ولو تغيّر الفاعلون واختلفت الوجهات والفضاءات والتفاصيل، يبقى السيناريو هو نفسه: أعوان عموميون يستغلّون مناصبهم و فضاءات عملهم لتهريب بضائع مختلفة من وإلى تونس، في ظل تراخ مريب من إداراتهم ووزارتهم. هذا الملف بات يشهد نسقا متصاعدا بحرا وبرا وجوا، على متن مختلف الناقلات العمومية من سفن وطائرات وحافلات.

موقع  JDD TUNISIE يشرع في تسليط الضوء على عمليات التهريب على متن ناقلات الشركة التونسية للملاحة والخطوط الجوية التونسية والشركة الوطنية للنقل بين المدن، ابتداء من هذا المقال الذي يكشف تفاصيل ضلوع أعوان بحريين عموميين في التهريب البحري العابر للبلدان، على مرأى من إدارتهم.

دخان مهرّب وسلع مقلّدة

الشركة التونسية للملاحة هي ناقل بحري عمومي، يختص في تأمين سفرات دورية نحو أوروبا لتأمين رحلات بحرية للمسافرين نحو وجهات مثل جنوة الإيطالية أو مرسيليا الفرنسية، بالإضافة إلى نقل البضائع.

تعد الشركة التونسية للملاحة “واحدة من أول شركات النقل البحري العاملة في البحر الأبيض المتوسط لديها نظام خاص لإدارة السلامة وحماية البيئة معتمد وفقا للوائح البحرية الدولية كما أنها حاصلة على شهادة السلامة الدولية وشهادة سلامة السفن ومرافق الموانئ وشهادة أنظمة إدارة الجودة..” هذا التعريف المستفيض للشركة العمومية، المتوفر على موقعها الإلكتروني، يبدو أنه في حاجة إلى المراجعة، نظرا لتواتر عمليات تهريب البضائع على متن سفنها، بإقرار من التفقدية العامة بوزارة النقل واللوجستيك التي أكدت عدم احترامها لإجراءات الأمن والسلامة.

هذه الملاحظة وردت في تقرير رقابي منجز في 2017، حصل موقع JDD TUNISIE على نسخة منه، إثر مطلب نفاذ إلى المعلومة.

في 29 نوفمبر 2017، وبعد أن رست السفينة قرطاج بميناء مرسيليا، يقتحم ما يزيد عن 40 ديوانيا فرنسيا الناقلة التونسية وبعد تفتيش دقيق، تعثر الديوانة الفرنسية على 140 خرطوشة سجائر و20 كغ من مادة المعسّل بغرف أعوان بحريين، فضلا عن التفطّن إلى وجود سلع مقلّدة الصنع على ذمة شركة خاصة متعاقدة مع الشركة التونسية للملاحة وتتمثل السلع في 131 قطعة من ساعات يدوية وأحزمة وأقلام.

باخرة قرطاج في إحدى رحلاتها البحرية

وبعد إيقاف ربان السفينة ﻷكثر من أربع ساعات وحجز السلع المهربّة وغير الأصلية اضطرّت سفينة قرطاج إلى دفع خطية مالية قدرها 21 ألف يورو، بين 10 آلاف أورو بالنسبة للسجائر المهربة و11 ألف أورو بالنسبة للسلع المقلّدة العائدة بالنظر للشركة الخاصة.

