لا حديث اليوم في الشارع التونسي إلا عن حملة الاعتقالات التي شنتها الوحدات الأمنية على عدد من الناشطين بالمجتمع المدني الذين خرجوا للاحتجاج على ما وصلت إليه البلاد من وضع اقتصادي وسياسي وصحي واجتماعي صعب. وقوبلت هذه الاحتجاجات بتدخل أمني مزج بين الرد بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع وبين محاولة ضبط النفس.

ويتخوف الشارع التونسي من عودة دولة البوليس التي جثمت على صدور التونسيين لمدة 23 سنة كاملة ذاق فيها الشعب الويلات والظلم، فيما يطالب شق آخر من المواطنين والسياسين بضرورة ضبط النفس والتحلي بالعقلانية من طرف المحتجين والأمنيين.

وشهدت تونس العاصمة وعدة مناطق بالجمهورية تحركات احتجاجية تنادي بإسقاط الحكومة وتغيير ما وصفوه بالمنظومة الفاسدة وإعادة تصحيح مسار الثورة وتحقيق أهدافها التي حادت عن طريقها بعد مرور 10 سنوات.

طريقة التعاطي الأمني بعد انحسار موجة الاحتجاجات وإلقاء القبض على عدد من الناشطين دفعت منظمات حقوقية وجمعيات للتدخل خوفا من فقدان هامش الحرية وهو المكسب الوحيد الذي ضمنه التونسيون من بعد ثورة 2011.

رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمال مسلم أكد أن قوات الأمن أوقفت 1680 شخصا، منذ بدء الاحتجاجات الشعبية بالبلاد التي انطلقت في 18 جانفي الماضي، مضيفا أنه تم رصد تعرض موقوفين لـ”التعنيف لفظيا وماديا” و”التهديد”، معبرا عن استيائه لما اعتبره “استهدافا للحريات العامة والفردية ومن اعتداء على القانون والدستور من طرف بعض رجال الأمن”.

وعبر الاتحاد العام التونسي للشغل عن إدانته لهذه الاعتقالات التي اعتبرها انتهاكا لحقّ التعبير وللحرمة الشخصية للمواطنات والمواطنين مطالبا بإطلاق سراح المعتقلين، وجدّد الاتحاد تحذيره من تصاعد موجات التعدّي على الحرّيات معتبرا ذلك انتهاكا للدستور وتخطيطا ممنهجا للعودة إلى مربّع الاستبداد ومحاولة للتغطية على الفشل السياسي للائتلاف الحاكم وهروبا من مواجهة الأزمة السياسية الحادة.


من جهته أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد أن “الحريات مضمونة في البلاد، ولا وجود لعلاقة عدائية بين رجال الأمن والمواطنين”، معربا عن ثقته بوعي الشعب التونسي ومشددا على ضرورة تحقيق مطالبه في إطار التعايش السلمي بين السلطة والحرية ولا وجود لأحد فوق القانون، وكانت وزارة الداخلية أعلنت سابقا توقيف 632 شخصا بتهمة “الشغب” خلال الاحتجاجات الأخيرة.

وسيتم اليوم تنفيذ مسيرة احتجاجية كبرى بمناسبة ذكرى اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد، للتنديد بسياسات الحكومة، وللمطالبة بحلّ البرلمان وطرد الطبقة الحاكمة، ومحاسبة المتورطين في اغتيال بلعيد، وإطلاق سراح الموقوفين في الاحتجاجات وذلك بدعوة من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.

وعبر الاتحاد الوطني للمرأة التونسية السبت، عن رفضه القاطع لكل أعمال التخريب الممنهجة وحرصه على سلمية التحركات الاحتجاجية والاحترام المتبادل بين المحتجين وقوات الأمن الجمهوري وعن استنكاره الشديد لتعنيف المحتجين والاستعمال المفرط للقوة وحالات الإيقاف العشوائية.


وشددت المنظمة في بيان لها على تضامنها المطلق مع المطالب المشروعة للمحتجين المنادية بالحق في التنمية والتشغيل والعدالة الاجتماعية الرافضة لكل أشكال التهميش الاقتصادي والاجتماعي و”خوفها الشديد” مما وصفته بـ “عودة السلوكات والممارسات القمعية وسياسة الترهيب وتكميم الأفواه ومصادرة الحق في التعبير والاختلاف وقبول الرأي المخالف وحرية التنظم، وهي مكاسب تكاد تكون الوحيدة بعد الثورة”.

وقالت عضو لجنة المتابعة وخلية الأزمة داخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نورس دوزي، إن الوحدات الأمنية نفذت اعتقالات عشوائية من يوم 14 جانفي إلى يوم 21 جانفي وقد بلغت 1680 موقوف، وأضافت ان رئيس الحكومة الحالي عبارة عن “بن علي” صغير ويحاول أن يحكم بيد من حديد، وتابعت ” نحن نحارب في البرلمان والنقابات الأمنية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية تعمل على تهميش المواطنين”.

وترى دوزي أن النقابات الأمنية حادت عن دورها الأساسي وهو الدفاع عن منتسبيها في علاقة بظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، مشيرة أن هناك نقابيين أصبحوا برتبة أئمة يكفرون ويححللون ويجب محاسبة الجميع في حدود خرقهم للقانون.

وكانت النقابات الأمنية قد دعت في بيان مشترك الإثنين الفارط الرئاسات الثلاث إلى عقد جلسة استماع طارئة في إطار مجلس الأمن القومي قبل تاريخ 6 فيفري الجاري، معبرة عن إدانتها للانتهاكات الحاصلة في حق أبنائها كما حمّلت المسؤولية القانونية للأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات التي دعت إلى التحرك يوم 30 جانفي الماضي.

وشرعت النقابات الأمنية في تنظيم وقفات احتجاجية ومسيرات في عديد الجهات، تنديدا بما اعتبره الأمنيون “اعتداء صارخا على كرامة الأمنيين خلال هذه الاحتجاجات الشبابية التي شهدتها العاصمة نهاية الأسبوع الماضي”.