خلال الندوة الصحفية لوزير الصحة فوزي المهدي التي انعقدت حول تطور الوضع الوبائي ومستجدات حملة التلقيح ضد فيروس كورونا تم عرض رسوم بيانية تتعلق بالتوزيع الجغرافي لعدد الملقحين في الجهات ونشرها فيما بعد على الصفحة الرسمية لوزارة الصحة على الفيسبوك ومن المفارقات أن هذه الرسوم تفيد بأن عدد المواطنين الذين تلقوا التلاقيح إلى حدود 31 من مارس المنقضي يتمركزون بالأساس في المناطق الساحلية في حين أن عدد الملقحين يتضاءل في الجنوب وفي المناطق الداخلية أمر يطرح عديد التسؤلات حول مدى تجذر المنظومة القديمة التي طالما ميزت بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية.
الجهويات منظومة ثار ضدها التونسيين
لسنوات مضت عانت تونس من تهميش سكان المناطق الداخلية ورغم مرور 10 سنوات على الثورة ما زالت هذه المناطق معقلا للمحتجين ومحطة انطلاق التظاهرات المطالبة بالتنمية والداعية لتوفير الأرض والماء والمنادية بوقف نزيف البطالة والتلوث.
ويصر سكان هذه المناطق على تحيز الدولة لصالح المناطق الساحلية على حساب المناطق الداخلية والحدودية عن طريق فتح المشاريع الكبرى والاستثمارات الهامة بها.. الأمر الذي دفع لاشتعال فتيلة ثورة الكرامة في 14 جانفي 2011.
الجهويات تتسلل لوزارة الصحة
أكد الخبراء أن الخروج من أزمة كوفيد 19 واكتساب مناعة القطيع رهينة تلقيح 60 بالمئة من الشعب التونسي بما معناه أن القضاء على وباء كورونا لا يكون إلا جماعيا.
وفي تونس تفيد المعطيات أن عدد الملقحين يتمركز في مناطق دون الأخرى ورأينا في الفترة الأخيرة أن عملية التطعيم ضد الفيروس لم تتم وفق الأولويات التي وضعتها وزارة الصحة وهم كبار السن فوق 75 سنة والأطقم الطبية، لكن وقعت تجاوزات على إثر تلقي مضيفة طيران وناشطة على الانستغرام للتلقيح ضد الفيروس.
مديرة الرعاية الصحية أحلام قزارة فندت لـ “JDD” ما يروج حول توجه وزارة الصحة للمناطق الساحلية بالتلقيح على حساب المناطق الداخلية حيث قالت إن قد تم فتح 25 مركز تلقيح يتوزعون على كامل ولايات الجمهورية دون استثناء وتم إحداث مركزين بجربة.
قزازة فسرت الأمر بأن عدد المسجلين بالمناطق الداخلية أقل بكثير من المناطق الساحلية إضافة إلى كون المناطق الساحلية هي المناطق الأكثر كثافة سكانية فمن المتوقع أن يكون عدد المسجلين والملحقين أعلى من البقية كما أكدت أحلام قزارة أن الأسبوعين الماضيين تم التركيز على تلقيح أعوان الصحة في المستشفيات التي أغلبها موجود في المناطق الساحلية الأمر الذي لا تتحمل مسؤليته وزارة الصحة.
موروث المنظومات السابقة
موروث المنظومات التي سبقت يبدو أن مداه ما زال متواصلا فإلى اليوم لم يتخذ قرار سياسي يقضي بكسرها والالتفات للمناطق المحرومة عن طريق التنمية وإنشاء مستشفيات مجهزة.
التفاوت في أسرة الإنعاش وطاقة الاستعاب للحالات الحرجة يختلف بين الولايات فمثلا في ولاية سليانة وسوسة طاقة الاستيعاب وعدد أسرة الإنعاش فيهما أكبر بكثير من مستشفى ولاية القيروان وسيدي بوزيد وهو ما يفسر تقهقر المنظومة الصحية في تونس، فقط للتذكير بالنسبة لتوزيع عدد أسرة الإنعاش بمعدل 3 أسرة لكل 100 ألف ساكن نجد صفر في كل من جندوبة الكاف قصرين سيدي بوزيد توزر قبلي تطاوين مدنين قابس القيروان وسليانة في المقابل نجد 184 في العاصمة 46 في سوسة 31 المنستير 14 المهدية 30 صفاقس 12 نابل.
تدعيات التهميش لا تنعكس فقط على الصحة بل تتجاوزه فمثلا معدلات البطالة الإقليمية في تونس في سنة 2016 بلغت 25 بالمئة في المقابل نجد نسبة البطالة في الوسط الشرقي لتونس في حدود 10 بالمئة من نفس السنة وفي الشمال وتونس الكبرى في حدود 13 بالمئة.
لنتساءل في الأخير هل أن المواطن التونسي في المناطق الساحلية لديه نفس الحقوق مع المواطن التونسي الذي ينحدر من بقية الولايات؟.
سارة القايدي