تهاون وتقصير

وبعد اطلاع التفقدية العامة للنقل على مختلف الحيثيات والوثائق المتصلة بحادثة مرسيليا، خلصت إلى جملة من الملاحظات منها:

  • تقصير الشركة التونسية للملاحة في إيلاء عمليات التهريب الأهمية التي تستحقها ما أدى إلى تفاقمها وتكررها على متن سفن الركاب والبضائع على حد السواء.
  • تهاون الإدارة العامة للشركة في ردع الأعوان المتعودين على تكرار نفس المخالفات بإرجاعهم إلى العمل.
  • توجيه تعليمات لربابنة السفن بالسماح للبحريين المخالفين بالصعود على متن البواخر رغم خطورة ما اقترفوه على أمن وسلامة السفن.
  • تهاون الإطارات البحرية في إعلام الشركة بالعديد من المحاضر المحررة ضدها، وخلاص الخطايا مباشرة من قبل الربابنة والأعوان البحريين.
  • تكرار ضبط عمليات التهريب سواء كان بميناء مرسيليا أو جنوة أثر سلبا على سمعة الشركة العمومية، وأصبحت مصنفة كـ”مجهز ذا خطورة”
  • أدى تكرار عمليات التهريب على متن السفن التونسية إلى تعسف السلطات الفرنسية وسوء معاملتها لبعض الأعوان، مع تحميل مسؤولية تجاوزات مقترفة من قبل الشركة الخاصة صاحبة السلع المقلدة، للناقلة التونسية.
  • عدم تناسب العقوبات المسلطة على الأعوان المخالفين مع جسامة ما اقترفوه والذي اعتبره فريق التفقد جنحة موجبة للعقاب حسب المجلة التاديبية والجزائية البحرية.

يذكر أن مجلس التأديب بالشركة التونسية للملاحة قد اقترح معاقبة ثلاث بحريين متهمين بتهريب السجائر بالطرد بمدة تراوحت بين 15 و60 يوما

سجائر مهرّبة تم حجزها بميناء حلق الوادي في 2019

سوابق في التهريب

سفن الناقل العمومي شهدت أيضا ما لا يقل عن 4 عمليات تهريب للسجائر في 2017 فقط، وفق تأكيد التقرير الرقابي وقبل ذلك بأربعة أشهر، تفطنت الديوانة التونسية إلى محاولة عدد من الأعوان تهريب 65 خرطوشة سجائر من نوع ROYALE BUSINESS على متن باخرة تانيت.

كما انتبهت الديوانة الإيطالية لضلوع عون بحري في تهريب كمية من السجائر على متن إحدى سفن الشركة في 2011، ليتم الحكم عليه غيابيا بالسجن لسنتين وشهرين وغرامة مالية بـ 211 ألف أورو.

واقترح الفريق الرقابي دعوة الشركة التونسية للملاحة إلى تشديد أقصى العقوبات الإدارية والجزائية على الأعوان الضالعين في التهريب ودعوة طواقم السفن بالتصريح بأغراضهم الشخصية عند دخول وخروج السفن للموانئ التونسية والأجنبية واتخاذ الإجراءات الضرورية لتحميل الشركة الخاصة المسؤولية لتهاونها في التوفير الحيني للوثائق المثبتة لمصدر  البضائع والحرص على استرجاع المبالغ المدفوعة عوضا عنها.

كما اقترح الفريق الرقابي تبليغ الجانب الفرنسي استياء السلطات التونسية من الإجراءات التعسفية التي تم اتخاذها ضد طواقم السفن التونسية.

موقع JDD TUNISIE التقى بمدير عام الشركة التونسية للملاحة عماد زميط، لاستفساره عن سبب إصرار بعض أعوان الشركة على استغلال عملهم للتهريب وعن مآل كل العمليات التي تم التفطن إليها والإجراءات التي اتخذتها إدارته لإيقاف هذه الجرائم، فخير مراسلته بمختلف الأسئلة ثم تحديد موعد للإجابة عنها وبعد مرور أكثر من عشرين يوما من مراسلته، لم نوفق في التواصل مع المدير العام رغم اتصالنا به مرارا.

هكذا إذن يحكم التهريب قبضته على واحدة من أبرز المؤسسات العمومية العابرة للحدود، ما يسيء لها كناقل بحري ويمس من سمعة تونس، في انتظار تحرّك أكثر من الوزارة لوضع حد لهذه الجرائم المنظمة العابرة للبلدان.