بقلم الأستاذ ابراهيم بلغيث
أمام إبراز مساوئ الديمقراطية التمثيلية من خلال الممارسة طيلة فترة الانتقال الديمقراطي وشيطنتها إعلاميا وجد الخطاب الشعبوي طريقه الى فئة من الشعب التونسي لا زالت تتابع وتهتم بالشأن العام بما يفسر وجود من يناصر القطع مع الديمقراطية و اعتبارها خطرا حالا وجاثما استدعى الرجوع الى ديكتاتورية الفرد مغلفة بمشروع ضبابي حول البناء القاعدي أو القطع مع مساوئ الديمقراطية التمثيلية على افتراض ان التجربة الديمقراطية لم تنقطع و تعلق الامر بتصحيح مسار ثوري وان كانت اغلبية من ساندوا الانقلاب على المسار الديمقراطي يوم25 جويلية فعلوا نكاية في معاوية لا حبا في علي او طمعا في تموقع امتيازي في النظام الجديد او سرعان ما نكص بعضهم على اعقابهم ليعلنوا انفصالهم سواء التام او الجزئي باختلاق تفرقة بين مساندة قيس سعيد و مساندة مسار25 جويلية تؤكد من جهة على استمرار تمسكهم بنصيبهم من “الكعكة” وتوفر من جهة أخرى ممر امن للتخلص من مسؤولية وخطورة ما يقوم به قيس سعيد عندما ينهار نظامه ودون الاضطرار الى مواجهته اليوم .
حرص النظام الجديد مجسدا في شخص الرئيس قيس سعيد على تقديم تصور جديد يعكس محور بناءه النظري والأيديولوجي ان كان يمكن اعتبار ذلك نسق أيديولوجي. كانت إرادة الشعب حجر الزاوية في خطاب قيس سعيد نظريا وهي أساس سلطته المطلقة الواقعية و القانونية و التي تجاوزت الاستثناء مع خرق الفصل 80 من دستور 2014 و استبداد الامر 117/2021 وصولا الى دستور 2022 الذي كرس رئيس الجمهورية لكن بالتوازي مع ذلك كان لزاما على المؤسس قيس سعيد ان يكون له مؤسسات حتى صورية على الشاكلة التي احتواها دستوره بما يرفع الحرج على شركائه من الحكومات الغربية خاصة دول الاتحاد الأوروبي التي لا بد لها من صورة دولة مؤسسات لتمرير دعمها وتعاملها معه امام بقية مؤسسات الاتحاد و الراي العام لتلك الدول و على المستوى الداخلي لا يمكنه مواصلة ادعاء سيادة إرادة الشعب دون مؤسسات وانتخابات حتى وان جردها من صلاحيات تقريرية او ضيق من هامش تلكم الصلاحيات بالتحكم في نوعية المنتخبين و إبقاء تلك المجالس تحت السيطرة و من ضمن تلك التقنيات قدم قيس سعيد مؤسسة سحب الوكالة كترياق لاستبداد المجالس و زبونيتها و فسادها .
سحب الوكالة او سحب الوكالة الشعبي [1]هو الية تمكن الناخبين من مسائلة المنتخبين لا فقط بالحوار و المطالبة بل تصل الى حد انهاء مهامهم او عزلهم كموكلين قبل انتهاء مدة وكالتهم مع التحفظ حول مصطلح عزل لأنه اقرب الى قانون الشغل او الوظيفة العمومية في حين ان تأصيل مؤسسة العزل يعود الى المفهوم التعاقدي للدولة لكن في تصور القانون المدني أي ان شخص المنتخب هو وكيل و الناخب هو اصيل او موكل يمكنه انهاء مهمة موكله او نائبه على ان المقارنة تقف عند مبدا انهاء المهمة لان شروط ذلك تختلف بين القانون العام والخاص وقد لخص ماكس عالم الاجتماع ماكس فيبر أساس سحب الوكالة في نقده لوكالة النائب المطلقة التي ينتخب فيها الناخب سيدا لا خادما و الية سحب الوكالة هي تعبيرلسيادة للناخب لا للنائب .
نظرا لازمات ونواقص الديمقراطية التمثيلية التجا الى اليات تعديلية فيها ومنها نظرية سحب الوكالة التي اعيد الاهتمام بها رغم انها ليست تقنية جديدة ويمكن تأصيلها حتى من عهد الديمقراطية اليونانية القديمة مرورا بروما القديمة وقد اهتم جون جاك روسو مثلا الذي أصل في معرض نقد اطلاقية الديمقراطية التمثيلية بمناسبة نقده لوكالة البرلمانيين الانجليز الى حد تشبيه الناخبين بعبيد المنتخبين بعد انتخابهم الى حد انتهاء المدة الانتخابية [2] كما نجد صدى للفكرة لدى كارل ماركس وقد تبنت عديد الأنظمة على اختلافها مبدا سحب الوكالة الشعبية من ذلك إقرار اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لتلك الالية في 1917 بمبادرة من لينين وان لم تفعل قط .
توجد عديد الأنظمة القانونية اليوم التي تعتمد آلية السحب الشعبي للوكالة[3] كأحد اليات الديمقراطية نصف المباشرة او الديمقراطية التشاركية خاصة بالقارة الامريكية على غرار الارجنتين و بيليز و بوليفيا و مقاطعة كولومبيا البريطانية بكندا و كولومبيا و كوستا ريكا و الاكواتور و 38 ولاية أمريكية من الولايات المتحدة سواء على مستوى الولاية او المحليات و بنما ب يرو وفينزويلا و نجد بالقارة الأوروبية 6 مقاطعات من المانيا الاتحادية [4] و النمسا وبيلاروسا وكرواسيا و ايزلاندا و ليتوانيا و لينشينستاين و مولدوفيا وبولونيا ورومانيا و المملكة المتحدة وسلوفاكيا و 6 كانتونات في سويسرا [5] وأوكرانيا و بالقارة الاسيوية كوريا الجنوبية و الفيدرالية الروسية و اليابان وقرغيزستان و مينمار و الفليبين وتاويوان اما بافريقيا فلا نجد الا اثيوبيا و غينيا و ليبريا و كينيا و اوغندا ونيجريا و أخيرا باقيانوسيا نجد كيرباتي و باولوس و وتوفالو .
تختلف طبعا الأنظمة القانونية فيما بينها في حدود وشروط و إجراءات و نزاعات ممارسة حق انهاء وكالة المنتخبين من قبل الناخبين قبل انتهاء المدة النيابية و في ذلك الاختلاف ترجمة لمختلف السياقات و التصورات و الأهداف التي اقرت بموجبها الالية او الاليات التي يمكن تصنيفها في خانة سحب الوكالة و التي يمكن تبسيطها للحد الأدنى في فكرة ان الانتخاب ليس إمضاءا على بياض للمنتخب
بل يمكن مجابهة تعنت المنتخب و حياده عن عقد الوكالة بسحبها من قبل الأصيل و لا يخلوا سحب الوكالة طبعا من مساوئ سواء على مستوى عام او على مستوى تفصيلي بحسب النظام القانوني الذي ينظمه في كل بلد و يمكن الإشارة الى بعض المساوئ كعدم الاستقرار المؤسساتي خاصة ان كان السحب يهم خطط هامة في النظام السياسي كرئيس الجمهورية او الحكومة او حتى النواب في صورة استسهال و تكرر الممارسة كما تشجع الالية على نوع من الشعبوية و الزبونة في علاقة المنتخب بناخبيه بما قد يضر المصلحة العامة التي تقتضي أحيانا إجراءات او قوانين مؤلمة للناخبين لكن ضرورية للدولة و طبعا سيغلب على الأرجح النواب او غيرهم من المنتخبين الخلاص الفردي او المصلحة الحزبية المجزية انتخابيا على المصلحة العامة المكلفة يذلك المعيار خاصة ان الخصوم لن يتوانوا في توظيف ذلك وهو ما يعيق الإرادة السياسية في الدول التي يقتضي حسن ادارتها و استقلالها و توطيد دولة القانون والمؤسسات فيها الى خيارات صعبة و غير شعبية فالآلية التي يفترض ان تحصن السلط في الدولة وخاصة التي يمثلها منتخبون قد تصبح سببا في فقدان تلك السلط حصانتها و تحول الزبونة او الفساد بين الأحزاب و سائر دوائر النفوذ والمصالح الى زبونة او فساد بين المنختبين و ناخبيهم[6] علاوة على التصور و التخطيط قصير المدى الذي سينجر عن بحث المنتخبين عن إنجازات قد تبعد عنهم شبح السحب وهو ما لا يتطابق بالضرورة مع الصالح العام ويغلب الاتصالي على المهام النيابية .
كما ان التعسف في استعمال الالية قد يشل الدولة او المجالس و يعطل او يصعب إيجاد الاغلبيات المشترطة لبعض القرارات و يحد من هامش التوافق بين مختلف المنتخبين او كتلهم من ذوي الانتماءات الأيديولوجية المختلفة وما يتطلبه ذلك من تنازلات و التي ليست دائما او بطبيعتها مخالفة للمصلحة العامة خاصة امام مستجدات واقعية غير مألوفة وقد تسائل بعض الفقهاء ان كان سحب الوكالة سلاح سياسي لمنهزمين سيئين ( في الانتخابات ) ام وسيلة مسائلة ( للناخبين )[7]
دون مزيد من نقد الية سحب الوكالة التي وان كانت حدا للديمقراطية التمثيلية الا انها ضمانة ووسيلة لتحسين أدائها وبالتالي تكريسها لا نفيها الا ان ذلك طبعا يختلف حسب كل نظام قانوني أي التصور والإخراج الذي يتبناه المشرعون لتلك الالية.
