“الشعب أمامكم والدستور وراءكم وأنا حريص على تطبيقه فأين المفر”، هكذا كان ردّ رئيس الجمهورية قيس سعيد، على ما عرف بـ”أزمة التحوير الوزاري” وما لحقها من إشكالات، دفعت رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى التوجه نحو القضاء الإداري الاستشاري وعدد من أساتذة القانون الدستوري، لبحث سبل الخروج من المأزق نظرا لتعطل مباشرة 11 وزيرا، وقعت تزكيتهم من البرلمان في 26 جانفي 2021، لمهامهم دون أداء اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية في ظل تواصل رفض هذا الأخير لدعوتهم بحجة شبهات فساد وتضارب مصالح تطال بعضهم.

ويصرّ سعيّد على أن حلّ أزمة التحوير الوزاري موجودة في النصّ الدستوري لا في التأويلات ولا في البحث عن مخارج قانونية مستحيلة، قائلا إن كان البعض يدعي المعرفة في القانون فليعلم أنّ موقفنا هو “النصّ بالنصّ والفصل بالفصل والفصل بين الفصول هو لرئيس الدولة لا لمن فتحوا دور شعوذة في 2011 كتب عليها دور افتاء”، وفق تعبيره.

خطاب شعبوي يحمل بين طياته أزمة سياسية

وأمام الجدل الذي أثارته مسألة تمسك قيس سعيد بموقفه من التحوير الوزاري وما تضمنه خطابه من تشنجات، وبين تواصل تعطل عمل الوزراء وبحث المشيشي عن حلول بديلة، قال الباحث والمختص في الاتصال السياسي، سامي المالكي، في تصريح لـ”JDD”، اليوم الخميس 11 فيفري 2021، إن الأستاذ قيس سعيد رئيس الجمهورية كفاءة تحليلية في القانون الدستوري، لكن الفقهاء في القانون الدستوري متعددون والقراءات متعددة ولا يمكن قراءة الدستور حرفيا بقدر ما يجب أن ننظر إلى الإطار الذي تنزل فيه الدستور ومقتضيات ما جاء فيه من فصول، ثم إن الاستعانة بتجارب البلدان الأخرى التي مرت بأزمات سياسية ودستورية ووجدت الحل سواء كان ذلك في إطار الدستور أو ضمن الحلول السياسية التي يمكن أن تجدها الأطراف المتنازعة والتي تبحث عن مخرج لهذه الأزمة التي تعتبر سياسية أكثر ودستورية بدرجة أقل.

وبين المتحدث أن الخطاب السياسي اليوم، بما في ذلك خطاب رئيس الجمهورية، يفتقر إلى أدبيات الاتصال السياسي، الذي يعتبر في حد ذاته علما ولا يمكن بأي شكل من الأشكال قراءة خطابات السياسيين إلا من خلال هذا الشرح المعرفي الذي يمكننا من أدوات فهم الترميزات والإيحاءات التي يتضمنها الخطاب السياسي وأيضا يتضمنها مدلول المصطلحات الواردة في هذا الخطاب، فمنذ 2011 عشنا تموجات الخطاب السياسي بمختلف أبعاده، سواء كان ذلك الخطاب الإيديولوجي أو الخطاب السياسي الذي يشمل جانبا من الصراعات السياسية للتموقع والخطاب السياسي الذي يبحث عن إبراز ”الأنا والأنا هنا”، مشيرا إلى أن القضية أكبر بكثير، باعتبار أن الكل يعتبر نفسه مالكا للحقيقة ويتنازع من أجل الشعب ومن أجل إبراز قدراته في إيجاد الحلول.

الابتعاد عن الخطاب المتشنّج والمتطرّف

وشدد المالكي، على أننا اليوم في حاجة إلى الابتعاد عن هذه الأزمات السياسية وإيجاد الحلول ضمن الإطار الدستوري وضمن الحلول السياسية في إطار الحوار الذي يجب أن تبتعد عنه الأنا والرغبة في التموقع وخطاب الإيديولوجيا، ذلك أنّ الإيديولوجيا حتى وإن برزت في الخطاب السياسي منذ بداية الاستقلال إلا أنها كانت ترمي بالأساس إلى بناء الدولة المدنية الحديثة.

لقد عشنا على وقع محاولات لإدماج الخطاب السياسي ضمن منطق الهوية وضمن منطق البحث عن حلول ومشاغل واهية والحال أن مشاكل تونس اليوم هي مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية بالأساس وهي مسائل خطاب، وفق محدثنا الذي أكد على ضرورة الابتعاد عن الخطاب السياسي المتشنج فتونس تجمع مختلف الأطياف نظرا لكونها دولة مدنية بعيدة عن الخطاب المتطرف والخطاب الإيديولوجي الديني المتشدد فهي في المقابل معروفة بخطابها الديني المتسامح.

وأكد الباحث والمختص في الاتصال السياسي، على ضرورة الابتعاد عن الاضطرابات السياسية والاجتماعية، خاصة وأن العالم اليوم ينظر إلى تونس على أنها تجربة، يجب أن تكون إيجابية، لذلك من الضروري الابتعاد عن الخطاب المتشنج، الذي لا يعتبر استثناء فعديد الدول مرت بالخطاب السياسي المتشنج، لكننا اليوم نعيش على وقع تفشي وباء كورونا والأزمات الاقتصادية والصراع الاستراتيجي الذي لم يعد اليوم بمنطق بدائية القرن الماضي أو الحروب الباردة، وإنما هو صراع صحي واقتصادي بالأساس واجتماعي، إذن فإن المعركة القادمة هي معركة تقنية وصحية ونمو اقتصادي واجتماعي.

كما دعا قيس سعيد وغيره من السياسيين، إلى الابتعاد عن الخطاب السياسي الذي يعتمد منطق الشخصنة من أجل بناء تونس التي نحلم بها.

تونس ليست استثناء

وبين سامي المالكي، أن تونس ليست استثناء في مسألة الأزمة الحاصلة بين السياسي والدستوري، فأمريكا اليوم تعيش على وقع صراع دستوري باعتبار أن تجريم الرئيس الأمريكي هو جدل دستوري بالأساس إلى جانب النتائج المتمخضة عنه على مستوى الواقع السياسي، وفي فرنسا عاشت الدولة تموجات بين الخطاب الدستور والقراءات فكل نص، بما في ذلك الدستور، قابل للدراسة والتأويل وللبحث في أسبابه ومسبباته وخلفياته ولكل نصّ إطاره الذي يتنزّل فيه.