كشف التحوير الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي عن عمق الخلافات بين رأسي السلطة في تونس، بين رئيس جمهورية ساع للبحث عن صلاحيات لم يخولها له الدستور وبين رئيس حكومة يبحث عن حزام سياسي داعم له يمنحه البقاء والاستمرار في منصبه لأكثر وقت ممكن. ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه البلاد جملة من التحركات الاحتجاجية نتيجة تأخر الإصلاحات وعجز الحكومات المتعاقبة عن تحقيق شعار الثورة التونسية (شغل، وكرامة)، وزادت حدة الوضع الصحي الذي تشهده البلاد نتيجة تفشي فيروس كورونا من توتر الوضع العام بالبلاد، وهو ما ينذر باحتمال حل البرلمان وإسقاط حكومة هشام المشيشي.

بداية الأزمة

قرر رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي يحظى بشعبية واسعة، خوض معركته السياسية على مرأى ومسمع من الجميع عندما صرح بأنه “لم يكن على علم بالتعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة، ووصل إلى حد تحفظه على بعضهم بحجة أنه تتعلق بهم شبهات تضارب مصالح.

وأجرى المشيشي تعديلا وزاريا شمل 11 حقيبة من أصل 25، مشيرا الى أنّ الحاجة إلى الانسجام الحكومي اقتضى هذا التعديل لمواصلة العمل بتفان في الفترة المقبلة، وأن حكومته تنتظرها تحديات على جميع الأصعدة خاصة الاقتصادية والاجتماعية.

ولم يتولَ الوزراء الجدد مناصبهم بعد، لإنه لم يتم دعوتهم بعد إلى أداء اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، وهو ما يعتبر تعطيلا لسير دواليب الدولة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى العمل الجاد من أجل إيجاد مخرج للوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب.

الحل سياسي بالأساس

ويقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، إن البلاد تعيش على وقع تجاذبات سياسية بين الرئاسة والحكومة ومجلس نواب الشغل وعليهم تغليب مصلحة البلاد على كل الحسابات، مشيرا أنه يجب اللجوء إلى الحل السياسيى كوسيلة للخروج من هذه الأزمة عن طريق حوار وطني يجمع كل الأطياف بما فيها الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف.

يذكر أن اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الجمهورية بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل لم يشر إلى أي وساطة من أجل حل المأزق الدستوري، وأكد المكتب التنفيذي للمنظمة العمالية على وجوب احترام الدستور دون سواه من الفتاوى حسب نص البيان.

وحول التصريحات التي أدلى بها مستشار لراشد الغنوشي بمجلس نواب الشعب (رفض الكشف عن اسمه) المتعلقة بإمكانية إنشاء حكومة مصغرة لتفادي أزمة “اليمين الدستورية”، قال الجورشي إن ذلك غير ممكن في الوقت الحالي, ويبقى الحل الوحيد هو استقالة أو إقالة الوزراء الأربعة الذين تتعلق بهم شبهات تضارب مصالح.

وقال مستشار الغنوشي، إنه يجري التداول أيضا حول إمكانية سحب الثقة من حكومة التكنوقراط الحالية وتقديم مرشح آخر من الحزب الفائز في البرلمان من أجل تكوين حكومة سياسية، أو اللجوء إلى نظرية “الإجراءات المستحيلة” والتي تعني مباشرة الوزراء الجدد المقترحين لمهامهم دون الحصول على اليمين الدستورية.

لا تراجع عن المبادئ

ويواصل سعيد رفضه المطلق لهذا التحوير الوزاري، قائلا في تصريحه الأخير  “مستعدون لكل الحلول، ولكن لست مستعدا على الإطلاق أن أتراجع عن المبادئ”. وتابع “تعهدت أمام ربّي وأمام شعبي أن أكون في خدمته ولكن لن أكون في خدمة أي كان من هؤلاء الذين يريدون الإطاحة بالدولة”.

ولم يصرح الرئيس نصا إنه يرفض أداء الوزراء الجدد لليمين الدستورية لكنه لم يوجه لهم الدعوة حتى اليوم، ويأتي هذا التصريح في وقت تشهد فيه البلاد وضعا اقتصاديا واجتماعيا صعبا دفع بالشباب التونسي إلى الخروج مجددا إلى الشارع للمطالبة بإسقاط الحكومة وحل البرلمان.

وينص الدستور التونسي في فصله الـ 89، على أنه في حال نيل أي حكومة الثقة من البرلمان، فإنها تُعرض على رئيس الجمهورية ليدعوها لتأدية اليمين الدستورية أمامه في قصر الرئاسة ولم يتم التطرق في هذا الفصل بشأن التعديلات الوزارية, وهو ما خلّف عدة تأويلات، حيث قال استاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك في تدوينة له على صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك “سينتهي الأمر بدفع المشّيشي إلى الخروج فليس هناك بعد الآن مجال ممكن للتعايش بينه وبين رئيس الجمهورية والأمر يتجاوز الأزمة الحالية ليلقي بظلاله على تسيير الدولة برمّتها”وتابع “فالمنظومة الدستورية تقتضي الحدّ الأدنى من التنسيق بين الرجلين لتسيير البلاد ومؤسساتها وسياساتها الداخلية والخارجية والأمنية والدفاعية. وفي هذه الحالة يجب أن يخرج أحدهما ولن يكون رئيس الجمهورية لاستحالة الأمر سياسيا ودستوريا”.

من جهته قال رئيس الحكومة إن ” أداء الوزراء الجدد لليمين الدستورية مسألة وقت مؤكدا أن “هناك صلاحيات دستورية واضحة ومسار دستوري واضح” مشددا على ضرورة التركيز على ما يهم التونسيين، لأن الوضع الاقتصادي والصحي صعب، وتونس لن تستمر بوزارات وزراؤها لم يباشروا مهامهم.