يتجه قبل التخلص الى التجربة الجديدة في تونس الالماع ان سحب الوكالة الشعبي لم يكن يوما مكرسا صراحة بالقانون التونسي ولم يثر حقيقة نقاشا حوله أدى الى اقراره ولو جزئيا و ربما يرجع ذلك الى تأثير المشرع و التجربة الفرنسية على النظام السياسي في تونس و بالتالي على القانون عامة و لم تعرف فرنسا تكريسا فعليا للفكرة رغم تداولها منذ الثورة الفرنسية ولو ان الموضوع اعيد طرحه بمناسبة انتفاضة ما يعرف بأصحاب السترات الصفراء و قد طرحه المرشح جون لوك ميلانشان في مشروعه الانتخابي و قدمت كتلته البرلمانية مشروع لتكريس الية سحب الوكالة لم يعتمد[8] .
دون سابق جدل قانوني او مجتمعي وضع قيس سعيد باعتباره محرر دستوره المعتمد بموجب استفتاء ونصوص قامت على خرق حقوق الانسان امرت المحكمة الافريقية لحقوق الانسان و الشعوب بإلغائها [9] , الية سحب الوكالة الشعبية وان كان السياق المجتمعي والسياسي عموما متناغما مع ذلك الاسقاط نظرا لازمة الثقة التي افرزتها الممارسة الشكلية و الغير مسؤولة و المنعدمة النجاعة الاقتصادية و الاجتماعية للديمقراطية التمثيلية لفترة ما بعد 2011 فيما يعرف بتجربة الانتقال الديمقراطي ولكون الية السحب الية تشاركية تقلص من النخبوية في الممارسة السياسية وهو ما يخدم الخطاب الشعبوي بامتياز .
أعلن دستور قيس سعيد على الية سحب الوكالة او على الأقل أساسها النظري منذ الديباجة التي ورد فيها تأكيد على تأسيس ” لديمقراطية حقيقية ” تقوم لا فقط على “تمكين المواطن من حق اختيار الحر ” بل وكذلك “مسائلة من اختاره ” ثم ورد بالفصل 61 فقرة ثانية في باب الوظيفة التنفيذية:” وكالة النّائب قابلة للسّحب وفق الشّروط التي يحدّدها القانون الانتخابيّ. ” فيما لم تنص الفصول من 81 الى 87 المخصصة لمجلس الجهات والاقاليم على تلك الالية لأعضائه كما لم يشر الفصل 133 المخصص لجماعات المحلية والجهوية لتلك الالية والامر بالمثل لإجراءات ما قبل سحب الوكالة كاختصاص لهيئة الانتخابات التي يكرسها الفصل 134من ذلك النص.
على مستوى النصوص لا نجد أي أثر لاختصاص هيئة الانتخابات في تنظيم سحب الوكالة[10] في القانون الأساسي عدد23 لسنة 2012 حتى بعد تنقيحه بموجب المرسوم الرئاسي عدد 22 لسنة 2022 الذي استولى بموجبه رئيس الجمهورية على الهيئة وأعدم استقلاليتها ولعل مرجع ذلك ان المسالة لم تحسم في ذهن رئيس الجمهورية بعد. يجب انتظار المرسوم عدد 55لسنة2022 المنقح للقانون الأساسي عدد16 لسنة 2014 حول الانتخابات و الاستفتاء في سبتمبر 2022 ليظهر مصطلح سحب الوكالة كأحد حالات الشغور النهائي لنائب في مجلس النواب صلب الفصل 34 كما خصص الفرع الثامن من القسم الأول لسحب الوكالة من نواب مجلس النواب من الفصل 39 الى الفصل 39 سابعا و لم ترد أي إشارة فيما يخص رئيس الجمهورية وبالنسبة للمجالس البلدية والجهوية أحال الفصل 49 خامس عشر في ما يخص حالات الشغور النهائي الى الفصول 98و 163و هي فصول تعنى بالقواعد المحاسبية يللحملة الانتخابية و تمويلها الا ان المرسوم الرئاسي عدد10 لسنة 2023 بتاريخ 08مارس 2023 اقر سحب الوكالة لتلك المجالس مخالفا و معدلا الدستور علما وان ذلك المرسوم الرئاسي صدر بعد مباشرة مجلس نواب الشعب في خرق لاختصاص لان موضوعه لا يمكن ان يأخذ الا شكل قانون أساسي بصريح الفصل 75 من الدستور و بالرغم ان تضارب النصوص يرجع في الغالب الى تعدد مصادرها الا ان الدستور وتلك المراسيم محررها واحد وهو رئيس الجمهورية بما يشخصن اضطراب تلك النصوص وقد يعزى ذلك الى تردد ذلك الأخير وقراره الاحق بتوسعة سحب الوكالة الى بقية المجالس المنتخبة في سبتمبر 2022.
واخير تجدر الإشارة الى صدور قرار هيئة الانتخابات عدد281 لسنة 2024 المتعلق بضبط شروط وإجراءات سحب الوكالة.
ككل جديد يبقى سحب الوكالة كبدعة محل نقاش و لان ليس كل بدعة ضلالة في القانون يتجه طرح مدى جدية الالية او استجابتها لمتطلبات اصلاح نظام قانوني و سياسي يتفق الجميع على اغلب عناصر تشخيصه او قصوره على الأقل فهل يتعلق الامر بحل قانوني يعيد الثقة في الديمقراطية التمثيلية ويرسم حدودا جديدة لعلاقة الناخب بالمنتخب ام هي مجرد ارنب اخرجها الساحر من قبعته للإيهام بحل سحري نجاعته مضمونة شعبويا و قد لا نتخفى وراء موضوعية زائفة او منهجية لاعلان راينا ان الامر لا يخرج عن طبخة حصى كما طرح في العنوان من سؤال استنكاري يقينا و ذلك لا يعني طبعا اسقاط او تسرع مجرد بل ان الوقوف عند الإشكاليات المؤسساتية ونطاق اعمال المبدا ( جزء اول ) قبل التعرض لصورية تطبيقه من خلال النظام القانوني لآلية سحب الوكالة (جزء ثان) بما يؤكد ان ليس بالقدر ما يؤكل .
I / الإشكاليات المؤسساتية و نطاق اعمال المبدأ :
اقتصار التحليل في النصوص المؤطرة للنظام القانوني لسحب الوكالة قد يهم التناول التطبيقي التقني في مفهومه الضيق لكنه سيكون قاصرا على تشكيل راي اجمالي على التجربة الجديدة فضلا عن ان تقييم النصوص القانونية بصفة شاملة لا يجب ان يتجاهل السياق ويقصد به الواقع المؤسساتي في علاقة مع مسالة سحب الوكالة (1) ونطاق اعمال المبدأ (2)
1/ الواقع المؤسساتي
نظريا هيئة الانتخابات (1.1) والقضاء هما المؤسستان المعنيتان (2.1) أساسا بتأطير الية سحب الوكالة وواقعهما القانوني من حيث الشرعية والاستقلالية هي من اهم الضمانات الماقبلية لممارسة سليمة ونزيهة لحق سحب الوكالة الا انه فالفقرتان تؤديان الى مؤسسة أخرى محورية ومركزية في النظام الدستوري والسياسي الجديد وهو رئيس الجمهورية وفي جميع النصوص التي سنتناولها خرق هذا الأخير دستور 2014 و استند الى الامر117/2021 الملغى بقرار قضائي دولي كما اعتدى على مبدا علوية القانون وهرمية نصوصه اذا يعدل الدستور او قانون أساسي او قانون او مرسوم رئاسي بامر رئاسي ادنى منهم رتبة فضلا عن خرق الاتفاقيات الدولية بما لا يبقي لدولة القانون أي معنى وان كان الشكل موافقا للمضمون من حيث انخرام توازن السلط وتكريس هيمنة الشخص بعيد عن أي بعد مؤسساتي او مبدا المسائلة في سياق حقوقي يتميز بالردة عن كل الإنجازات السابقة لـ25 جويلية 2021 بل وحتى ما قبل 2011 و تضييقيات قمعية على الممارسة السياسية و الممارسة الصحفية و الحقوقية و حرية الراي التعبير[11].
.11/ هيئة الانتخابات هيئة الرئيس
لا يخلو تصور وتنظيم هيئة الانتخابات اثناء فترة الانتقال الديمقراطي من اختلالات ونقائص لكن كان في مجمله يوفر هامشا معقولا للاستقلالية يسمح بتوفير ظروف تتجاوز الحدود الدنيا لشروط تنظيم انتخابات على قدر من الشفافية والنزاهة كما اقر بذلك القضاء والمجتمع المدني التونسي والدولي منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وقد عرفت المادة تطورا تشريعا بصدور خاصة القانون الأساسي عدد23 لسنة 2012 والقانون عدد16 لسنة 2014 حول الانتخابات والاستفتاء.
