توالت التصريحات التونسية المرحبة والمتفائلة باتفاق الفرقاء في ليبيا برعاية أممية بعد سنوات من الحرب حولت البلاد إلى حلبة صراع دولي كبّد ليبيا والمنطقة عموما خسائر ضخمة.. فهل تصمد هذه المصالحة؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على العلاقة الليبية التونسية؟

ترحيب تونسي واستعداد لمد يد العون

بعد اتصال هاتفي جمع رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، الرئيس الجديد لمجلس الرئاسة الليبي محمد يونس المنفي، قالت الرئاسة التونسية، في بيان لها أن “سعيّد وجّه الدعوة لمحمد المنفي وكافة أعضاء السلطة التنفيذية المنتخبة، لزيارة تونس في أقرب الآجال الممكنة”، كما أعربت الرئاسة التونسية عن ارتياحها لنجاح انتخاب السلطة التنفيذية المؤقتة في ليبيا.

وفي نفس الإطار جددت تونس استعدادها للمساندة المطلقة لليبيا، فيما يتعلق بمسألة إحكام التنسيق بين البلدين في مجلس الأمن الدولي من خلال ما يمكن أن تقدمه تونس، التي تتمتع بعضوية هذا الهيكل الأممي، بخصوص الملف الليبي والقضايا الإقليمية والدولية وذلك بعد اتصال هاتفي جمع وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، مع نظيره الليبي محمد الطاهر سيالة.

وفي الجانب الأمني قال وزير الدفاع الوطني التونسي ابراهيم البرتاجي إن “الوضع سائر نحو التحسن بحكم التغيرات الحاصلة في ليبيا، من حوار بين الفرقاء وأن الوضع الأمني سيتحسن شيئا فشيئا في البلاد وسيكون له انعكاس إيجابي في علاقة بحماية الحدود التونسية”، وذلك إثر جلسة استماع بالبرلمان بخصوص الأوضاع الإقليمية الأمنية، على الحدود التونسية مع ليبيا.

تحديات السلطة الليبية الجديدة

بعد نجاح ملتقى الحوار السياسي الليبي، برعاية أممية الجمعة 5 فيفري 2021، في اختيار حكومة مؤقتة عبر التصويت، تكونت من محمد المنفي من “الشرق” رئيسا للمجلس الرئاسي، وعبد الحميد دبيبة من “الغرب” رئيسا للوزراء، إضافة إلى عضوي المجلس موسى الكوني من “الجنوب” وعبد الله حسين اللافي من “الغرب”، تواجه هذه التشكيلة التي تمثل مختلف مناطق البلاد تحديات كبرى بداية من مسؤولية رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومته خلال 21 يوما، وتسليمها إلى مجلس النواب لمنحها الثقة على شرط أن تكون هذه الحكومة الجديدة تمثل كافة الشرائح من الشباب والنساء.

وفي حال نجاح السلطة الليبية في تجاوز هذا الاختبار، وجمع مختلف أطياف مكونات الشعب الليبي حولها، يبقى أمامها تحدي إدارة شؤون البلاد، التي أنهكتها سنوات الحرب حتى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، وللنجاح في هذه المهام يجب على التركيبة الجديدة، التركيز على الوضع الأمني واختيار الكفاءات والابتعاد عمن تطالهم شبهات فساد، حسب ما صرح به، عضو مجلس النواب علي الصول.

خطوات عملية في الطريق الصحيح

يبدو أن القطيعة الليبية مع مصر التي استمرت لأكثر من 7 سنوات دون وجود سفارة ستنتهي قريبا بعد الحديث عن وصول وفد مصري إلى طرابلس، من المنتظر أن يعقبه إعلان لإعادة فتح السفارة المصرية اليوم الاثنين 15 فيفري 2021، وذلك بعد أيام فقط من تسلّم التشكيلة الليبية الجديدة لمهامها.

إضافة إلى هذه الخطوة الديبلوماسية تسعى السلطة الجديدة إلى تعزيز آليات تطبيق بنود وقف إطلاق النار، ومن ثم في الشروع في نزع الألغام في ليبيا، بدءا من مدينة سرت في اتجاه بقية المدن، تمهيدا لفتح الطريق الساحلي بين شرقي البلاد وغربيها، وخروج المرتزقة والقوات الأجنبية بشكل نهائي، حسب ما أفادت به مصادر من اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5).

انفراج محفوف بالمخاطر

ورغم هذه المكاسب، التي تم التوصل إليها حتى الآن، إلا أن مؤشرات أخرى تبعث على الحذر خاصة بعد سنوات الصراع بين الفرقاء في البلاد، حيث استهجن رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، الزيارة التي قام بها رئيس المجلس الرئاسي المنتخب محمد المنفي لمدينة طبرق ولقائه باللواء المتقاعد خليفة حفتر معتبرا ذلك يمثل رسالة سلبية لليبيين، ولا علاقة له بالتوافق بعد كل ما تسبب فيه حفتر، من معاناة لأبناء الشعب الليبي وفق تعبيره.

وتعكس هذه التصريحات، مدى الخلاف الذي تحاول الإدارة السياسية الجديدة تجاوزه خاصة أن أطرافا دولية عديدة توغل في التدخل في البلاد ومن مصلحتها فشل مساعي الحكومة الجديدة، المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف.

سنوات من الصراع بين الشرق والغرب الليبيين

منذ الثورة الليبية في عام 2011، مرت الأزمة التي دخلت فيها البلاد بـ 3 مراحل رئيسية، كان أعنفها المرحلة الثالثة في عام 2014، حيث بدأت هذه المرحلة بانقسام البرلمان الليبي إلى كتلتين، تدَّعي كل منهما الشرعية وتمثيل الشعب الليبي، وجرى اختزال الصراع في ليبيا في هذين الطرفين الرئيسيين لتبلغ هذه الأزمة ذروتها، بعد دخول اللواء المتقاعد خليفة حفتر، على الخط على رأس الجيش الوطني الليبي، الذي يمثل حكومة طبرق للاستيلاء على المنطقة الغربية من ليبيا، وذلك من خلال إعلان بدء العملية، التي سميّت بركان الغضب، في الـ 4 من أفريل عام 2019، حيث حاولت قوات حفتر الدخول إلى طرابلس من محاور مختلفة في ظل اشتباكات طاحنة مع قوات حكومة الوفاق الوطني.

وقد أسفرت هذه المعارك بين الشرق والغربي الليبي، عن مئات القتلى وآلاف الجرحى أغلبهم من المدنيين إضافة إلى خسائر مادية ضخمة خاصة بعد تدخل عدة أطراف دولية، تموقع كل منها لدعم الشق الليبي الذي يحقق مصالحها.

ورغم محاولات التوصل إلى اتفاق سياسي سلمي إلا أن الفرقاء الليبيين ظلوا عاجزين عن ذلك لسنوات لينجحوا أخيرا في جنيف 5 فيفري 2021 برعاية أممية، فهل تنجح الإدارة السياسية الجديدة في توحيد ليبيا التي مزقتها سنوات الحرب الطويلة؟