أثار تكريم صانعة المحتوى التونسية المعروفة باسم “لايدي سمارا” في معرض الآداب والكتاب بالعاصمة جدلا واسعا وتساؤلات حول الأسباب التي جعلت إدارة المعرض تكرم المدونة التي تُتهم بطرح مواضيع سطحية عبر صفحتها الخاصة بموقع أنساتغرام، الجدل الكبير يعود سببه إلى استغراب مستخدمي فيسبوك من ضوابط استعمال صانعي المحتوى والمؤثرين في نشر الثقافة.
هذه الحادثة دفعتنا للتفكير في ماهية المثقف، من هو المثقف؟ وما هي أدواره؟ وهل يمكن إسناد صفة مثقف لـ”لايدي سمارا” مثلا؟
المثقف العضوي ورأس المال
دلالة المصطلح شاسعة وواسعة خاصة بعد ازدياد عدد أدعياء الثقافة بوضع حملة الشهادات العلمية وكثيري الظهور الإعلامي والفني في سلّة من نسميهم “المثقفين”، الباحث رضا كارم، يقول لـ”JDD” إنه إذا فهمنا المثقف فهما لغويا، فهو إنسان حامل لثقافة عامة مهيمنة في مرحلة تاريخية محددة وهي ليست الثقافة الشعبية العمومية.
من زاوية نظر غرامشي، فإن التعريف مغاير لما سبق ذكره، فهو الإنسان الذي يتصل بآمال الجماهير ويعارض منطوق السلطة وتوجهاتها، ولذلك يسمى مثقفا عضويا أي مثقفا عضوا منتميا إلى حالة شعبية وليس متعاليا عليها، من جهة أو معاديا لها ومنتصرا بالمقابل إلى ثقافة رأس المال من جهة ثانية.
فطبيعة المثقف العضوي تكون مستمدة أولًا من النواحي التقنية للوظائف الإنتاجية الأساسية، ثم يشارك هذا المثقف في المساعدة لتطوير وبناء نمط معين، خاص بالطبقة التي ينتمي إليها، وبالتالي فالمثقف العضوي، هو المثقف الذي ينتمي إلى طبقته ويمنحها وعيًا بمهامها، ويصوغ تصوراتها النظرية عن العالم، ويفرضه على الطبقات الأخرى من خلال “الهيمنة”، ويدافع عن مصالحها، ويقوم بالوظائف التنظيمية، والأداتية لضمان تقسيم العمل الاجتماعي داخل الطبقة من ثم استمرارها.
من جهته، يعتبر أستاذ الفلسفة بالجامعة التونسية محمد محجوب لـ”JDD”، أنّ المثقف هو الشخص الذي يفكّر استراتسجيا ويستشرف الأفق الذي يصبح فيه للفعل معنى ولا يطالب بملكيته أي اتجاه سياسي أو أيديولوجي.
وأضاف محجوب أنه لا يوافق التعريف الذي يربط المثقف بمهام مباشرة في حين أنه تعبير عن حاجيات غير مباشرة لأن ما يفكر فيه المثقف أفق بعيد، وفق قوله.
“مثقفة السوق”
من هذا المنطلق فسرّ الباحث رضا كارم، أن “لايدي سمارا” منتمية ظاهريا للثقافة الشعبية وتتصل بالناس أي بالعامة من الناس وليست أكاديمية مثلا وبالتالي فهي “مثقفة السوق”، بمثابة بضاعة ترويجية، وهي فكرة أو ابتكار لفكرة متسوقة مع بضاعة كمسحوق التجميل أو اللباس، وبالتالي لا يمكن تصنيفها مثقفة بمعنى غرامشي، بل مثقفة بالمعنى الأول، بتعريف السلطة باعتبارها سلطة رأس المال.
وتابع كارم أنّ المثقف لا يغير الواقع سواء كان مثقفا عضويا أو مثقف سلطة أو مثقف شعبيا هامشيا، مثلا مغني الراب أو الفن الشعبي، مضيفا أن التغيير ليس مهمة النخبة أو القيادات ، بل هو عمل جماعي وإلا لا يكون “تغييرا جماعيا” بل ويصبح تغيير “النخبة لمصالح النخبة”.
وقال إن لب الموضوع يكمن في ماهية دورنا نحن كمجتمع؟ وما هي حدود وعينا؟ ولماذا نحتاج مثقفا؟