الا انه وبعد التغيير الغير الدستوري للسلط بعد25 جويلية 2021 اتخذ قيس سعيد نصوصا ارجعت هيئة الانتخابات الى مربع الهيئة الغير المستقلة الخاضعة للسلطة التنفيذية التي انفرد بها رئيس الجمهورية بها. طبعا من النافل التذكير ان الخطاب الذي وجهه الرئيس قيس سعيد للشعب على معنى الفصل 80من دستور 2011 لا يذكر ضمن الإجراءات الاستثنائية تغييرا في الهيئة المستقلة للانتخابات او القانون الانتخابي.
لن يكون من العسير استنتاج الاتجاه الذي نحاه قيس سعيد في تعديله لنصوص القانون الانتخابي اذ حاول فرض سلطته المطلقة على هيئة الانتخابات معتديا بذلك على حق كل تونسي في المشاركة في الشؤون العامة لبلده وسيادة الشعب على معنى الدستور والاتفاقيات الدولية [12] ونتعرض تباعا لاهم النصوص الصادرة في المجال بعد 25 جويلية 2021:
صدر بتاريخ 21 افريل 2022 المرسوم الرئاسي عدد22لسنة 2022 المتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي عدد23 لسنة 2012 المؤرخ في 20ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا للانتخابات وقد ابدت لجنة البندقية رايا استشاريا في المرسوم 22/2022 بتاريخ 27 ماي 2022 وانتهت الى مخالفة المرسوم المذكور بصفة صارخة للفصول 125 و126 من الدستور[13] فكان رد قيس سعيد الأستاذ المساعد في القانون العام ان اعلن اللجنة واعضائها اشخاص غير مرغوب في تواجدهم في تونس. غير المرسوم عدد أعضاء الهيئة [14] ومدتهم النيابية [15] كما اصبح رئيس الجمهورية هو من يعينهم[16] و تقدم اليه الترشيحات[17] كما يعين رئيس الهيئة [18] وله سلطة اعفاء الأعضاء [19] علما انه اقصى من التركيبة المهن الحرة بالفصل 5 و الاساتذة الجامعيين والمختصين في المالية العمومية و المختصين في الاتصالات و اقتصر العضوية على قضاة مباشرين ومتقاعدين يختارهم رئيس الجمهورية و اذا ما اعتبرنا حجم تدخل رئيس الجمهورية في القضاء بإصداره المرسوم عدد12 لسنة 2022 وخاصة المرسوم عدد35 لسنة 2022 و الذي منح رئيس الجمهورية فيه نفسه صلاحية اعفاء القضاة دون أي مسار تأديبي سابق او احترام لمبدا المواجهة يتبين ان اقتصار عضوية الهيئة الانتخابية على القضاة هو طريقة أخرى لوضع يد رئيس الجمهورية على تلك الهيئة .بما يعني ان رئيس الجمهورية اضحى خصما وحكما في الانتخابات و الاستفتاءات عامة والانتخابات الرئاسية خاصة بانفراده بتعيين أعضاء الهيئة الانتخابية بدون أي معيار موضوعي او اختصاص قضائي للتظلم او الاحتجاج على تلك القرارات وهو ما يتعزز بخاصيتين جديدتين في تنظيم الهيئة حسب المرسوم 22/2022 أولها هي البحث عن اعفاء أعضاء الهيئة من أي مسائلة او محاسبة بمنحهم حصانة [20]تجعل من شبهة ضمان عدم مسائلتهم عن التزوير اكثر من جائزة و ثانيها هي تعزيز و محورية رئيس الهيئة وهمينته بما يضعف ديمقراطية القرار داخلها [21].
تطبيقا لما نقحه المرسوم 22/2022 صدر بتاريخ 09 ماي 2022 الامرعدد459 /2022 متعلقا بتسمية أعضاء هيئة الانتخابات من رئيس الجمهورية و وحيث لم يقم الأعضاء المعينون الجدد في الهيئة بالتصريح على مكاسبهم كما يقتضيه الفصل 11 من الدستور وهو شرط مباشرة و في غياب أي معيار موضوعي سابق الوضع لا مناص من اعتبار ان الهيئة المنصبة بموجب هذا الامر هي هيئة رئيس الجمهورية للانتخابات و لا علاقة لها لا بالاستقلالية و لا بكونها عليا اذا تخضع لسلطة رئيس الجمهورية دون أي ضوابط سابقة الوضع حتى من قبله هو ما يجعل الحديث عن معايير الاستقلالية و النزاهة بخصوص أي انتخابات او استفتاء تنظمه تلك الهيئة غير ذي موضوع قبل حتى الشروع في اعداد قائمة الناخبين و يزخر القانون الدولي المقارن بقرارات تهم استقلالية الهيئات او اللجان الانتخابية [22].
تأكدت نوايا التوظيف في تلك الاتجاهات بصدور المرسوم الرئاسي 34/2022 في 01 جوان 2022 و الذي نقح بموجبه القانون الأساسي عدد16 لسنة 2014 و الذي تدخل تنقيحات تفصيلية و إجرائية على القانون الأساسي المنظم للانتخابات و الاستفتاء و لم تشذ تلك التنقيحات عن الغايات المذكورة بالفقرة السابقة وفي نفس الاتجاه ورد المرسوم 55/2022 بتاريخ 15 سبتمبر 2022 وعلاوة على محافظته على الأهداف المذكورة فقد احتوى احكام تميزية تجاه أصحاب الجنسيات المزدوجة [23] وادخل الية سحب الوكالة رغم انها كانت تفتقد آنذاك الى سند دستوري يكرسها .
دون مزيد من التحليل للمراسيم والاوامر الصادرة عن قيس سعيد او حتى تطبيقها من قبل هيئته للانتخابات فالواضح موضوعيا انها ليست بالهيئة المستقلة، بل هي امتداد لهيمنة رئيس الجمهورية وصلاحياته الفرعونية الواردة بالأمر 117/2021 والتي كرسها دستوره لسنة 2022 و لم يحرم رئيس الجمهورية نفسه من اعفاء أعضاء الهيئة الذين اظهروا نقدا للهيئة او أدائها [24]
وهيمنة رئيس الجمهورية على الهيئة واستقلاليتها برز كذلك في التطبيق اذ ورد بالفقرة الفرعية 18مثلا بالفصل 3 للقانون الأساسي عدد23/2012 ان من مهام الهيئة:”إعداد تقرير سنوي حول نشاط الهيئة للسنة المنقضية وبرنامج عملها للسنة التي تليها يعرض على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وينشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وعلى الموقع الإلكتروني الخاص بالهيئة.” والحال ان تقديم ذلك التقرير لرئيس الجمهورية والحكومة وقتي الى حين تولي المجلس التشريعي لمهامه بصريح الفصل 5 من المرسوم 22/2022 الذي اقتضى ان التقرير السنوي للهيئة يقدم للجلسة العامة للمجلس التشريعي بمناسبة التصويت على الميزانية السنوية للهيئة وكذلك الامر بالنسبة للفقرة الفرعية 17 من ذات الفصل 3 فيما يخص التقارير المعدة عن كل انتخابات او استفتاء.
لكن رغم مباشرة المجلس النيابي لمهامه قدم رئيس الهيئة الانتخابية تقرير نشاط الهيئة وتقريرها المالي لسنة 2022 الى رئيس الجمهورية بتاريخ 24 فيفري 2024 و الحال انه كان يفترض انه يقع تطبيق ما جاء بالفصل 5 من المرسوم 22/2022 بما يعني ان رئيس الجمهورية لم يكتفي بخرق المعايير الوطنية والدستورية وحقوق الانسان بنصوصه التي وضعها شخصيا لإحكام سيطرته على القانون الانتخابي بل يخرق هو و رئيس الهيئة الذي عينه تلك النصوص وهو ما يؤكد فكرة صورية تلك الهيئة و الغياب المؤسساتي الفادح الذي يفقد كل ما يتعلق بالشأن الانتخابي أي ضمانة واي معنى على ان استعمار رئيس الجمهورية المؤسسات التي يفترض استقلاليتها عند هيئة الانتخابات بل امتد الى مؤسسة أخرى تعد ضمانة للحقوق خاصة في السياقات الانتخابية وهي القضاء.
2.1 القضاء تحت سيطرة رئيس الجمهورية
بعد التعرض لاستحالة الرقابة الماقبلة الموضوعية والشفافة و النزيهة للانتخابات ومن باب أولى و احرى سحب الوكالة من قبل هيئة الانتخابات التي فقدت استقلاليتها وعلوها لا تبدو مؤسسة الرقابة اللاحقة بأفضل حال .
في سياق فرض سيطرته القانونية والواقعية خرقا لدستور 2014 سواء بمقتضى الامر 117 /2021 او بدستور 2022 الذي كرس ما جاء بذلك الامر الرئاسي سعى قيس سعيد الى احكام السيطرة على القضاء الذي أصبح في دستوره وظيفة وهو ما يعكس تصوره الذي لا يمكن بحال ان يكون لجهة سلطة في الدولة الا لرئيس الجمهورية تحت مسمى إرادة الشعب .
اجهز قيس سعيد على المحاولات البطيئة و المتعثرة و غير الناجعة لتحول القضاء في تونس الى سلطة مستقلة و كان ان اعلن بمناسبة خطابة الموجه للشعب على معنى الفصل 80 من دستور 2014 عن توليه رئاسة النيابة العمومية ضمن الوسائل المتخذة صدا للخطر الداهم على معنى ذلك الفصل وان كان اعلن نيته منذ الدقيقة الأولى و تصوره للقضاء كجهاز لا كسلطة الا انه في اخر الامر عدل عن ذلك لأسباب مجهولة يرجح انها خارجية الا انه لم يقف عن حملات التهديد و الوعيد للقضاة الذين يجب عليهم حسبه ان يكونوا في موعد مع التاريخ بما يعني مشروعه و تعليمات منظومته.
