تستورد تونس ما لا يقل عن 27 مبيدا كيمياويا عالي السميّة وممنوعا دوليا. هذه المبيدات فائقة الخطورة من شأنها التسبّب في أمراض خطيرة والقضاء على التنوع البيولوجي والإسهام في التغييرات المناخية.
وتشهد هذه المبيدات استعمالا مكثّفا من قبل الفلاحين في العديد من الزراعات سواء كانت أشجارا مثمرة أو خضروات.
إفراط غير محسوب في المبيدات
المبيد هو أيّ مادةٍ أو خليط من المواد الكيميائية أو البيولوجية المعدّة لمكافحة الأمراض والفطريات التي تصيب النباتات. كما يتم استغلال بعضها لمساعدة النباتات على النمو. هذا التعريف معتمد من قبل مدونة السلوك العالمية المنظّمة لإستعمال المبيدات.
من مجموع 215، مبيد حشري تستوردها تونس، يوجد 27 مبيدا شديد الخطورة يعرف اختصارا بـ HHPs ، قادمة من شركات عالمية خاصة منها الأوروبية ومتوفرة لدى حوالي 500 موزّع للمواد الفلاحية بمختلف أنحاد البلاد، وذلك وفق تأكيد عضو جمعية التربية البيئية للأجيال القادمة ابتسام الحجري لـ JDD.
يلجأ الفلاح التونسي للعديد من المبيدات الكيمياوية للتخلّص من الأمراض والفطريات وللتسريع في نمو النباتات. إذ باتت لا تخلو زراعات مثل الطمام والفراولو والفلفل والفول والقرع والأشجار المثمرة كالتفاح والإجاص والخوخ والقوارص والزيتون والعنب والبطيخ والمشمش من مثل تلك المبيدات.
يقول علي بن منصور، مزارع بمدينة سيدي بوزيد لـ JDD:” لقد أصبحت المبيدات الكيمياوية، عنصرا لا مناص من استعماله في زراعة الأشجار المثمرة والخضروات.”
ويضيف:” قبل حوالي ثلاثين سنة، كانت منتوجاتنا الزراعية بيولوجية وذات مردودية عالية، أما اليوم فنحن ننفق أموالا طائلة على المواد الكيميائية المحفّزة للنمو أو المبيدة للطفيليات. والسبب الأول في نظري هو رداءة البذور التي نستوردها.”
بينما يعلّق الجمعي بن السيد، تاجر للمنتوجات الزراعية، قائلا:” ما لمسته خلال عملي وتعاملي المباشر مع العديد من الفلاحين، أن هناك استعمالا مفرطا لهذه المبيدات من أجل التسريع في نضج العديد من الثمار. فلا غرابة أن تكون ثمارا مثل الخوخ أو البطيخ عبارة عن صورة جميلة بلا رائحة ولا مذاق ولا حتى فائدة.
تمسح الأراضي المخصصة للنشاط الزراعي 10 مليون هكتار. وتساهم المنتوجات الزراعية ب11بالمائة من الناتج الداخلي الخام. كما يشغل هذا القطاع 25 بالمائة من اليد العاملة.
توريد متاح ومعلومات محجوبة
تنشط 32 شركة خاصة في مجال استيراد وتوزيع المبيدات الكيمياوية في تونس. ويتم الاستيراد خصيصا من الإتحاد الأوروبي.
وتعمل أغلب دول العالم على النشر الدوري لكل المعطيات والبيانات المتعلقة بالكميات المستوردة وأسماء المبيدات ومكوناتها.
في تونس يحفّ هذا النشاط تعتيما كبيرا. في هذا السياق تقول عضو جمعية التربية البيئية للأجيال القادمة ابتسام الحجري لـ JDD: “عدم تحيين وزارة الفلاحة لموقعها الرسمي وشح المعطيات المتوفرة، يدفعنا كجمعية للبحث في مواقع الكترونية عالمية للاطلاع على قائمة المبيدات المستورة. فبتنا نستقي المعلومة من مواقع أجنبية ولا نجدها في تونس.
وقد سبق لهذه الجمعية البيئية أن نشرت تقريرا مفصلا عن أنواع المبيدات المستوردة وأنواع المخاطر المصاحبة لاستعمالها منذ 2020.
في انتظار تحرك السلطات
أسباب تواصل استيراد هذه المواد الكيمياوية فائقة السمية رغم حظرها على المستوى المحلي في دول الاتحاد الأوروبي، تصفها سامية غربي رئيس جمعية التربية البيئية للأجيال القادمة بالشائكة والمعقدة.
يفترض على السلطات التونسية أن تتحرك لمنع هذه المواد الكيمياوية ذات السمية العالية، لكنها تصطدم بقوانين منظمة التجارة العالمية التي تنص على ضرورة توفر تبرير علمي على خطورتها.
في هذا الإطار تؤكد رئيس الجمعية لـ JDD أن تونس لم تقدم على هذه الخطوة رغم توفر الخبرات البشرية القادرة على القيام بالتحاليل والدراسات لإثبات مخاطر هذه المبيدات ولم تعمل على سن قانون يمنع استعمالها.
وتضيف: رئيس الجمعية:” مواصلة توريد مثل هذه المبيدات هو مس من السيادة الوطنية واستباحة لصحة التونسيين لا يجب السكوت عليه، مادام الاتحاد الأروربي يعتمد سياسة المكيالين في تعامله مع هذا الملف.”
فقد عملت دول الاتحاد الأوروبي على منع استعمال مثل هذه المبيدات في النشاط الزراعي. ورغم ذلك واصلت الشركات الاوروبية في تصنيعها وتصديرها للعديد من الدول مثل تونس والجزائر والمغرب.
على المستوى العالمي كانت منظمة الصحة العالمية واضحة في تقديرها لسمية العديد من المبيدات منذ 2015، وذلك بتنصيص خبرائها على تسبب إستخدام المواد الكيمياوية عالية الخطورة في أمراض سرطانية.
والخطير في هذه المبيدات أنها قد تتسرّب إلى الهواء و الماء والتربة فضلا عن انعكاسها المباشر على المزارعين والمستهلكين. فلا غرابة أن تتسبب في أمراض تنفسية وجلدية وأورام خطيرة.
هكذا يبقى ملف المبيدات المستوردة عالية السمية، مؤجل الحسم في انتظار تحرك السلطات التونسية للتعامل معه بالجدية اللازمة حفاظا على الأمن الصحي للتونسيين وحفظا للسيادة الوطنية من شركات لا يهمها سوى الربح والاثراء السريع ولو على حساب صحة المستهلك وسلامة التنوع البيئي.