بقلم الأستاذ شكري عزوز
جاء الفصل 5 من مجلّة المرافعات و العقوبات العسكريّة في القسم الثاني من الباب الأول من المجلّة و المتعلّق بمرجع النظّر الموضوعي للقضاء العسكري .
وبموجب المرسوم عدد69 لسنة 2011 المؤرّخ في 29 جويلية 2011 أضيفت إلى الفصل 5 الفقرة 7 التي تنصّ على أنّ المحاكم العسكريّة تختصّ بالنّظر في ” جرائم الحق العام المرتكبة ضدّ العسكريين أثناء مباشرتهم للخدمة أو بمناسبتها ” .
و منذ إضافتها لم تنفكّ مقتضيات الفقرة 7 من الفصل5 عن إثارة الجدل حول دستورّيتها و مدى تلاؤمها مع تعهّدات تونس الدّوليّة و مع مكوّنات الهرم القضائي و استجابتها لضرورة الحفاظ على الحرّيات الأساسيّة التي كفلها الدّستور و باقي القوانين الوطنيّة .
و عند الحديث عن الإختصاص الموضوعي للمحكمة العسكريّة لا يمكن إغفال مقتضيات الفصل 91 من مجلّة المرافعات و الإجراءات العسكريّة الذي يكرّس بدوره تداخلا للقضاء العسكري و القضاء العدلي في نفس الوقت لتنظيم الجرائم المتعلّقة بنفس الأفعال ممّا استوجب تدخّل المشرّع لحسمه.
*ينصّ الفصل 110 من الدّستور التونسي بعبارات واضحة على أنّ المحاكم العسكريّة هي محاكم استثنائيّة تختصّ بالنّظر في الجرائم العسكريّة . و يؤكّد من جهة أخرى أنّ اختصاصها و تركيبتها و تنظيمها و الإجراءات المتبعة أمامها يضبطها القانون .
و بالنّظر لمقتضيات الفصل 65 من الدّستور و خاصّة في فقراته 4 و 5 و 16 يتبيّن أنّ المقصود بالقانون هو النّص التشريعي الذي يوافق عليه مجلس نواّب الشّعب حسب الأغلبيّة و الإجراءات المنصوص عليها بالدّستور .
*و من ناحية أخرى يكرّس الفصل 108 و الفصل 110 من الدّستور التونسي و توطئته مجموعة من المبادىء المعمول بها في الدّول الديمقراطيّة فيما يخصّ علاقة المواطن بمرفق القضاء . و أهم ّ هذه المبادىء حقّ المواطن في محاكمة عادلة في آجال معقولة و حق التقاضي على درجتين كما يضمن الحقّ الدّفاع .
و من أهمّ ما يستنتج من قراءة هذين الفصلين هو التمييز الواضح مابين القضاء العسكري الذي يختصّ بالنّظر في الجرائم العسكريّة و القضاء العدلي الذي يبتّ فيما دونها من النّزاعات .
و من شأن مقتضيات الفقرة 7 من الفصل 5 من مجلّة المرافعات و العقوبات العسكريّة أن تفرغ المبادىء الأساسيّة التي تعرّض لها الدّستور التونسي من محتواها . ذلك أنّ تخويل المحاكم العسكريّة النّظر في القضايا الجزائيّة التي يكون فيها المتضرّر عسكريّا يوسّع بشكل مجحف في دائرة اختصاص المحاكم العسكريّة إلى درجة تنصيبها منافسا للمحاكم الأصليّة المكوّنة للهرم القضائي العدلي . و نتيجة لهذه الوضعيّة خرجت المحاكم العسكريّة عن دورها الأساسي و هو البت في النزاعات الجزائيّة ذات الصّبغة العسكريّة عن طريق الزّجر لتصبح هيكلا موازيا للقضاء العدلي و هي وضعيّة تتضارب مع نيّة المشرّع التونسي في الإبقاء على الطّابع الإستثنائي للقضاء العسكري الذي لا يجوز التوسّع في اختصاصه .
*و قد أعدّت الأمم المتّحدة تقريرا مفصّلا تحت إشراف الخبير في القانون الدّولي “إيمانويل ديكو ” حول إدارة العدالة العسكريّة
Rapport des Nations Unies sur l’administration de la justice militaire ( sous la direction de Emanuel DECAUX )
جاء بمجموعة من المبادئ التوّجيهيّة التي يتعيّن اعتمادها كي يحافظ القضاء العسكري على خصوصيّته كأداة لحفظ النّظام العام العسكري و يكون داعما لحقوق الإنسان على المستوى الوطني و الدّولي . و قد تضمّنت النّقطة الخامسة من مبادىء الأمم المتّحدة حثّ الدّول الأعضاء على استبعاد إخضاع المدنيين للقضاء العسكري .