أعاد الرئيس محاولته مرة ثانية لكن بواسطة مرسوم وهو المرسوم عدد 11/2022 بتاريخ 12/02/2022 [25]حول المجلس الأعلى للقضاء المؤقت تولى بمقتضاه حل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب وفق الدستور ليسمي مجلس مؤقت [26] و القانون الأساسي المنظم للمجلس الأعلى للقضاء عدد34/2016 الذي الغاه و أعاد تنظيمه بطريقة تسمح له بمراقبته و التحكم فيه متوسعا في سلطاته و صلاحياته الشاسعة لتشمل السلطة القضائية فقد حرم المرسوم المجلس الأعلى للقضاء من استقلاله المالي ومناقشة ميزانيته امام المجلس النيابي [27] كما قلص من مهامه [28] اذ سلبه السلطة الترتيبية في مجال عمله و صفة الضامن في استقلال القضاء و ابداء الراي الوجوبي[29] في النصوص ذات العلاقة بنشاطه و صلاحية اقتراح القوانين . ألغى قيس سعيد مبدا انتخاب أعضاء المجلس ليصبح الأعضاء اما بصفتهم او بتسمية منه .غير المرسوم كذلك تركيبة المجلس بإقصاء غير القضاة منه من محامين وعدول تنفيذ وأساتذة جامعيين و أقحم القضاة المتقاعدين الذين يسميهم رئيس الجمهورية وطبعا هو من يختارهم على أساس معايير فضفاضة [30] كما الغى حتى انتخاب رئيس المجلس الذي اصبح يتولاه رئيس محكمة التعقيب [31] .يتلقى رئيس الجمهورية كذلك بموجب مرسومه الترشحات ويتولى تسديد الشغورات [32] ويؤكد الرئيس هيمنته و اعتباره سلطة اعلى من المجلس القضائي بالزام ذلك الأخير بتقديم تقرير له عن نشاطه كل ثلاثة اشهر [33] والفصل يستعمل مصطلح ” يرفع تقرير ” وهو ما يتم من الجهة الأدنى للجهة الأعلى مرتبة على خلاف القانون الأساسي 34/2016 الذي يستعمل مصطلح ” يحيل التقرير السنوي “[34] . لم يقف قيس سعيد عند تعديل التركيبة و الصلاحيات بما يعزز احكام قبضته على المجلس بل تجاوز ذلك الى التدخل في اعماله اذ اصبح لرئيس الجمهورية صلاحيات من صميم اختصاص المجلس بما يعدم استقلاليته و استقلالية القضاة كذلك باعتبار ان تلك الصلاحيات تهم مسارهم المهني من ذلك اصبح لرئيس الجمهورية صلاحية طلب مراجعة التعيينات بالحركة السنوية القضائية[35] والامر كذلك بالنسبة لاقصاء رئيس المجلس من تلقي الشكايات التي انفرد بتلقيها وزير العدل[36] كما اصبح لرئيس الحكومة صلاحية طلب تعهيد المجلسين الإداري و المالي و تجدر الإشارة انه خلافا لدستور 2014 فان الوزراء بما فيهم رئيس الحكومة ليست لهم أي سلطة او صلاحيات تقريرية بل هم معاونين لرئيس الجمهورية وامتدادا له سواء بموجب الامر الرئاسي 117/2021 او بموجب دستور قيس سعيد لسنة 2022. رئيس الجمهورية بموجب مرسومه عدد11/2022 اصبح يتمتع كذلك بحق الاعتراض على ترشيحات التسميات او الترقية او نقلة القضاة[37] بناء على تقرير لوزير العدل او رئيس الحكومة وعلى المجلس في تلك الحالة وجوبا إعادة النظر في ما اعترض عليه رئيس الجمهورية وليس له التمسك بموقفه بل لا يملك الا الإذعان في اجل10 أيام يتولى رئيس الجمهورية عند الامتناع عن التعيين أو عدم الاستبدال أو السكوت التعيين في هذه الخطط القضائية السامية ممن تتوفر فيهم الشروط للخطة المعنية أي يقوم رئيس الجمهورية مقام المجلس الغير منصاع لرايه بكل بساطة وطبعا مع حالة انعدام الأمان الوظيفي و الاستقلالية يسود الخوف و لن يحتاج رئيس الجمهورية ممارسة تلك الصلاحيات لان أعضاء المجلس لا خيار لهم الا الإذعان بما يمكن رئيس الجمهورية من الرجوع الى سياسة العصا و الجزرة مع القضاء الذي يستعيد مرة أخرى صفة الجهاز لا السلطة او الوظيفة على معنى دستور قيس سعيد لسنة 2022 وهو ما يفسر الغاء المرسوم الرئاسي 11/2022 للقانون الاساسي34/2016 وإعادة احياء النصوص الأخرى القديمة التي اعتبرها نافذة حتى بعد ان الغاها القانون الأساسي المذكور [38] والامر يتعلق خاصة بالقانون عدد29 لسنة 1967 بما علل به قيس سعيد الرجوع الى ممارسات بائدة قطع معها القضاء التونسي على غرار الية الاعفاء[39] و النقل و التسميات في الخطط بموجب مذكرات عمل صادرة عن وزارة العدل.
رغم الاعتداءات السافرة التي مثلها المرسوم11/2022 على استقلالية القضاء والقضاة بما وئد المحاولات المتعثرة السابقة وان كانت حققت بعض الإنجازات لم يكتفي قيس سعيد بذلك ليقوم في 01 جوان 2022 بإصدار المرسوم 35/2022 منقحا للمرسوم 11/2022 الذي مثل ذروة تدخل السلطة التنفيذية مشخصنة في شخص الرئيس قيس سعيد في القضاء و القضاة ولم يحرم نفسه من ممارسة تلك الصلاحيات اذ تزامن المرسوم مع صدور امر بإعفاء عدد من القضاة بموجبه في نفس الرائد الرسمي اذ اقتضى ان لرئيس الجمهورية بناء على تقرير معلل من جهات ” مخولة ” حسب عبارة النص و ظلت مجهولة اعفاء أي قاضي بمجرد اصدار امر و وردت عبارات المرسوم فضفاضة لكي لا تبقي للقاضي المعفى أي حق دفاع من قبيل قاضي تعلق به ما من شانه ان يمس من سمعة القضاء او استقلاليته او حسن سيره” و لا تحترم إجراءات الاعفاء على معنى المرسوم35/2022 مبدا المواجهة او حق الدفاع او وجوب المرور بإجراءات مسبقة يمكن فيها المعني بالأمر من التمتع بتلك الحقوق بل انه حتى حق التقاضي و الحق في المحاكمة العادية للقاضي المعفي صودرت بموجب ذلك الامر اذ لا حق له في الالتجاء للمحاكم المختصة بإلغاء امر الاعفاء الا بعد صدور حكم جزائي بات وهو ما يعني بكل بساطة بعد سنوات يبقى فيها دول عمل علما ان الإحالة على المحاكم الجزائية الية و تبين في التطبيق انه لا توجد أي تتبعات تأديبية ولا جزائية لعدد من القضاة المعفيين بعد ان تعهد الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بطلب إيقاف تنفيذ منهم و لم تقدم لا وزارة العدل ولا رئاسة الجمهورية ما يفيد تلك التتبعات بما يفسر صدور عدد من قرارات إيقاف التنفيذ ظلت حبرا على ورق و امتنع قيس سعيد من الإذعان لها في حين تولت وزارة العدل حث النيابة على اثارة تتبعات جزائية ضد من لا تتبع جزائي ضده.
طبعا يتجاوز الامر انتهاك قيس سعيد للدستور الشرعي او حتى دستوره الذي حرره بنفسه لنفسه ومراسيمه وصلاحيات مجلسه الأعلى المؤقت للقضاء او حقوق مجموعة من القضاة ليخلق واقعا من الخوف بل الإرهاب مسلطا على القضاة المباشرين الذين لم ينفك الى اليوم من تنبيههم وتهديدهم بوجوب ان يمتثلوا والا يقفوا عائقا امام خروقات حقوق الانسان التي يبدو انه يراها ضرورية لتحقيق أهدافه.
واكتمل المشهد في التطبيق بإحالة القضاة على التأديب[40] لمجرد عدم مسايرة التتبعات الاستعراضية التي اصبح النظام يقدمها كإنجازات في شعبوية تتناقض و المبادئ العامة للقانون قبل نصوصه و اجراءاته و أصبحت مذكرات العمل و النقلة مطردة وتستهدف حتى من سبق و قدم خدمات للنظام وكان طيعا من القضاة طبعا يمكن كتابة مجلد على الخروقات التي ارتكبها ويرتكبها قيس سعيد ونظامه على القضاة والقضاة و المتقاضين لكن ما يهمنا في مقال الحال هو ان القضاء لا يمثل ضمانة او ملجأ او مسارا ناجعا لحماية الحقوق او التصدي لخرقها وهو ما لا يوفر مناخا يسمح بإقامة انتخابات نزيهة او مراقبة ناجزة لأعمال الإدارة او هيئة الانتخابات ومن باب اولى واحرى تأطير ممارسة سحب الوكالة قانونا و الحيلولة دون توظيفها على غرار القضاء نفسه .
