دارت اختبارات باكالوريا 2021 في تونس وسط ظروف استثنائية تراوحت بين تفشي وباء كورونا وأزمة سياسية واقتصادية شاملة إضافة إلى رصد عمليّات غش كثيرة طرحت عديد التساؤلات والشكوك لدى الملاحظين.. هل أصبحت القيمة العلمية للمناظرة مهددة؟ وهل فقدت الباكالوريا التونسية مكانتها عالميا؟

لم ينس التّونسيّون كيفيّة كتابة عماد الطرابلسي، صهر الرّئيس السّابق على شهادة الباكالوريا من وزارة التّربية والحال أنّه غير قادر على كتابة جملة صحيحة سواء بالعربية أو بالفرنسية وفق بعض المقربين، وتحدّث الجميع عن ضغوطات مورست من قصر قرطاج آنذاك لإسناد شهادة غير مستحقّة لابن شقيق زوجة الرّئيس السّابق.


قيمة الشّهادات العلمية أصبحت في الميزان خلال فترة حكم النّظام السّابق خاصّة بعد حصول ليلى الطرابلسي زوجة بن علي على شهادة الإجازة في الحقوق دون أن تطأ قدميها الحرم الجامعي طوال فترة دراستها الجامعية.

جذور الباكالوريا

يعود أوّل اجتياز لاختبار الباكالوريا في تونس إلى 130 سنة خلت وتحديدا إلى سنة 1891 أي عشر سنوات بعد دخول المستعمر الفرنسي، واكنت حكرا على أبناء المعمرين وعدد قليل جدّا من الأبناء الطبقة الراقية التّونسيين.


أوّل امتحان لشهادة الباكالوريا في نسخته التونسية يعود إلى سنة 1957 شارك فيه حوالي 2000 مترشح غالبيتهم من العاصمة، نجح ثلثهم فقط، وكانت الباكالوريا تنقسم إلى صنفين، الأولى عربية والثانية فرنسية قبل أن يتم توحيدها بداية من سنة 1976.

في سنة 2002، شرعت وزارة التربية في احتساب نسبة 25 بالمائة من المعدّلات السنوية للمترشّحين ما ساهم، في ارتفاع نسب النجاح والتقليص من قيمة هذه الشهادة، علما وأنّ بعض الدول تخضع حامل الباكالوريا التونسية إلى تقييم إضافي قبل قبوله في أي مؤسسة جامعية.

جودة التّعليم

حلت تونس في المركز 84 عالميا والسابع عربيا في مؤشر جودة التعليم ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ المنتدى ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ دافوس 2021.


وقد تصدرت قطر قائمة الدول العربية (الرّابعة عالميّا) في مؤشّر جودة التعليم ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ المنتدى تليها الإمارات (العاشرة عالميا)، ثم لبنان في المرتبة الثالثة عربيا (25 عالميا)، إضافة إلى البحرين والأردن والسعوديّة.


ويستند ترتيب الدول في التقرير، ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻨﺤﻮ 12 ﻓﺌﺔ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ وهي: المؤسسات، ﻭﺍﻻﺑﺘﻜﺎﺭ، ﻭﺑﻴﺌﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻜﻠﻲ، ﻭﺍﻟﺼﺤﺔ، والتعليم ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ، ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻲ، والتدريب، ﻭﻛﻔﺎﺀﺓ ﺃﺳﻮﺍﻕ ﺍﻟﺴﻠﻊ، ﻭﻛﻔﺎﺀﺓ سوق ﺍﻟﻌﻤﻞ، وتطيور ﺳﻮﻕ ﺍﻟﻤﺎﻝ، ﻭﺍﻟﺠﺎﻫﺰﻳﺔ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ، وحجم السوق، ﻭﺗﻄﻮﺭ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ.

تفشي الغشّ


لا ينكر أي من التّونسيين وجود حالات للغش قبل 2011 خلال مناظرة الباكالوريا، إلّا أنّها كانت نادرة باعتبار العقوبات الصّارمة الّتي يمكن أن تلحق كلّ متورّط وقد تصل إلى الطّرد النّهائي من جميع المعاهد خاصّة عندما ترتبط العقوبة بسوء سلوك تجاه المراقبين أو العاملين بمراكز الامتحانات.


بعد اختراع الهاتف الجوال ووسائل الاتصال الحديثة، ابتكر التلاميذ وسائل عديدة ومتطورة للغشّ ما أدّى إلى تفشّي هذه الظّاهرة، حيث تتسرّب نصوص الامتحانات إلى خارج المعاهد من قبل تلاميذ مترشحين بصفة فردية يغادرون القاعة بعد دقائق من انطلاق الامتحان أو عن طريق تصوير الامتحانات عبر الهاتف وإرسالها ثمّ انتظار عودة الأجوبة مقابل مبالغ مالية متفاوتة.

تسريبات وظروف خاصّة

فقدت شهادة الباكالوريا في بعض دول العالم، شيئا من قيمتها وهيبتها بسبب ارتفاع نسب النجاح وبسبب عدم كفايتها لاقتحام سوق الشغل في مئات الاختصاصات التي تستوجب شهائد جامعية، أغلبها أصبحت دون قيمة تذكر خلال السنوات الأخيرة.


في باكالوريا 2021، بلغت نسبة النجاح العامّة 44.30 بالمائة، كما تحصّل عدد من التلاميذ على معدّلات قياسية بلغت 20 من 20 لدى التلميذة مرام المرزوقي عن المعهد النموذجي بجندوبة.


فقدت الباكاوريا التونسية بعضا من قيمتها وفق ملاحظين، بسبب تراجع مستوى الدروس المقدمة للتلاميذ في البرامج الدراسية، كما أنّ الظّروف الّتي تدور فيها الامتحانات منذ 2011 تثير الجدل بشأن مصداقية المناظرة، باعتبار تفشي الوباء وكثرة الاحتجاجات والظروف السياسية والاقتصادية الصّعبة.

يذكر أنّ اختبارات الباكالوريا دارت في أكثر من مرة على وقع فضائح التسريبات، ففي سنة 2012 أعيد اختبار مادة العربية لشعبة الآداب بعد التفطن إلى تسريب ورقة الامتحان ليلة اجتياز الاختبار إضافة إلى امتحان التّاريخ والجغرافيا.

مراجعة المنظومة

بات من المؤكّد أن المنظومة التربوية في تونس تستوجب إعادة النظر في إطار شامل وعميق حتى تسترجع مكانتها المعهودة.


كذلك، تحتاج منظومة الباكالوريا لوحدها في تونس مراجعة جذرية تخلّصها من الفضائح التي لاحقتها في السنوات الأخيرة وخاصّة إبعادها عن التجاذبات وعدم تركها وسيلة للدّعاية السياسيّة.