بقلم:نزار الجليدي *
أقّل من أسبوعين يفصل الناخبون الفرنسيون عن الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها بعد حلّ الرئيس الفرنسي الجمعية الوطنية بسبب خسارة أحزاب الائتلاف الحاكم الانتخابات الرئاسية الأوروبية وفوز اليمين المتطرف بها ما مثّل صدمة للسياسيين في فرنسا و للقوى الديمقراطية مقابل ما يعتبرونها قوى التشدّد و التي بدأت في الزحف على أوروبّا و ستكون لنتائج الانتخابات الفرنسية حاسمة في مستقبل هذ التمدّد أو معاودة انكماشها الذي ميزها لعقود.حتّى أنّ الاعلام الفرنسي لم يعد يجد حرجا في استعمال مصطلح اليمين المتطرّف بدل مصطلح اقصى اليمين.
فوز أم انتصار ؟
ممّا لاشكّ فيه ان اليمين المتطرّف في فرنسا لم ينتصر يوما ولم يجرّب الحكم لكنه كل مرة يحقّق فوزا مهمّا لايرتقي لدرجة الانتصار الساحق وهو مايريد تجنبه الرئيس ماكرون حينما برّر حلّه للجمعية الوطنية بالقول “لا أريد أن أعطي المفاتيح لليمين المتطرف في عام 2027”. .من هنا يظهر جليّا أن تخطيط أحزاب الائتلاف الرئاسي هو انهاك اليمين المتطرف بالحكم فيما تبقى من العهدة الرئاسية من خلال تقديم انتصار مسموم خلال الانتخابات المزمع اجراؤها و التي ستفضي بالضرورة اذا ما حدث الى تسليم الحكومة لاحد رموز الأحزاب اليمينية التي ستشارك في الانتخابات وأهمها حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة جوردان بارديلا المرشح الأبرز لأن يكون رئيس الوزراء ليتعايش و يشاكس ماكرون الذي يراهن على فشله في حل مشاكل الفرنسيين و تحقيق تطلعاتهم .و بالتالي فشل اليمين المتطرف في اول تجربة حكم حقيقية وهو ما سيعيد مصالحو الفرنسيين مع الأحزاب الديمقراطية و حزب النهضة الذي ينتمي اليه.
أمّا في حالة عدم انتصار اليمين المتطرف يهذه الانتخابات فسيكون ذاك ما يتمناه.فهو يراهن على أنّ يستغل الانتصار كما الهزيمة وهو خطأ سيدفع ماكرون وحزبه و الأحزاب القريبة منه باهضا لانّ التركيز على هذا الدهاء السياسي دون غيره ودون برامج جدية و حقيقة لاستعادة ثقة الفرنسيين سيجعل من اليمين المتطرّف يكتسح الانتخابات التشريعية و الرئاسية في 2027 .مستغلا في ذلك التضامن الشعبي الواسع وفشل الائتلاف الرئاسي الحالي في الإيفاء بوعوده الانتخابية في ظل توالد الازمات في البلاد وبلوغ مستوى الاحتجاجات مستوى غير مسبوق .
وهو ما أكده بارديلا حينما دعا الرئيس ماكرون إلى تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة. وقال: “الفوز الذي حققه حزبنا يترجم إرادة الفرنسيين الراسخة في التغيير وبناء طريق جديد نحو المستقبل”. وهو ما استجاب له الرئيس بعد أقل من ساعة من هذا الطلب،
مضيفا أنّ اليمين المتطرف يريد تغيير مسار الاتحاد الأوروبي. و التحكّم في ملف الهجرة .مؤكّدا أنّ الفرنسيين عبروا عن رفضهم التام لماكرون ولنظامه وتعلقهم بفرنسا وبهويتها وتاريخها وأمنها.
أمّا الجملة المفتاح فيما يخطط له اليمين المتطرف وهي جملة انتخابية بالأساس فقال فيها” انتهت حقبة تاريخية وبدأت حقبة جديدة معنا. أدعو جميع الفرنسيين إلى الانضمام إلينا والعمل معنا من أجل المستقبل.”
رقعة الشطرنج الانتخابي
منذ لحظة الإعلان عن تاريخ الانتخابات التشريعية بدأت الأحزاب الفرنسية في الاستعداد لها عبر تحالفات ثلاث على الأقل وهي تحالف أحزاب الائتلاف الرئاسي بقيادة حزب النهضة وتحالف أحزاب “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” الذي يضم عدة أحزاب من اليسار وأقصى اليسار، كحركة “فرنسا الأبية” بقيادة جان لوك ميلنشون، والحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وحزب البيئة، .و تحالف أحزاب اليمين المتطرف و الذي انضمّ له رئيس إيريك سيوتي “الجمهوريون” وهو ما شكّل صدمة للحزب الذي سارع بعزله وطرده لكن هذا يترجم رغبة فكر ديمقراطي فرنسي من الاستفادة بالتقرّب الى هذا التيار المتطرّف لاعتقادهم بأنه سيكون شعار المرحلة المقبلة في الخارطة السياسية و الاجتماعية الفرنسية .
ويمكن تلخيص هذه التحالفات في:
*بين اليمين واليمين المتطرف.
- بين الوسط والحزب الرئاسي
*تحالف موسع يسارا في إطار “جبهة شعبية” في وجه اليمين المتطرف.
أمّا الرئيس الفرنسي الرئيس الشرفي لحزب النهضة فنزل بثقله و بمنصبه الاعتباري كرئيس للجمهورية بثقله وكان أول من افتتح الحملة الانتخابية بدعوته الساسة المعتدلين من اليسار واليمين، ، إلى لمّ شملهم والحاق هزيمة باليمين المتطرف .كما دعا الرجال والنساء و عموم الناخبين الى قول “لا” للمتطرفين.
وانتقد الرئيس الفرنسي التحالفات الحزبية من اليمين و اليسار معتبرا إياها تحالفات غير طبيعية على أقصى الجانبين،متهما ايّاهم بأنه ليس لديهم ما يتفقون عليه سوى تشارك الوظائف، ولن يتمكنوا من تطبيق أي برنامج.
وفي الجهة المقابلة تعمل زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان منافسته في دورتين انتخابيتين رئاسيتين على إحكام القبضة على اليمين، في جهود لترجمة الانتصار الأوروبي إلى انتصار وطني، والاقتراب أكثر من السيطرة على الحكم و بالتالي الفوز بحلمها الذي تطارده منذ سنوات وهو رئاسة فرنسا.
انتخابات اللاّخاسر و اللاّرابح
انتخابات 30جوان في فرنسا ولئن تترجم الوضع السياسي المتأزم و المشهد الحزبي المنهك الاّ أن نتائجها لن تكون حاسمة بالنسبة للفرنسيين الذين يبدو أنهم ملّوا السياسة و الخطب ويريدون إنجازات حقيقة تعيد لبلدهم مكانته الاعتبارية التي تضرر كثيرا في السنوات الأخيرة .ومم سينتخبون كل من يعيد فرنسا قائدا و ليست تابعا.
غير أنّ قراءة معمقة في الواقع السياسي و حجم التحالفات تؤكّد أن أحزاب اليمين المتطرف ستفوز في الانتخابات لكنها لن تنتصر انتصارا يتماشى و فلسفتها ويترجم كل أفكارها.
و بالتالي فالمشهد السياسي لن يتغيّر كثيرا باعتقادي و ستكون انتخابات اللاّخاسر و اللاّرابح.
لكنها ستدقّ مسمارا جديدا في في نعش القوى الديمقراطية بفرنسا وأوروبّا.
* كاتب ومحلل سياسي مقيم بباريس