كشف تقرير لمنظمة الشفافية الدولية أنّ قيمة دوائين من أصل ثلاثة أدوية يشتريها بلد من البلدان تضيع بسبب الفساد والغشّ في المستشفيات، وليست تونس في معزل عن هذه المشاكل التي يعاني منها قطاع الأدوية عالميا حيث تسجل مئات الأصناف نقصا في الصيدليات باستمرار ولفترات متقطعة.
فماهي العثرات التي تقف بين التونسيين والحصول على العلاج؟

مواجهات على عدّة جبهات

صرّح نائب رئيس نقابة الصيدليات الخاصة، نوفل عميرة، لـ”JDD”، اليوم الثلاثاء 30 مارس 2021، بأنّ تونس تحقق الاكتفاء الذاتي من الأدوية كمّا بنسبة 72 بالمائة وهي نسبة تعتبر جيدة جدا مقارنة بالمعدلات العالمية، لكن الإشكال يكمن على مستوى الصيدلية المركزية التي تحمل كاهل ديون تقدر بـ 1203 مليون دينار وهو مبلغ هائل، وفق قوله.
وتابع عميرة أنّ الدّولة اختارت منذ الستينات أن تعطي اختصاصات حصرية للصيدلية المركزية وهي التوريد والتوزيع وفتح صيدليات في الأماكن النائية التي لا لا يمكن أن يستثمر فيها الخواص مضيفا أنّ الصيدلية المركزيّة تخلت عن جميع الاختصاصات وواصلت في احتكار التوريد.


وفسّر أن لجنة بالصيدلية المركزية تُعنى باتخاذ قرارات توريد كل الأنواع بعد تقييم علمي، وتقييم الأسعار، لكن هذه اللجنة لا تأخذ بعين الاعتبار تغييرات سعر صرف العملة مما يكلّفها خسائر بالجملة، ويحملها ثمن الكلفة كما أنّ المخابر العالمية المصدرة تقرر أحيانا تعديل أسعارها، لكن الصيدلية المركزية تواصل البيع بالجملة بالأسعار القديمة لأنها قانونا غير مخولة لتغيير الأثمان باعتبار ذلك من اختصاص وزارة التجارة.
وبيّن محدّثنا أن مئات الأصناف من الأدوية مفقودة من الصيدليات باعتبار أن جزءا كبيرا من المخابر العالمية أوقفت تزويد تونس بسبب الديون المتراكمة إضافة إلى تراجع الترقيم السيادي لتونس مع آفاق سلبية، موضحا أنّ الكفاءات التونسية التي تشتغل مع الشركات متعددة الجنسيات هي التي تحل محل الدولة حاليا وتدافع عن مصالح تونس.

معضلة التهريب

كشف النّاطق الرسمي باسم الإدارة العامة للديوانة العميد هيثم الزّناد لـ”JDD”، اليوم الثلاثاء 30 مارس 2021، أنّ 95 بالمائة من الأدوية التي تهرّب من تونس خلال السنوات المنقضية يكون مآلها القطر الليبي، وذلك بسبب صعوبة تزود السوق الليبية بالأدوية اللازمة.

وأضاف أن بقية الأدوية تهرب إلى الجزائر عبر المعابر الحدودية البرية مشيرا إلى أن تونس أيضا منطقة عبور للأدوية المهربة من الجزائر إلى ليبيا.
وقال إن الأدوية المهربة عادة ما تكون علاجا للأمراض المزمنة أو مسكنات الآلام سواءً المصنعة في تونس أو المستوردة من الخارج مشيرا إلى أنه لا يتم تهريب الأدوية المخدرة عادة، لكن يتم إدخالها إلى تونس.
وتابع أن عمليات التهريب تُجهض بالأساس على مستوى معابر رأس جدير وذهيبة وحزوة القريبة من الحدود التونسية الليبية الجزائرية.

لوبيات لا تُكشف

في جوان 2018، صرّح وزير الصحة الأسبق عماد الحمامي، أنه سيتم خلال “الأيام القليلة القادمة” الكشف عن لوبيات تتحكم في نقص وتوزيع الأدوية بالمؤسسات الصحية بكامل تراب الجمهورية، مؤكّدا خلال مؤتمر صحفي أن هذه المسألة محل متابعة من الحكومة، وأنّ واجب التحفظ يفرض عدم الكشف عن ذلك في الوقت الراهن، وفق قوله.
وإلى غاية اليوم بعد حوالي 3 سنوات لم تكشف أي جهة رسمية عن “اللوبيات” المتحكمة في قطاع الأدوية التي تحدّث عنها الوزير في المقابل كان الوزير الأسبق للصحة أيضا سعيد العايدي قد كشف في تصريحات إذاعية عن لوبيات في صناعة الأدوية، تسعى لإسقاطه بعد كشفه لتجاوزات في صفقات عمومية.
وفي هذا الإطار، قال رئيس نقابة الصيادلة نوفل عميرة لـ”JDD”، إن نائبا بالبرمان يمتلك مخابر لصناعة الأدوية ويتعامل مع الصيدلية المركزية وهو ممنوع بالقانون باعتباره تضارب مصالح، لكن شركات النائب المذكور تحتكر صناعة مجموعة من العقاقير والمستلزمات، على غرار المضادات الحيوية المحقونة والبنسلين، لذلك فالدولة مضطرة للتعامل معه، وبالتالي تنتفي شبهة تضارب المصالح، مشيرا إلى أن عملية إثبات التجاوزات والإخلالات صعبة في هذا المجال.