في محاولة لتخفيف الألم على الأطفال المصابين بالسرطان، والذين فقدوا أحد أبرز علامات الجمال بسبب العلاج الكيميائي، نظّمت جمعية “روتاراكت- النصر” بالتعاون مع جمعية “سليمة لمساعدة الأطفال مرضى السرطان”، حملة لجمع الشعر من المتبرعين بالتعاون مع عدد من قاعات الحلاقة بتونس الكبرى.

شعر عبر البريد

يقول رئيس جمعية روتاراكت النصر، طارق حملاوي لـ”JDD”، إنّ الجمعية نظمت خلال السنيتن الماضيتين أياما مفتوحة للتبرع بالشعر لكن بسبب الوضع الصحي وأزمة كورونا، تم الالتجاء إلى قاعات الحلاقة التي وضعت على ذمة المتبرعين إمكانية الحصول على قصة للشعر مجانا شريطة أن يكون في شكل ضفيرة طولها لا يقل على 20 سنتيمترا ولا يكون الشعر مقصّفا.


وأضاف حملاوي أنه بعد جمع كميات الشعر من قاعات الحلاقة يتم إيداعها لدى جمعية سليمة التي تسلّمها بدورها إلى مصنع مختص في صناعة قناع الشعر المستعار perruque.
وتتكفل جمعية سليمة بتقديم الشعر إلى مستحقيه من الأطفال لتخفيف الألم النفسي عنهم ومساعدتهم على اكتساب الثقة اللازمة في أنفسهم لمواصلة رحلة العلاج الكيميائي.
وأكد محدثنا أنّ الحملة جمعت إلى حد اللحظة حوالي 900 ضفيرة مشيرا إلى أن صنع شعر مستعار يتطلب بين 12 و15 ضغيرة وبالتالي مُنح الأمل لحوالي 80 طفلا.
وأشار إلى أن بعض المتبرعين من خارج تونس الكبرى حلقوا شعرهم وأرسلوه عبر البريد لفائدة الجمعية، لكن في المقابل بعض قاعات الحلاقة في تونس الكبرى رفضت أن تنخرط في الحملة دون تقديم أي مبرّر أو عذر.

لماذا الشعر بالذات؟


اللّافت للانتباه في هذا الموضوع هو القيمة التي يتم إيلاؤها للشعر في الثقافة التونسية فتجنّد جمعيات من أجل تجميعه لفائدة المرضى يبدو للوهلة الأولى حركة إنسانية نبيلة لكن في المقابل ينم أيضا دور اجتماعي آخر فما الذي يجعل من طفل أصلع ضحية مرض خبيث عُرضة للتنمر؟ ومالذي يجعل الشعر مقياسا؟
توضح الدكتورة في السوسيو- أنتروبولوجيا ألفة والي غرياني لـ”JDD”، أن دلالات الشعر في تونس تختلف عن بعض الحضارات الأخرى التي تعتبره بالنسبة للمرأة رمزا للشرف والرجولة والفحولة و”الكفاءة الجنسية” عند الرجال.
كما أنّ هناك مقاييس دينية ومعتقدات في بعض الحضارات الإفريقية تفرض إخفاء الشعر وحلقه بالنسبة للجنسين أو إظهاره.


في تونس، يختلف التعامل مع المسألة حسب الوسط والبيئة التي ترعرعت فيها النساء، ففي القرى والأرياف ما زالت الفتيات تحافظن على الشعر سواء في الرأس أو في أماكن مختلفة من أجسادهم من منطلق تقليدي عقائدي لكن بمجرد مخالطتهن لنساء المدن الكبرى سواء في الجامعات أو المصانع يصبح هناك مقياس ومعيار للجمال تحدده المجموعة الأكبر فيصبحن متشابهات في اختيارهن لذات القصات والألوان وطريقة نمص الحواجب وإذا خرجت إحداهن عن السرب تصبح غير مواكبة لعصرها.
بالنسبة للرجال فإن المقياس والمعيار ذوقي وجمالي بالأساس لكن في تونس يتم إيلاء الموضوع أهمية أقل مقارنة بدول الجوار على غرار مصر والمغرب الذين يذهبون أكثر في خيار زراعة الشعر.
وتفيد الدكتورة غرياني بأنّ الصلع عند الرجال يصبح مصدر إزعاج في سن معينة، في الثلاثينيات تقريبا لا يقبل الشاب مظهره دون شعر باعتبار أنه أحد أهم مقاييس الجمال وتختلف درجات الاحساس بالإحراج من شخص إلى آخر حسب القابلية النفسية.


من جهة أخرى، توضح محدثتنا أن الأطفال لا يتهكمون على أترابهم الذين يعانون أمراضا تسببت في تساقط شعرهم لأنهم أشرار لكن لأنهم منذ ولادتهم يختلطون بأفراد عائلاتهم وأصدقائهم وزملائهم وهم أشخاص “عاديون” للإناث شعر طويل، وللذكور نوعية حلاقة معينة، فمجرد رؤيتهم لشخص مختلف تجعلهم يرفضون ذلك.
وأضافت أن غياب التنشئة والحوار داخل العائلة والبرامج التعليمية والتثقيفية التي تمكّن الأطفال واليافعين من التعرف على قيمة الاختلاف ووجود أمراض قد تتسبب في تساقط الشعر يؤدّي حتما إلى سلوكات عنيفة تجاه المختلفين عنهم.
واستنتجنت الدكتورة غرياني أنه يمكن قراءة الشخص المقابل ودراسته سوسيولوجيا وأنتروبولوجيا والقيام بتحليله النفسي والاجتماعي ومعرفة إلى أي مجموعة ينتمي من خلال نوعية الحلاقة التي اختارها.
وتوضح أن اللحية مثلا حمالة أوجه سياسية واقتصادية واجتماعية، فهي ليست مجرد شعر لكنها أصبحت معيارا في تحديد الإيديولوجيات وتصنيف الأشخاص إلى إسلاميين وسلفيين وماركسيين.
في السنوات الأخيرة، كانت اللحية رمزا للتشدد الديني باعتبارها من السنن النبوية، لكن سرعان ما تحولت إلى مظهر “look” بعد أن أطلقها مشاهير الفن والرياضة وتخلصت بذلك من مكبلات المجتمع.