2. نطاق اعمال مبدأ سحب الوكالة مبدا او استثناء
ان الانطلاق من الاسانيد النظرية لمبدا سحب الوكالة الشعبية كتأطير لممارسة الديمقراطية التمثيلية قد يؤدي الى الاعتقاد المنطقي بإعماله على جميع النيابات الانتخابية اين يفوض فيها الشعب او الناخبين للشخص منتخب صلاحيات تمثيلهم و ما يترتب عن ذلك من اختصاصات يضبطها الدستور او القانون الا انه بالرجوع الى تبني المبدأ من قبل قيس سعيد لن نجهد في الاستنتاج ان نطاق اعمال المبدأ لا يطال كل المنتخبين اذا ان سحب الوكالة من رئيس الجمهورية غير وارد (1.2) بل ان سحب الوكالة من كل المجالس المنتخبة يبدو قابلا للنقاش (2.2)
1.2 لا سحب لوكالة رئيس الجمهورية
اختلفت القوانين المقارنة في إطلاقية قابلية السحب الشعبي للوكالة على كل منتخب بما يجعل الانتخاب يقابله ضرورة قابلية السحب عملا بقاعدة توازي الشكليات وهو ما هو معمول به مثلا في ولايات كولورادوا ويسكنسون بالولايات المتحدة الامريكية [41] اين يمكن سحب وكالة أي منتخب شعبيا ” recall ” والامر بالمثل في الأكوادور اين يتوازى حق الانتخاب مع حق السحب لاي سلطة دستورية منتخبة [42] بينما اختارت أنظمة أخرى حصر الية السحب في فئة او فئات من المنتخبين دون فئات أخرى و يمكن على سبيل المثال الإشارة الى دستور المانيا في عهد جمهورية فايمار الذي كان يحصر حق سحب الوكالة الشعبي في رئيس الجمهورية[43] وكذلك نحى الدستور النمساوي [44]و الايسلندي [45]و و المولدوفي [46]و الروماني[47] و السلوفاكي[48] و بالنسبة لمقاطعة كولمبيا البريطانية الكندية لا يمكن ممارسة سحب الوكالة الا على البرلمانيين[49] وفي البيرو فقط نيابة رؤساء البلديات وأعضاء المجلس البلدي يمكن انهائها بواسطة سحب الوكالة الشعبي.
بالنسبة للدستور الذي أعده قيس سعيد سنة 2022 وردت إشارة الى سحب الوكالة صراحة صلب الفصل 61 منه بالنسبة لنواب مجلس نواب الشعب بينما لا يتضمن القسم الأول “رئيس الجمهورية ” من الباب الرابع: “الوظيفة التنفيذية “أي إشارة الى السحب او امكانيته او اجراءاته بما يسنح قطعا بالتأكيد ان نيابة او وكالة رئيس الجمهورية لا يمكن سحبها حتى من الشعب صاحب السيادة والذي لا يفعل رئيس الجمهورية نظريا على الأقل الا تمثيله.
قد يبدو الاختيار الدستوري حلا كغيره من الحلول المتنوعة التي لجات اليها مختلف الأنظمة القانونية الا ان الوقوف عند ذلك سيجعل التحليل قاصرا اذ ان وضع النص في سياقه سيجعل من التساؤل حول وظيفة السحب وقابلية توظيفه جائزة.
ان اخذنا بعين الاعتبار واقع تحرير رئيس الجمهورية نفسه دستور 2022 ومركزية ومحورية مؤسسة رئاسة الجمهورية في دستوره واتساع سلطته التي تتجاوز السلطة التنفيذية او الوظيفة كما سماها الى حد الهيمنة على السلطة التشريعية المهمشة و السلطة القضائية التي وضع يده عليها و انتهك استقلاليتها كما بيننا في فقرة سابقة كل ذلك باسم الديمقراطية التمثيلية طبعا بما هو منتخب من الشعب أي ان قيس سعيد الذي تبنى فكرة الية سحب الوكالة تجسيدا لسلطة الشعب وسيادته و حدا من إطلاقيه الديمقراطية التمثيلية لم يطبقها على اهم سلطة او مؤسسة ينتخبها الشعب لتمثيله و هي رئيس الجمهورية وطالما ان اهم وكالة تمثيلية لا يمكن سحبها من الشعب ما الغاية من تبني هذه الآلية الذي يبين تناقضا صارخا في فكر المؤسس لدستور 2022 الذي حصر ممارستها في مهام نيابية هامشية[50] و غير مؤثرة مقارنة بمهام وصلاحيات رئيس الجمهورية[51] وفضلا عن ان الصدقة المأمور بها على الوجه الأمثل يجب يبدا آمرها بنفسه كما يقول المثل الفرنسي [52] فان عدم قابلية سحب وكالة رئيس الجمهورية تفضح صورية التبني الذي يصبح وسيلة للدعاية و للتبرير الأيديولوجي بل و مزيد تكريس الصلاحيات المطلقة لرئيس الجمهورية في دستور 2022 و هامشا للمناورة والضغط الإضافي على نواب مجلس الشعب وبقية المجالس أي ورقة أخرى في يد رئيس الجمهورية الذي لا يخضع لاي مسائلة او حساب حتى لو ارتكب جرائم خيانة عظمى بما يجعل النظام القانوني في تونس اقرب لنظام الخلافة أو مبدا عصمة الفقيه منه الى النظام الجمهوري.
تبريرا لإطلاقية وكالة المنتخبين وعدم قابليتها للسحب كما هو الحال مع دستور قيس سعيد زعم البعض ان الحساب او المسائلة تتم عند الانتخابات الموالية بان يمتنع الناخبون عن تجديد انتخاب المعني بالأمر لمدة نيابية جديدة واعتبروا ذلك بمثابة سحب للوكالة وطبعا لا يستقيم هذا التبرير منطقا ولا قانونا اذا لا يمكن سحب وكالة منتهية وعدم التجديد ليس سحبا فضلا عن طلب التجديد أي ترشح المعني بالأمر ليس اليا بالضرورة والغاية من السحب هي الحيلولة دون التمادي في خيانة او مخالفة عقد الوكالة قبل انتهاء امده فان انقضى اجله سحبت الوكالة اليا دون حاجة لسحب فضلا انه من اركان تعريف سحب الوكالة هو ان تكون قبل انتهاء مدة الوكالة.
ودائما في سياق عدم جواز سحب وكالة رئيس الجمهورية يتجه التذكير ان المحكمة الدستورية على معنى دستور 2014 والقانون الأساسي عدد50 لسنة 2015 كان من بين مهامها النظر في مسائلة الرئيس وفض إشكاليات الاختصاص بينه وبين رئيس الحكومة
بمنع سحب الوكالة من رئيس الجمهورية يتبين ان الالية توهم بالتجديد وترشيد الديمقراطية التمثيلية والحال ان قيس سعيد قد تمسك بعيوب واطلاقية الديمقراطية التمثيلية لنفسه والحال ان تصوره الهلامي للبناء القاعدي قام على نقدها ومقتها تماما كما فعل للسلطة والصلاحيات التي خص نفسه كرئيس جمهورية بها وترك لمجالس مهمشة وقضاء غير مستقل دور تزويقي كديكور بما قد تؤول معه الية سحب الوكالة الى سيف مسلط على رقاب بقية المنتخبين تماما كألية اعفاء القضاة او صلاحيات الرئيس لعزل أي عضو في الهيئة المستقلة للانتخاباتوان كان سحب الوكالة لا يخضع لقرار مباشر منه على غرار ما سمح لنفسه به بالنسبة لتلك المؤسسات لكن لن يعز على من يوظف كل صلاحيات وأجهزة الدولة ان يمارس ذلك واقعا.
2.2 سحب وكالة بقية المجالس فوضى النصوص
لئن كان عدم سحب الوكالة من رئيس الجمهورية واضحا ضرورة ان الامر يتعلق بإجراءات وعلى خلاف مواد القانون الاصلية عدم المنع الصريح لا يعني الاباحة إذا لا يمكن ان توجد إجراءات بدون نص يقرها على الأقل من حيث المبدأ الا ان عدم جواز سحب الوكالة الشعبي من رئيس الجمهورية لا يجب ان يحجب إشكاليات أخرى تهم نطاق مبدأ سحب الوكالة.
يدخل في نطاق تطبيق مبدأ سحب الوكالة بصفة لا تدعو للشك او النقاش سحب الوكالة من أعضاء مجلس نواب الشعب اذ نص الفصل 61 من الدستور كما اسلفنا في فقرة سابقة على :” يحجر على النّائب ممارسة أيّ نشاط بمقابل أو بدونه.وكالة النّائب قابلة للسّحب وفق الشروط التي يحددّها القانون الانتخابي” و الفصل ورد ضمن القسم الأول : مجلس نواب الشعب من الباب الثالث :”الوظيفة التشريعية ” كما ورد بالقانون الأساسي عدد 16/2014 بتاريخ 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء مثلما وقع تنقيحه خاصة بالمرسوم الرئاسي عدد55 لسنة 2022 بتاريخ 15 سبتمبر ’2022 في عصف للتسلسل الهرمي للقواعد القانونية و انكار لمبدا توازي الشكليات, إضافة فرع ثامن جديد ” في سحب الوكالة”[53] للباب الثالث :” الانتخابات التشريعية ” و الذي وقع استكماله ترتيبيا بقرار هيئة الانتخابات عدد 281 لسنة 2024 مؤرّخ في 14فيفري 2024 يتعلق بضبط شروط وإجراءات سحب الوكالة.
