أثارت الأزمة السياسية في تونس من جديد مسألة تعديل القانون الانتخابي، كما نظّم البرلمان خلال شهر جانفي الماضي يوما دراسيا حول “تقييم المنظومة القانونية للانتخابات” والذي دعا خلاله رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي إلى ضبط ما يشوّش على الانتخابات ويؤثر في نزاهتها وشفافيتها، فهل يضمن تغيير قانون الانتخابات مشهداً مغايراً لما تعيشه تونس اليوم؟

فشل نظام التمثيل النسبي

يوضّح المحامي المختصّ في القانون العام الأستاذ شكري عزوز لـ”JDD”، أنّ وضع القوانين الانتخابية في جميع أنحاء العالم كانت وراءه فكرة غير بريئة وانعكاس لميزان القوى القائمة عند سنّها وتونس لم تخرج عن هذه الفلسفة.
وأضاف عزّوز أن الإسلاميين الذين كانت لهم الأغلبية كان لديهم هواجس تتعلق بعودة النظام القديم وانعدام الثقة في الشخص الواحد فسعوا إلى تجريد رئيس الجمهورية من صلاحياته مع ضمان وجودهم في المجلس النيابي أكثر ما يمكن بالتوازي مع استبعاد فكرة الأغلبية المطلقة حتى لا يتحمّلون مسؤولية الفشل وهو أمر عادي ومتوقع في وضعبات الانتقال الديمقراطي، حسب تقديره.


وتابع أنه تم الذهاب في نظام انتخابي يقوم على التمثيل النسبي وهو مفهوم تقليدي ونموذج نظري لغايات بيداغوجية، تخلت عنه الدول الديمقراطية منذ السبعينات لأنّه يشرّع للفوضى، وفق قوله.
وأكّد محدّثنا أنّ هذا النظام لم ينجح لأنه ارتطم بالصحراء السياسية التي كانت عليها تونس سنة 2011 في ظل غياب أحزاب وكوادر قوية ومهيكلة بعد هيمنة الحزب الواحد.
كما أشار إلى انعدام الثقة بين مختلف الأطراف عمّق أزمة النظام السياسي باعتبار عدم التشبّع بقبول قواعد اللّعبة حيث أفرزت أغلبية بلا أغلبية فعلية وأقلية معرقلة، ولا تقبل بنتائج الصندوق.
وبيّن أن النقاش في الفضاء العام في تونس ليس مبنيا على العقلانية والأفكار والرؤى والبرامج وأنه ما زال بدائيا فأسسه إيديولوجية وبالتالي فهو عديم الجدوى ولن يفزر أي نتائج.

ضرورة إصلاح المنظومة بأكملها

يؤكد المحامي شكري عزّوز أنّه لا يمكن الحديث عن إصلاح النظام الانتخابي في معزل عن إصلاح بقية القوانين المعنية به وهي قانون الأحزاب الذي ما زال إلى حد اليوم مرسوما في حين أنه يجب أن يكون قانونا أساسيا إلى جانب تعديل الدستور الذي اعتبره “دستور هواة مليء بالآليات الانتقالية ولم يتضمن آليات التطبيق”.
كما دعا إلى مراجعة قانون الجمعيات والنصوص ذات العلاقة به على غرار محكمة المحاسبات وقانون سبر الآراء بالاستئناس بالتجارب الأوروبية لوضع حد للجرائم الانتخابية بعيدا عن خطابات التنديد.



ودافع الباحث في القانون الدستوري والنائب بالمجلس الوطني التأسيسي رابح الخرايفي عن هذا الطرح، مشددا على ضرورة مراجعة كل القوانين المتداخلة المتعلقة بالأساس بالجمعيات وشركات سبر الآراء والاتصال السمعي والبصري الذي أكّد أنه يتأثر بشكل مباشر بالعملية الانتخابية وبنتائجها لأن الممارسة الانتخابية شاملة، ولا يمكن أن تكون شفافة إلا في مناخ سياسي خاضع لسلطة القانون دون سواها.

النزاهة العامة

من جهة أخرى، اعتبر رابح الخرايفي في تصريح لـ”JDD”، أن الإشكال يكمن في شروط الترشح داعيا إلى تشديدها لأن الشروط المتعلقة بالنزاهة العامة والاستقامة غائبة في النص الحالي.
وقال إنه يجب حرمان كل شخص لا يزال موضوع تتبع جزائي من الترشح مع إلزامية الاستظهار ببطاقة السوابق العدليّة المعروفة بالبطاقة عدد 3.
وفي سياق متّصل، يرى كلّ من الخرايفي وعزوز أن العتبة الانتخابية أمر ضروري على قاعدة فرز أغلبية واضحة تتحمل المسؤولية لإيجاد حلول سياسية واقتصادية واجتماعية تمكن من تجاوز حالة التشتت وضمان الاستقرار.
وصرّح الخرايفي أنه يجب إضافة عتبية بين 5 و10 بالمائة حتى تتكمن الأحزاب الكبيرة والتي لها تمثيلية حقيقة في الشارع من الصعود إلى سدة الحكم مشيرا إلى أنه من غير المقبول أن يصبح شخص نائبا بمجرد حصوله على 200 صوت فقط، داعيا كذلك إلى التفكير في كيفية الانتخاب على قائمات أو على الأفراد.