*إنّ الفهم الصحيح لدور القضاء العسكري يقتضي أن يكون اختصاصه مقتصرا على القضايا التي يكون فيها طرفا النّزاع من العسكريين ( أي المتّهم و المتضرّر ) مثلما هو الحال في القانون المقارن . و تبرير ذلك يتمثّل في أنّ الجرائم المرتكبة ضدّ العسكريين هي في الحقيقة جرائم مرتكبة ضدّ مؤسّسة من مؤسّسات الدّولة شأنها شأن باقي المؤسسات كالمؤسسة الأمنيّة و غيرها سواء وقع ارتكابها من طرف عسكريّ أو من طرف مدنيّ . و لكن الفرق بين الحالتين هو أنّ الجرائم التي يرتكبها الطّرف العسكري ضدّ العسكريين هي جرائم مرتكبة من داخل المؤسسة العسكريّة و تستوجب إجراءات خاصّة تتماشى مع وضعيّة المتّهم و المتضرّر في نفس الوقت و هي وحدها التي تدخل تحت طائلة مجلّة المرافعات و العقوبات العسكريّة في حين أنّ الجرائم التي يرتكبها الطّرف المدني تكون من خارج المؤسّسة العسكريّة و يمكن أن تشمل عددا لا يمكن حصره من المتهمين المدنيين و لا يوجد أيّ مبرّر قانوني و لا منطقي يبرّر إخضاعها للإجراءات الخاصّة المنصوص عليها في مجلّة المرافعات و العقوبات العسكريّة و تخويل القضاء العسكري النّظر فيها يمثّل تدخّلا خطيرا في اختصاص القضاء العدلي الذي هو القضاء الأصلي .
- ينصّ الفصل 91 من مجلّة المرافعات و العقوبات العسكريّة على ما يلي :” يعاقب بالسّجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات كلّ شخص عسكريّ أو مدني تعمّد بالقول أو الحركات أو بواسطة الكتابة أو الرّسوم أو الصّور اليدويّة و الشمسيّة أو الأفلام بمحلّ عمومي تحقير العلم أو تحقير الجيش و المس بكرامته و سمعته أو معنويّاته أو يقوم بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النّظام العسكريّ و الطّاعة للرّؤساء أو الإحترام الواجب لهم أو انتقاد أعمال القيادة العامّة أو المسؤولين عن أعمال الجيش بصورة تمسّ بكرامتهم .
و يعاقب بالسجن من شهرين إلى سنتين كلّ شخص عسكريّ أو مدني يتعمّد زمن السلم نشر أو إبلاغ أو إفشاء ما يتعلّق بالحوادث العسكريّة داخل الثكنات أو خارجها أو الإجراءات التي تتخذها السلطة العسكريّة في شأن أحد أفرادها أو الأوامر و القرارات الصّادرة عن هذه السّلطة و عن كلّ ما يتعلّق بتنقّلات الوحدات و المفارز العسكريّة و كلّ ما يتعلّق بالعمليّات التي تقوم بها قوى الدّولة المسلّحة و يستثنى من ذلك البلاغات و الإذاعات التي تأمر بنشرها السلطة المختصّة .
و إذا حصل الجرم أثناء الحرب أو في حالة الحرب تتضاعف العقوبة .”
*إنّ من أهم التطورات التي شهدتها الحياة العامّة في تونس منذ 14 جانفي 2011 يتمثّل في ضمان حرّية الصحافة و حرّية الرّأي و التعبير عموما ممّا جعل تونس تتصدّر الدّول العربيّة و الإفريقيّة في هذا المجال و تنافس الدّول الدّيمقراطيّة الغربيّة .
و قد بادر المشرّع التونسي بوضع إطار حضاريّ ينظّم ممارسة الصّحافة و الإعلام و النشر بصفة عامّة يتمثّل في المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 .
و بالإضافة لتوضيح عديد المفاهيم التي بقيت غامضة حتّى ذلك التاريخ فقد كان للمرسوم دور في وضع منظومة زجريّة و عقابيّة دقيقة تضمن ممارسة حرّية الصحافة و النّشر .
و قد جاء الباب الخامس من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرّخ في 02 نوفمبر 2011 تحت عنوان ” في الجرائم المرتكبة بواسطة الصّحافة أو بأيّ وسيلة من وسائل النّشر ” و قد رسم المشرّع التونسي صلب هذا الباب و بالتحديد في الفصلين 50 و 54 حدودا واضحة لأعمال النّشر التي يجرّمها و يؤاخذ مرتكبيها .
