اعتبر أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني، أنّه لا يمكن حلّ الأزمة الحاليّة، المتعلّقة بأداء اليمين الدستورية، باعتماد الآراء الفقهية والفتاوى أو بتدخل الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستورية القوانين واصفا إياها بـ”غير مختصّة”.
وأضاف أنّ رفض استقبال الوزراء الجدد من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد لأداء اليمين يمكن حله من خلال نظرية الإجراء المستحيل، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتماده في رفض تسمية الوزراء الذين حصلوا على ثقة مجلس نواب الشعب، مؤكّدا أنه بعيدا عن القانون لا يمكن إجبار سعيّد على تسمية هؤلاء الوزراء.
وأوضح أستاذ القانون الدستوري أنه لا يمكن الفصل بين مسألة دستورية رفض رئيس الجمهورية تسمية الوزراء واستقبالهم لأداء اليمين ودستورية تمرير التحوير الوزاري أمام البرلمان للحصول على ثقته، مشيرا إلى أنّ سعيّد يعتبر موقف الرفض للتحوير “إجراءات مضادة” على خلفية عدم دستورية عرض التحوير على التصويت وبالتالي عدم دستورية الفصل 144 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب.
وشدّد اللغماني على أنّ القراءات المختلفة المتعلّقة بالتحوير الوزاري لا تعود إلى نص الدستور بل إلى صمته في هذه المسألة، فهو لم يتطرّق إلى مسألة التعديل الحكومي بشكل واضح، مرجحا أن تكون هذه الثغرة مقصودة وفُرضت بسبب غياب التوافقات.
وينص دستور 2014 في فصله الـ 89 على تفاصيل منح الثقة للحكومة أو سحبها منها أو من أحد أعضائها من قبل البرلمان حسب الفصل الـ 97، كما ينصّ على أنّه لرئيس الحكومة كامل الصلاحيات في إقالة وزير أو أكثر وبالتالي حقّة في اختيار الوزراء الجدد لكن الدستور لم يتحدث في أي جزء منه عن مرور هذا التحوير أمام البرلمان للحصول على ثقته، حسب سليم اللغماني.
وينصّ الفصل 144 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب في الفقرتين الثانية والسادسة على أن كل تحوير وزاري يجب أن يمر بالمجلس التشريعي حتى يمنح ثقته لكل وزير مقترح على حدة بأغلبية الأصوات، وبالتالي يبقى السؤال المطروح: هل أنّ النظام الداخلي جاء لسد ثعرات الدستور أو لانتهاكه؟
وتابع أستاذ القانون الدستوي أنّ الإجابة على هذا السؤال تختلف حسب المعنى المُسند للتصويت على منح الثقة، تحديدا هل تمنح الثقة للحكومة في مجملها أو لأعضائها؟
وفسر اللغماني أنّه إذا تعلّق الأمر برئيس الحكومة ومختلف أعضاء الفريق الحكومي فإن منح الثقة مفروض حتى في حالة التعديل الجزئي لكن في هذه الحالة يجب أن يكون التصويت الأولي لفائدة الحكومة على كل عضو وليس جماعيا في حين أنّ الفصل 143 من النظام الداخلي للبرلمان ينص على أن التصويت لفائدة الحكومة يكون مرة واحدة لفائدة الرئيس وجميع الأعضاء.
وأوضح أنه في حالة منح الثقة للحكومة من أجل تنفيذ برنامجها، ففي حالة عدم تغيّر هذا البرنامج يكون التصويت على منح الثقة غير ضروري باعتبار أنه لرئيس الحكومة صلاحيات اختيار الشخصيات التي ستنفذ هذا البرنامج، لكن الفقرة الخامسة من الفصل 89 من الدستور تنص على أن “تعرض الحكومة موجز برنامج عملها على مجلس نواب الشعب لنيل ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائه” وبهذا المعنى تُمنح الثقة لفائدة البرنامج الحكومي وكلّ تغيير جزئي على الفريق لا يخضع لهذا الإجراء وبذلك يكون الفصل 144 من النظام الداخلي للبرلمان غير دستوري.
وتحدّث اللغماني عن احتمال ثالث باعتبار الفصل 144 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب تحوّل إلى عرف دستوري نتيجة للمارسة المطبقة مشيرا إلى أن رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصّيد كان استعمل هذا الفصل في التحوير الوزاري الذي أعلن عنه بتاريخ 6 جانفي 2016 والذي حصل على ثقة البرلمان بتاريخ 11 جانفي 2016 إلى جانب خلفه يوسف الشاهد الذي حصل تحوير وزاري أقرّه على ثقة البرلمان يوم 12 نوفمبر 2018.
واقترح اللغماني، أنه في غياب حلّ سياسي للأزمة، ينبغي أن يبرم كلّ من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية اتفاق تحكيم على غرار ما تعمل بعد الدول، حيث يرشح كل طرف 5 أسماء وإذا وجد في القائمتين الاسم ذاته يكون الحكم الوحيد وإذا اتفقا على اسمين يجتمعان بدورهما لاختيار الحكم أمّا إذا اتفقت القائمتان في ثلاثة أسماء فيختارون فيما بينهم رئيسا.
وتابع أنّه إذا لم يتفق رأسا السلطة التنفيذية على أي اسم فسيقع الاختيار على أول اسمين من القائمتين ويختاران بدورهما الحكم، مشيرا إلى أن هذه العملية لن تتطلب أكثر من يومين إذا قبل الطرفان بمبدأ التحكيم.
وأضاف أنه سيكون على رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية تقديم وجهتي نظرهما إلى هيئة التحكيم في عضون 3 أيام من الاتفاق حولها لتعلن عن قرارها بعد 3 أيام من تاريخ تسلّم المقترحين.
وأوضح أنه إذا أثبتت هيئة التحكيم عدم دستورية الفصل 144 من النظام الداخلي للبرلمان ورفض أداء اليمين الدستورية فسيكون على رئيس الحكومة التراجع عن التعديل الوزاري وإذا ثبت العكس فسيكون رئيس الجمهورية ملزما في اليوم الموالي باستقبال الوزراء لأداء اليمين وتسميتهم.