ان كان الامر بذلك الوضوح والتناسق بين النصوص بالنسبة لأعضاء مجلس نواب الشعب فهو ليس بالمثل لبقية المجالس و التي عرفها الفصل 2 من قرار هيئة للانتخابات عدد 281 لسنة 2024 مؤرّخ في 14فيفري 2024 يتعلق بضبط شروط وإجراءات سحب الوكالة وهي المجلس المحلي و المجلس البلدي و المجلس الجهوي ومجلس الإقليم و المجلس الوطني للأقاليم والجهات.
يجدر التساؤل عن دستورية توسعة نطاق اعمال مبدا جواز سحب الوكالة الشعبي من المنتخبين من مجلس نواب الشعب الى بقية المجالس؟
بمراجعة دستور 2022 لا نجد بالقسم الثاني ” المجلس الوطني للجهات والاقليم ” من الباب الثالث ” الوظيفة التشريعية” مرادفا للفصل 61 في اقرار مبدا سحب وكالة النائب في مجلس النواب والفصل المشابه لذل الفصل هو الفصل82 الذي اقتضى:” لا يمكن الجمع بين عضوية مجلس نواب الشعب وعضوية المجلس الوطني للجهات والأقاليم. ويحجر الجمع بين عضوية المجلس الوطني للجهات والأقاليم وأي نشاط بمقابل أو بدونه.” وحتى الفصل 83 الذي يحيل على الاحكام المنطبقة على أعضاء مجلس نواب الشعب فلا يتعلق الا بالحصانة وطبعا لا علاقة لرفع الحصانة بسحب الوكالة ونفس الشيء بالنسبة للفصل 81 الذي يحيل تنظيم تعويض العضو في مجلس الجهات والأقاليم الى القانون الانتخابي فالتعويض ليس سحب وكالة و ان كان ذلك من اثارها بما يمكن معه الجزم بان سحب الوكالة من أعضاء مجلس الجهات والاقاليم لا سند دستوري له.
فيما يخص بقية المجالس خصص لها دستور 2022 فصل يتيم وهو الفصل 131 ونص على:” تمــارس المجالس البلدية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحليّة المصالح المحليـــّة والجهويّة حسب ما يضبطه القانون.” وعلى غرار مجلس الجهات والاقاليم لا نجد تكريسا لمبدا سحب الوكالة بل تعرض الفصل لجملة تلك المجالس بكل اقتضاب واحال تنظيمها على القانون.
على خلاف الدستور اقر المرسوم الرئاسي عدد10 لسنة 2023 بتاريخ08 مارس 2023 سحب الية اسحب الوكالة على المجالس المنتخبة بفصله39 الذي قرر انتخابات جزئية في صورة سحب الوكالة كما تضمن فصله 42 ضمن احكامه الختامية الذي نص على :” نسحب الفصول من 39 إلى 39 سابعا من الفرع الثّامن جديد من المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرّخ في 15 سبتمبر 2022 المتعلّقة بسحب الوكالة على أعضاء المجالس المحلية وأعضاء المجالس الجهوية وأعضاء مجالس الأقاليم.” كما نص فصله 43″ تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا المرسوم وخاصّة منها تلك الواردة بالقانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 المؤرّخ في 9 ماي 2018 والمتعلّق بمجلّة الجماعات المحليّة.”
يحيلنا ذلك الى التساؤل هل من اختصاص رئيس الجمهورية عن طريق مراسيم او هيئة الانتخابات ان تقرر نطاق توسيع الية سحب الوكالة عن طريق قرار تصدره؟ قد نتسرع في الإجابة لو اقتصرنا على اعتبار ان الفصل134 من دستور 2022 يقر للهيئة سلطة ترتيبية في مجال اختصاصها وهو استثناء نادر في ذلك الدستور الذي يخص رئيس الجمهورية نطلق تلك السلطة[54]. لكن القانون يؤول ببعضه ولا يمكن الوقوف على ذلك الفصل دون المرور قبلا بالفصل 75 من ذات الدستور الذي يجعل من القانون الانتخابي يتخذ وجوبا شكل القانون الأساسي وكذلك المجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمكن أن تتمتع بصفة الجماعة المحلية ووفقا للفصل 76 ترجع إلى السلطة الترتيبية العامة المواد التي لا تدخل في مجال القانون بما يعني ان موضع مجال انطباق مبدا او الية السحب لا يمكن ان يأخذ الا شكل قانون أساسي بينما التطبيق و الإجراءات يمكن ان يكون موضوع قرار ترتيبي خاص من الهيئة بتفويض من ذلك القانون الأساسي والا لامكن للهيئة ان تقر توسيع مجال سحب الوكالة الى رئاسة الجمهورية بمجرد قرار ترتيبي نظريا على الاقل على غرار ما قررته فعليا والامر بالمثل لمراسيم رئيس الجمهورية التي لا يمكن قانونا ان تخرق مجال القوانين الأساسية مثلما ورد بالدستور لان المرسوم لا يمكن ان ينقح قانون أساسي وماء جاء به من تنقيح يبقى مرسوما في شكله .
قد يبرر التجاء رئيس الجمهورية لاصدار مرسوم 55/2022 بعدم وجود مجلس نواب وهو طبعا ما لا يمكن القبول به خاصة ان اخذنا بعين الاعتبار انه هو من حل مجلس النواب الشرعي بطريقة غير دستورية لكن حتى على فرض ذلك جدلا فالمرسوم 10/2024 الذي وسع نطاق اعمال الية السحب الى بقية المجالس اكثر انعدام للشرعية و الدستورية باعتبار صدوره بعد مباشرة مجلس نواب الشعب الجديد على معنى دستور 2022 لمهامه ورئيس الجمهورية وصل بالازدراء و الفوضى الى حد عدم الالتجاء الى تنقيح القانون الأساسي 16/2014 لاضفاء نوع من الشرعية واحترام صوري للفصل 75 من دستوره بل عمد الى اصدار مرسوم رئاسي مباشرة.
كما يمكن الإشارة من جهة أخرى انه حتى على فرض إمكانية مخالفة رئيس الجمهورية او الهيئة للدستور و القانون الأساسي بتطبيق مبدا الأصل في الاباحة في المادة الإجرائية جدلا فيجدر التساؤل حول اختصاصها الذي يشمله الاختصاص الترتيبي فالفصل 134 من دستور 2022 ينص على” تتـولّى الهيئــة العلـيا المستقلـة للانتخابات إدارة الانتخابات والاستفتاءات وتنظيــمها والإشراف عليها في جميع مراحلها” وفي غياب مبدا عام دستوري يكرس حق السحب اليا مع حق الانتخاب يجدر التساؤل حول ما اذا كانت الهيئة مختصة بتنظيم إجراءات السحب دستوريا[55] باعتبار ان إجراءات السحب لا تترتب على كل انتخابات و لا تنتهي بالضرورة الى استفتاء بما يمكن اعتبارها إجراءات سابقة للاستفتاء بالضرورة ؟وهو ما سنتعرض له في فقرة لاحقة من هذا المقال .
يمكن التأكيد ان المرسومين الرئاسيين عدد55/2022 و عدد10 لسنة 2023 و قرار هيئة الانتخابات عدد 281 لسنة 2024 مؤرّخ في 14فيفري 4 202 ورد خارقا لدستور قيس سعيد و للقانون الأساسي عدد16/2014 و انه لا سند دستوريا وقانونيا لسحب الوكالة من أعضاء المجالس البلدية والمحلية والجهوية ومجالس الأقاليم والمجلس الجهوي للجهات والاقاليم لكن لا يبدو الامر مهما في ظل التطبيع مع انخرام المبادئ العامة للقانون كما وكيفا الذي تميز به المشهد الدستوري والقانون التونسي ما بعد25 جويلية 2021 .
II النظام القانوني لسحب الوكالة
نترك في هذا الجزء السياق الحقوقي والقانوني الذي وردت فيه هذه الآلية الجديدة لنهتم بالمؤسسة القانونية في حد ذاتها والتكريس القانوني لها الذي قد يعطي فكرة أوضح عن مراد واضع النص ومدى توفق ذلك النص في حل الإشكاليات التي مثلت علة وجوده او خلق إشكاليات جديدة او ان العلة المصرح بها غير العلة الحقيقية بما يدعم فكرة الصورية والطبيعة الاستعراضية التي انتهينا الى ابراز ملامحها سواء بالمقدمة او بالجزء الأول. طبعا النظام القانوني يقتضي التعرض للنصوص ضرورة باعتبارنا بصدد تناول قانون انتخابي اجرائي و لا خيار لنا باعتبار ان تطبيق تلك النصوص الجديدة لا زال لم يفصح عن ذلك الجانب الذي اصبح في ظل واقع تطبيق القانون في تونس هو المعيار الصحيح و الفني لفهم الحقوق او المنظومة المفترض بانها تكون قانونية لأنه في النهاية ما يريده رئيس الجمهورية يريده القانون و لا يتحرج ذلك الأخير في دعوة الإدارة و القضاء على عدم الوقوف على تفاصيل النصوص والإجراءات التي لا يرى فيها الا عوائق للتفصي من تطبيق القانون حسب رايه الذي اصدح به في اكثر من مناسبة [56] . لكن ذلك لن يمنعنا طبعا من دراسة نصوص سحب الوكالة من خلال دراسة شروط سحب الوكالة التي وردت غير دقيقة (1) وإجراءاتها (2)
1/ شروط سحب الوكالة غير الدقيقة
كما بيننا أعلاه لم يتعرض دستور 2022 الى شروط سحب الوكالة وتميزت الشروط الواردة لممارسة حق سحب الوكالة بعدم الدقة بما يجعل الامر برمته رهين التطبيق الإداري والقضائي لنص الفصل 39 جديد من القانون الأساسي عدد16 لسنة 2014 و الفصل 03 من قرار الهيئة” على خلاف بعض الأنظمة القانونية الأخرى التي اختارت شروطا دقيقة وواضحة لإمكانية طلب سحب الوكالة من ذلك مثلا في المملكة المتحدة ففي قانون سحب وكالة نواب البرلمان لسنة 2015 وضعت ثلاثة حالات لطلب سحب الوكالة الاولى : ان يكون النائب موضوع حكم جزائي بات يقرر عقوبة سالبة للحرية ( اقل من عام لانه اكثر من عام يعزل اليا ) الثانية : ان يكون موضوع قرار إيقاف من مجلس العموم لمدة ادناه 10 أيام للجلسات العامة او 14 يوما من النشاط خارج الجلسات و ثالثها : ان يدان نهائيا من اجل التحيل في اصدار طلب استرجاع مصاريف.
حسب الفصل 39 جديد من القانون 16/2014 يمكن سحب الوكالة من النائب المنتخب في أحد المجالس النيابية من طرف الناخبين المسجلين في دائرته الانتخابية في الصور التالية:
–الإخلال بواجب النّزاهة في أداء المهام، (1.1)
–التقصير البيّن في القيام بالواجبات النيابيّة. (2.1)
– عدم بذل العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الانتخابي الذي تقدّم به عند الترشح”.(3.1)
الاخلال بواجب النزاهة في أداء المهام
يتجه لفهم هذا الشرط الوارد في عبارات غير دقيقة محاولة تفريقه عن بقية المفاهيم والنص يقيم تفرقة بين المهام والواجبات المذكور بالشرط الموالي و الفرق بين المفهومين ليس بالسهولة بمكان فالمهمة أوسع من مفهوم الواجب لأنها عمل يكلف به النائب وليس واجبا بالضرورة أي ان المهمة لا يوجد بالضرورة نص يوجبها ولا تصبح واجبا الا اذا قبلها النائب و التزم بها بما يعيدنا الى اشكال تداخل المفهومين علما ان الواجب قد يأخذ شكل امتناع عن عمل او سلوك وهو ما لا يمكن ان يكون مهمة في حد ذاته لكن يجب ان يجد فقه الهيئة الإداري و فقه القضاء معيارا للتفرقة عملا بمبدأ عدم عبث المشرع[57] وعلى ذلك الأساس يبدو معيار حسن النية من اهم معايير حالات الاخلال بواجب النزاهة و هو ما يفرقها على حالات التقصير الوارد بالشرط الموالي بالفصل 3
من جهة أخرى يتجه التأكيد ان الاخلال بواجب النزاهة يفترض ان الامر لا يتعلق بخطأ موجب للمسائلة التأديبية او الجزائية لان الامر يتعلق بقيام بمهام وطريقة الأداء وهو ما يقصي حالات الأخطاء التأديبية و الجزائية التي لا يمكن اعتبارها داخلة في مهام النائب و بالنسبة لأعضاء مجلس نواب الشعب القائم حاليا وضع النظام الداخلي للمجلس[58] جملة من العقوبات التأديبية المقررة و إجراءات رفع الحصانة لكن دستور 2022 تعرض كذلك الى بعض الاحكام التي تهم سلوك النائب على غرار ما ورد بالفصل 66 منه :” لا يتمتّع النّائب بالحصانة البرلمانيّة بالنّسبة إلى جرائم القذف والثّلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس أو خارجه، ولا يتمتّع بها أيضا في صورة تعطيله للسّير العاديّ لأعمال المجلس.” ولحصر مفهوم الاخلال بواجب النزاهة في المهام يجب استبعاد حالات المسائلة التأديبية والجزائية الا اذا اسفرت تلك التتبعات عن دعم مؤاخذة تأديبية او عدم سماع دعوى جزائية حينها يمكن تصور إمكانية قيام شرط الاخلال بواجب النزاهة في أداء المهام لان مجال ذلك الاخلال أوسع من الخط\ا التأديبي او الجزائي أي ان نفس الأفعال المسندة للنائب و التي لم تقم مسؤوليته التأديبية او الجزائية بموجبها يمكن ان يسند اليه بموجبها اخلالا بواجب النزاهة في أداء المهام.
يمكن التعرض لبعض السلوكيات كالتغيب مثلا او تعطيل اعمال المجلس او استفزاز بقية النواب او غيرهم من المساهمين في اعمال المجلس او التناقض في المواقف او الزبونة لمعرفة إمكانية ان تشكل اخلالا بواجب النزاهة من عدمه
فالبنسبة للتغيب اقر النظام الداخلي لمجلس النواب إطار قانونيا وعقوبات لمجابهة ذلك السلوك بالفصول 10 و11 التي تضبط إجراءات وجزاء التغيب حتى في صورة التكرار بما يقصي مبدئيا المسالة عن مبدا النزاهة الا اذا وقع اثبات سوء نية وهو امر ليس بالهين في الاثبات. ونفس التحليل يمكن سحبه على تعطيل اعمال المجلس الذي يقرر له النظام الداخلي عملا بالفصل 66 من الدستور حرمانا من الحصانة بالفصل23.
في خصوص تعطيل اعمال المجلس واستفزاز الاخرين تعرضت فصول النظام الداخلي[59] لذلك وأقرت إجراءات وعقوبات واضحة بما يقصي ذلك السلوك من الاخلال بواجب النزاهة
قد تكون المعاير الأساسية في تكييف الاخلال بواجب النزاهة ما ورد بالباب الثاني عشر “قيم ومبادئ وقواعد العمل البرلماني” والعنوان الأول منه “القيم الأساسية” وخاصة الفصل 152:” يتعهّد أعضاء مجلس نواب الشعب أثناء أدائهم لمهامهم النيابية داخل المجلس وخارجه بالعمل وفق قواعد الأمانة والاحترام والتواضع والصدق والوفاء والعدالة والكرامة والصبر.” طبعا مع استثناء ما يتعلق بخارج المجلس الا إذا كان ذلك ضمن مهام النائب والمبادئ المذكورة عامة على غرار ما ذكر ببقية فصول ذلك العنوان الذي احتوى حتى على فصول من باب التزيد على غرار ما ورد بالفصل 154:” على النائب التقيّد بأحكام الدستور وبالمعاهدات والاتفاقيات التي صادقت عليها الدولة وبقوانينها، كما عليه الالتزام بتطبيق مقتضيات هذا النظام الداخلي.” او ماورد بالفصل 156 من وجوب التحري في مصداقية المعلومات او عدم التستر على الفساد. يمكن تصور حالات اخلال بواجب النزاهة في صورة تناقض مواقف النائب بدون تعليل منطقي بما يوفر شبهة فساد او نية تعطيل دون ان يتكون من ذلك خطا تأديبي او جزائي والامر بالمثل للزبونة وان كان نظام السحب يخلقها بداهة الا ان اثباتها من شانه ان يكون أساسا واقعيا لطلب سحب الوكالة ويمكن حتى الاستناد الى النظام الداخلي الفصل 153″ يلتزم أعضاء مجلس نواب الشعب بالعمل لمصلحة الوطن والمواطنين والدفاع عنها وإيثار المصلحة العامة على كل مصلحة فئوية أو خاصة”.
اما بالنسبة لبقية المجالس التي اقحمها المرسوم 10/2024 في الية السحب فتحديد هذا الشرط سيكون اصعب باعتبار غياب النصوص التي تنظمها وحتى بالنسبة للمجالس البلدية فقد تعرضت مجلة الجماعات المحلية لمبد النزاهة لكن كمبدأ من مبادئ تسيير المرافق العامة المحلية صلب الفصل 75 الذي لا يهم الأشخاص بصفة فردية ويمكن القول انه خارج حالة الامتناع غير الشرعي لاداء المهام على معنى الفصل 206 و حالات الأخطاء الجسيمة على معنى الفصل253 من مجلة الجماعات المحلية فان شرط سحب الوكالة بالنسبة لأعضاء المجالس البلدية يمكن طلبه على أساس أداء معيب لجهة حسن النية لمهمة قانونية في اصلها.
بالنسبة للمجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم والمجلس الوطني للأقاليم فلا يمكن تحديد شرط الاخلال بمبدأ المهام الا بصفة اجمالية وعامة ك معيب لجهة حسن النية لمهمة قانونية في اصلها وذلك لعدم تطابق تلك المجالس كما وردت في دستور 2022 و تنظيمها الوارد بمجلة الجماعات المحلية و يجب انتظار نصوص تنظم تلك المجال وان تم انتخابها بما قد يفضح الغاية الصورية و الأيديولوجية من انشائها قبل بيان دورها الوظيفي و وسائل عملها و حدوده و علاقتها مع بقية المجالس و السلطات.