و بالإضافة لأفضليّة المرسوم و أوليّة تطبيقه بوصفه نصّا خاصّا يقدّم على النصّ العامّ فقد جاء مجاله مطلقا عندما استعمل عبارة ” أيّ وسيلة من وسائل النّشر “
و يبدو التناقض واضحا بين مقتضيات هذا النّص و بين مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 91 من مجلّة المرافعات و العقوبات العسكريّة الذي يتيح للقضاء العسكريّ التدّخل لزجر جزء من الجرائم المرتكبة بواسطة وسائل النّشر التي يستعملها المدنيّون .
*أمّا الجرائم المتعلّقة بنشر أو إبلاغ أو إفشاء الأمور المتعلّقة بالحوادث العسكريّة و غيرها زمن السّلم التي تعرّضت لها الفقرة الثانية من الفصل 91 من مجلّة المرافعات و العقوبات العسكريّة فقد استوعبتها أحكام الباب الأوّل من الجزء الأوّل من الكتاب الثاني للمجلّة الجزائية الذي جاء تحت عنوان ” في الإعتداءات على أمن الدّولة الخارجي” .
و قد جاءت أحكام هذا الباب بأكثر تفصيل و أكثر دقّة للجرائم المنصوص عليها بالفقرة الثانية من الفصل 91 المذكور آنفا . - إنّ التعرّض لنفس الأفعال المرتكبة و تجريمها و تسليط نوعين مختلفين من العقاب عليها يمسّ بشكل كبير من تناسق المنظومة العقابيّة و يخلق تداخلا من شأنه أن يحدث فوضى في تقاسم إختصاص ما بين المحاكم العدليّة و المحكمة العسكريّة و هذا من شأنه أن يمسّ من السير العادي للنّظام القضائي .
نحن اليوم أمام وضعيّة تتطلّب إعادة النّظر في حدود اختصاص المحاكم العدليّة و المحاكم العسكريّة دون إغفال الصّبغة العموميّة و الأصليّة للأوّل و الطّابع الإستثنائي للثّاني و دون إغفال للمبادئ الدّستوريّة و تعهّدات تونس الدّوليّة المتعلقة بالحقوق الأساسيّة و الحرّيات العامّة . أمّا من النّاحية العمليّة فتحقيق ذلك يكون بإلغاء الفقرة 7 من الفصل 5 من مجلّة المرافعات و العقوبات العسكريّة و مراجعة أحكام الفصل 91 من نفس المجلّة بما يجعلها أكثر تناسقا مع أحكام المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرّخ في 02 نوفمبر 2011 و أحكام الباب الأوّل من الجزء الأوّل من الكتاب الثاني للمجلّة الجزائية المتعلّقة بالإعتداءات على أمن الدّولة الخارجي.
الصيغة المقترحة للفصل 5 : إلغاء الفقرة 7 و الإبقاء على بقيّة الفصل على الصّياغة التي هو عليها .
الصّيغة المقترحة للفصل 91 :” يعاقب بالسّجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات كلّ شخص عسكريّ تعمّد بالقول أو الحركات أو بواسطة الكتابة أو الرّسوم أو الصّور اليدويّة و الشمسيّة أو الأفلام بمحلّ عمومي تحقير العلم أو تحقير الجيش و المس بكرامته و سمعته أو معنويّاته أو يقوم بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النّظام العسكريّ و الطّاعة للرّؤساء أو الإحترام الواجب لهم أو انتقاد أعمال القيادة العامّة أو المسؤولين عن أعمال الجيش بصورة تمسّ بكرامتهم .
مع مراعاة مقتضيات الفصول 60 مكرّر و 60 مكرّر ثانيا و 61 مكرّر ثانيا من المجلّة الجزائيّة في ما يتعلّق بالمسّ من أمن الدولة الخارجي , يعاقب بالسجن من شهرين إلى سنتين كلّ شخص عسكريّ يتعمّد زمن السلم نشر أو إبلاغ أو إفشاء ما يتعلّق بالحوادث العسكريّة داخل الثكنات أو خارجها أو الإجراءات التي تتخذها السلطة العسكريّة في شأن أحد أفرادها أو الأوامر و القرارات الصّادرة عن هذه السّلطة و عن كلّ ما يتعلّق بتنقّلات الوحدات و المفارز العسكريّة و كلّ ما يتعلّق بالعمليّات التي تقوم بها قوى الدّولة المسلّحة و يستثنى من ذلك البلاغات و الإذاعات التي تأمر بنشرها السلطة المختصّة .
و إذا حصل الجرم أثناء الحرب أو في حالة الحرب تتضاعف العقوبة .”