج المجلس الأعلى للقضاء، على رئيس المجلس للتراجع عن القرار وقبول اعتراض العكرمي، لكن مجلس القضاء العدلي قال كلمته وأعلن عن نتائج الاعتراضات ورفضه لمطلب العكرمي الذي توجه إلى القضاء الإداري حيث تقدم بالطعن في قرار المجلس المذكور.

وبعد رفع الإضراب الأخير، بتّت فيه إحدى الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الإدارية التي أصدرت حكم يفضي بإلغاء قرار نقلة المعني بالأمر، غير أن هذا الحكم يبقى ابتدائيا وقابلا للاستئناف من قبل مجلس القضاء العدلي، الذي سيمارس هذا الحق القانوني، وعليه يجب أن لا يتجاوز آجال عشرة أيام لتقديم مطلب استئنافي، علما وأن الاستئناف يوقف التنفيذ أي أن عودة بشير العكرمي إلى خطته السابقة وكيلا للجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس لا يكون إلاّ بحكم بات، وعليه يصبح الحكم الابتدائي باتا أو بعد البتّ في مطلب الاستئناف الذي تنظر فيه الجلسةالقضائية العامة.
وهناك من تحدث عن إسراع وتسريع من قبل المحكمة الإدارية للبتّ في هذا الملف على خلاف المعمول به، غير أن المعني بالأمر قد قام بالطعن في قرار نقلته طبق ما يخوله الفصل 56 من القانون عدد 34 لسنة 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء أمام الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الإدارية وقد أصدرت الدائرة الاستئنافية المتعهدة حكمها الابتدائي بتاريخ 31 ديسمبر 2020 القاضي بإلغاء قرار النقلة وطبقا للقانون فان الحكم المذكور يخضع للاستئناف أمام الجلسة القضائية العامة وهذا الملف يندرج في إطار آجال بت خاصة نص عليها القانون عدد 34 وهي أربعة أشهر ابتدائيا وشهر واحد في الاستئناف وبالتالي كانت المحكمة مجبرة على البت بسرعة بموجب القانون.

وقد تمّ الترافع اليوم الإثنين 29 مارس 2021 في الملف الآنف ذكره حسب ما أفاده محاميه الأستاذ شكري عزوز لـ” JDD” في انتظار قرار المجلس الأعلى للقضاء.

ولكن ماهي سلطات وكيل الجمهورية في تونس حتى يحسب له كل هذا الحساب؟

دور وكيل الجمهورية

وكيل الجمهورية هو ممثل النيابة العمومية في كل القضايا ذات الصبغة المالية والاقتصادية، وهو الحاكم الحقيقي للقطب المالي والاقتصادي الذي يشرف على الحرب ضد “الفساد “.. ويمتد نفوذه إلى كل التراب التونسي دون الالتزام بالاختصاص الترابي، وباعتباره ممثل النائب العام على مستوى المحكمة، فإن له أعمالا قضائية وأخرى ولائية، نخص بالذكر تحريك الدعوى العمومية وممارستها، أما الأعمال الولائية لوكيل الجمهورية فنذكر منها إدارة أعمال الضبطية القضائية، والسهر على حفظ النظام العام وحسن تطبيق القوانين، وتلقي شكاوى المواطنين والاستماع إلى انشغالاتهم ويسعى إلى تسوية حاجياتهم المشروعة، وتسليم صحيفة السوابق القضائية رقم 03 للأشخاص الذين يطلبونها، إلى جانب العديد من المهام والصلاحيات التي منحها القانون له، منها ادارة نشاط ضباط الشرطة القضائية وأعوانها والمتابعة القضائية ودراسة محاضر الضبطية القضائية وشكاوى وبلاغات المواطنين إلى جانب اختصاصات إدارية أخرى.

في نفس السياق، تطرح تساؤلات أخرى، ماهي المحاكم المتواجدة في البلاد التونسية؟، وماهي اختصاصاتها؟

المحاكم التونسية

يوجد في تونس 5 أصناف من القضاء وهي القضاء العدلي، والإداري والمالي إضافة للقضاء الدستوري وكذلك القضاء العسكري.

يُعتبر القضاء العدلي هو القضاء الأساسي لأنه الأكثر ارتباطًا بنزاعات المواطن، ويُسمّى كذلك بالقضاء العادي لتمييزه عن القضاء العسكري بالخصوص، فهو يهتم بالدعاوى بين الأفراد سواء الدعاوى المدنية أو الجزائية، في المقابل يختص القضاء الإداري بالنزاعات التي تكون فيها الإدارة طرفًا، في حين يهتم القضاء المالي بزجر الأخطاء في التصرف في المال العام، ويتكون القضاء العدلي من محاكم درجة أولى (المحاكم الابتدائية والمحكمة العقارية ومحاكم الناحية) ومحاكم درجة ثانية أي محاكم الاستئناف أساسًا إضافة لمحكمة التعقيب.

أما عن المحاكم الابتدائية، فهي المحاكم التي تتولى النظر مبدئيًا في كل القضايا سواء المدنية أو الجزائية، فمن يريد تقديم دعوى عليه التوجه بصفة أولية إلى المحكمة الابتدائية الراجعة إليه بالنظر ترابيًا، وتضمّ عمومًا كل محكمة ابتدائية وكيل جمهورية ومساعديه، ومكاتب تحقيق يشرف عليها قضاة تحقيق، ودوائر جناحية وجنائية، وفي القضايا المدنية، توجد دوائر شغلية وشخصية وتجارية وغيرها.

وبالحديث عن المحكمة الإدارية فهي تختصّ بالنظر في دعاوى تجاوز السلطة الهادفة إلى إلغاء المقررات الصادرة في المادة الإدارية وفي دعاوى المسؤولية الإدارية. كما تنظر استئنافيا في القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة والهيئة العامة للتأمين ولجنة الخدمات المالية المنصوص عليها بمجلة إسداء الخدمات المالية لغير المقيمين، وتعقيبيا في النزاعات الجبائية وفي النزاعات المتعلقة بالهيئات المهنية وفي القرارات الصادرة عن اللجنة المصرفية، وتختصّ كذلك بالنظر في النزاعات الانتخابية بجميع أنواعها طبقا لأحكام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء ونزاعات المجلس الأعلى للقضاء، وفقا لأحكام القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء.