تعيش المؤسسات التربوية في تونس حالة من الفوضى فرضتها الإضرابات التي تخوضها الإطارات التربوية بصفة متواترة على مدى السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تقلّص الزمن المدرسي بعد اعتماد نظام الأفواج يوما بيوم، في إطار إجراءات كبح تفشي فيروس كورونا في تونس، وهو ما يجعل المستقبل الدراسي مهدّدا اليوم.

وإذ تعتبر الوضعية الحرجة التي يعيشها القطاع التربوي، نتاجا لسنوات متعاقبة من انعدام الوعي والإرادة السياسية لإصلاح المنظومة التربوية المهترئة، وهو ما يتفق حوله مختصون، بينهم رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني، الذي أكد في تصريح لـ”JDD”، أنه من الصعب اليوم تدارك الزمن المدرسي الضائع، جراء الغيابات والاضرابات وآخرها إضراب القيمين، مما يجعل المسار الدراسي الكامل لأكثر من مليونين و200 ألف تلميذ في تونس مهددا.

غياب الإرادة السياسية

وبين محدثنا أن التدارك سيكون حكرا فقط على التلاميذ القادرين ماديا “الأغنياء”، من خلال الدروس الخصوصية أو التعلم بالمؤسسات التربوية الخاصة، وهو ما سينجر عنه بالضرورة توسيع الهوة بين الأغنياء والفقراء، ليصبح التعليم حكرا فقط على القادرين ماديا و النجاح رهينا لتوفر الأموال.

وعبر رضا الزهروني، عن تخوف الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ، واستيائها من غياب الإرادة السياسية والقرارات الهادفة لتغيير الوضع والنهوض بالتربية والتعليم في تونس، خاصة أمام تداخل المسؤوليات، حيث أصبحت النقابات اليوم تتحدث عن الوضع الصحّي بالمؤسسات التربوية، في ظل غياب مواقف حقيقية من المختصين، وفي المقابل نجد السياسيين منكبين على ملفات أخرى بعيدة كل البعد عن مشاغل الشعب التونسي وعن المجتمع والتربية والتعليم.

مستقبل البلاد مهدّد

وبالرغم من أن الملف التربوي يمثل أبرز القطاعات وأكثرها حساسية، خاصة وأنه يمثل ركيزة من ركائز بناء الأجيال القادمة وتكوينها كما يمثل مستقبل الفرد والعائلة والمجتمع وبالتالي مستقبل البلاد، إلا أنه وأمام انعدام الوعي والإرادة السياسية لإصلاح المنظومة التربوية المهترئة منذ سنوات، أصبح مستقبل بلادنا مهددا بالجهل، وفق رضا الزهروني، الذي اعتبر أن المدرسة اليوم غير قادرة على القيام بواجبها من حيث الجودة والعدالة الاجتماعية، وهو ما يفسر الظواهر المتفشية في المجتمع على غرار تنامي الإرهاب والإجرام وانعدام القيم والأخلاق والانقطاع المبكر عن الدراسة وظاهرة تفشي المخدرات في الوسط المدرسي.

وشدد المتحدث على أنه لا يمكن اليوم الحديث عن بناء مشروع متكامل للعدالة الاجتماعية والتضامن وغيرها من القيم في ظل غياب دور المدرسة.

الجميع مسؤول عن انهيار المنظومة التربوية

وأشار محدثنا إلى أن الجميع اليوم مسؤول عن انهيار المنظومة التربوية بدءًا من أولياء التلاميذ وصولا إلى الدولة وأصحاب القرار، معتبرا أن الأولياء اليوم يرتكبون جرما في حق أولادهم لأنهم لم يدافعوا بالطريقة المطلوبة حن حقهم في التربية والتعليم والثقافة التي تعتبر ركائز أساسية في بناء المستقبل وضمان الكرامة الحقيقية لأبنائهم ولضمان الأمن والأمان في تونس.

ومع تواصل غياب الوعي بخطورة الوضع التربوي في تونس، فإن مستقبل البلاد اليوم على المحك ويواجه مصيرا مجهولا في ظل الأرقام المفزعة المنشورة مؤخرا، التي كشفت أن أكثر من 50 بالمائة من مكونات الشعب التونسي لديهم فقط مستوى ابتدائي في حين أن نصفهم أميون وفق محدثنا الذي أطلق صافرة الإنذار من أجل إنقاذ ما تبقى من السنة الدراسية الحالية محذرا من أن المجتمع التونسي ومستقبل الأجيال القادمة مهدد بالجهل، في صورة عدم التحرّك الفوري لأصحاب القرار.

لا بد من إصلاح الوضع التربوي

وأكد رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ، رضا الزهروني، أن الوقوف على النقائص التي تهدد سير العملية التربوية دون التطرق للحلول، غير كاف أمام هذه التهديدات الجدية، مشددا على ضرورة المرور إلى إصلاح الوضع التربوي من خلال وقفة تضامن بين مختلف الأطراف المتداخلة، لإنقاذ ما تبقى من السنة الدراسية الحالية والخروج بأقل الأضرار.

وبين أن هذه الحلول لا يمكن أن تكون ناجعة إلا بالتزام الدولة بتوفير الإمكانيات اللازمة البشرية والصحية بالمؤسسات التربوية وحرص أولياء التلاميذ على حضور أبنائهم ووضع حد لمشاكل القيمين الذين يخوضون إضرابا، بالإضافة إلى تكثيف الإطار التربوي للزمن المدرسي للتلاميذ من أجل تدارك البرامج التعليمية خاصة وأن الامتحانات الوطنية على الأبواب.

ا