2.1 التقصير البين في القيام بالواجبات النيابية
يمكن الانطلاق مما سبق تحليله في الفرق بين المهام المذكورة بالشرط الأسبق و الواجبات المذكورة بهذا الشرط فالواجب يمكن ان يكون سلوكا أي عمل او امتناع عن عمل مترتب عن نص او عرف وهو مالا يبعد عن الشرط السابق أي ان العمل في اصله او مبداه قانوني بل وجوبي الا ان الامر لا يتعلق بحسن النية في الأداء من عدمه الذي يحيلنا اليه مبدا النزاهة انما بنتيجة ذلك الأداء أي ان الأداء كان بحسن نية لكن اغفل صاحبه الحرص و العناية اللازمة بما عاب مال أداء ذلك الواجب و التقصير البين هو التقصير او الغلط الذي لا يمكن اعذار صاحبه بارتكابه الذي كان من حقه العلم و التصرف على غير ذلك النحو لدفع ما ال اليه الامر في نتيجة أدائه و المعيار هو سلوك الشخص او النائب الرشيد او الحريص او الأداء العادي والطبيعي للواجب.
يحيل مفهوم التقصير البين الى مفهوم الخطأ الجسيم [60]فهو ليس مجرد تقصير يعذر صاحبة بارتكابه والذي حدد بالنتيجة او الأثر لا بالفعل او أداء الواجب في حد ذاته بصفة مجردة دون اعتبار للسياق الذي حف بإتيانه.
مرة أخرى يجب اقصاء الحالات التي يكون فيها التقصير البين موضوع إجراءات وجزاء تأديبي او جزائي لان مجال الخطأ التأديبي والجزائي اضيق من مجال التقصير البين الذي وان كان يتطلب خطا جسيما فمن الممكن ان يتوفر ذلك الشرط بالرغم من انتفاء الخطأ التأديبي او الجزائي.
ويمكن تصور حالات تقصير بين في أداء الواجبات النيابية في صور الأخطاء الفاحشة مثلا في تحرير التقارير كاعتماد نصوص ملغاة او غير منطبقة والتي لا تطلب مستوى خبرة عالي لمعرفتها او مخالفة ما ورد بالفصل 156 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب بشأن التحري في مصداقية المعلومات واعتماد معلومات لم يقع التحري فيها بحسن نية او لإفراط في الثقة في مصدرها وكانت نتائجها اضرار فادحة و يمكن تصور ذلك بالنسبة لبقية المجالس في انتظار تحديد مهامها.
يبقى التساؤل مشروعا حول اثر التقصير الذي انجر عنه مسائلة تأديبية او جزائية فهل ان الإدانة التأديبية او الجزائية تجعل من الشرط متوفرا بالضرورة و لا تملك المحكمة المختصة مناقشة او اعتبار ان شرط التقصير غير متوفر ويمكن القول في تلك الحالات ان الحكم القضائي البات يجعل من توفر شرط التقصير البين محرزا على قوة ما اتصل به القضاء الا انه عمليا للصول الى حكم قضائي بات أي لا يقبل الطعن باي وجه غالبا ما تمضي سنوات و تنتهي العهدة النيابية او يبقى على نهايتها على الأقل ستة اشهر قبل المبادرة بما يعني واقعيا ان تلك الحالات ستكون نادرة.
اما في حالات الحكم بعدم الإدانة و انتفاء الخطأ التأديبي او الجزائي فهل يمكن ان يقي ذلك النائب إجراءات السحب نظريا لا لان مجال التقصير البين أوسع لكن مرة أخرى الزمن القضائي قد يحول دون ممارسة او طلب إجراءات سحب الوكالة فهل يجب القبول بطلب السحب حتى في حالات الخطأ التأديبي و الجزائي و بالتوازي مع الإجراءات المقررة لذلك ؟ نكون بذلك معرضين لخطر التعارض بين نتيجة إجراءات سحب الوكالة و مال الاحكام القضائية الباتة أي سحب وكالة و الحال ان انتفاء الخطأ التأديبي و الجزائي ثابت بحكم قضائي بات او عدم سحب الوكالة و الحال ان النائب ادين تأديبيا او جزائيا بحكم بات او حتى حكم بالسجن في غياب وسائل استدراكية لإجراءات السحب سيكون ذلك عامل فوضى وعدم تناسق يتعارض وغايات القانون سواء من خلال النصوص التأديبية و الجزائية او تلك التي تنظم سحب الوكالة واتجه عدم قبول طلب سحب الوكالة في تلك الحالات لحسن سير العدالة او سيظطر طالبوا السحب الى اقحام الاخلال بواجب النزاهة في أداء المهام مع كل حالة تقصير بين .
شرط التقصير البين في أداء الواجبات على غرار الشرط السابق لا يمكن حصره بالوضوح اللازم بما يترك المجال فسيحا امام تأويل الناخبين في طلباتهم و لفقه القضاء المختص الذي سيرجع له تحديد معايير انطباق تلك الشروط قبل التصريح بجديتها من عدمه بما يترك للرئيس الجمهورية مجال نفوذ و تدخل شاسع نظرا لما يملكه من سلطة تأديبية مباشرة على القضاة تسمح له بصريح المرسوم 11/2022 كما وقع تنقيحه بالمرسوم35/2022 مع التحفظ حول صفة التأديبية باعتبار ان سلطة الاعفاء التي يتمتع بها رئيس الجمهورية لا إجراءات مسبقة لها و لا مسائلة و مبدا مواجهة بما يجعل القضاة وبالتالي القضاء مطوعا لغاياته السياسية و تصبح معه الية السحب ورقة ضغط سياسي أخرى لفائدة رئيس الجمهورية ضد أعضاء المجالس المنتخبة رغم هامشية دورها وصلاحيتها أي انه بمراقبة توفر شروط السحب من القضاء سيوظف رئيس الجمهورية النزاعات حسب مصالحه السياسية حتى ان أدى ذلك الى خرق النصوص او تطبيقها بصفة تمييزية.
3.1 عدم بذل العناية المطلوبة لتنفيذ البرنامج الانتخابي للنائب الذي تقدم به عند الترشح
يختلف هذا الشرط عن الشرطين الاولين لوجود وثيقة مرجعية وهي البرنامج الانتخابي للنائب أي ان السلطة التقديرية للمحكمة المختصة ستكون إزاء نص او مرجع محدد لتكييفها لمدى العناية المبذولة من النائب وان اقرت عدم بذل العناية الازمة على الناخبين ان يقرروا ما ان كان يرون ذلك صحيحا ام لا حتى وان كان عدم بذل العناية على غرار الشروط الأخرى هي أسباب لطلب سحب الوكالة و هي ليست عقوبة نظريا على الأقل.
تطرح مسالة عدم بذل العناية المطلوبة لتنفيذ البرنامج الانتخابي للنائب الذي تقدم به عند الترشح موضوعين على الأقل أولها اشهار البرنامج الانتخابي شكلا وثانيها مدى مسؤولية النائب موضوعا
يتطلب طلب سحب الوكالة لتوفر شرط عدم بذل العناية المطلوبة لتنفيذ البرنامج الانتخابي ان يكون الناخبون على دراية واطلاع متواصل للبرنامج الانتخابي لكل نائب والحال ان البرنامج الانتخابي لكل نائب لا يقع اشهاره الا من طرفه بمناسبة الحملات الانتخابية[61] وربما يتجه التفرقة بين مجلس نواب الشعب وبقية المجالس
البرنامج الانتخابي لمجلس نواب الشعب حسب ما اقره القانوني الأساسي لسنة 2016 حسبما ما وقع تنقيحه بالمرسوم الرئاسي عدد55 لسنة 2022 لا يعرفه الفصل 3 الذي عرف مصطلحات ذات علاقة كالحملة الانتخابية و الاشهار السياسي و لا يتعرض القانون للبرنامج الانتخابي الا صلب الفصل 21 اين يشترط ضمن ملف الترشح للانتخابات التشريعية لا برنامجا انتخابيا انما موجز للبرنامج الانتخابي للمترشح أي انه في ملف الترشح لا يوجد البرنامج الانتخابي للمترشح انما مجرد موجز له كما لا يقع الإعلان عنه مع القائمة النهائية للمترشحين المقبولين نهائيا على معنى الفصل 30من ذات القانون الأساسي ويستنتج مما سبق ان البرنامج الانتخابي لكل نائب لا يقع اشهاره كليا الا من المترشح في اطار الحملة الانتخابية و هو ما يتأكد من خلال عدم اشهار برنامج كل نائب الانتخابي لا بموقع هيئة الانتخابات و لا بموقع مجلس نواب الشعب بما يكون معه التساؤل حول مدى جدية هذا الشرط أي كيف للناخبين ان يعرفوا البرنامج الانتخابي للنائب بعد الانتخابات خاصة مع نسبة الاقبال الضعيفة التي شهدتها الانتخابات التشريعية وفق خارطة الطريق للرئيس قيس سعيد اذ صرحت هيئة الانتخابات ان نسبة الاقبال لم تتجاوز 8.8 قبل ان تتدارك و تصرح بنسبة تفوق 11 في المائة.
يمكن التفكير في تنسيب تلك النقيصة باعتبار ان المترشح يقدم كذلك موجزا من برنامجه الانتخابي عند جمع التزكيات الا ان ذلك لا يحل الاشكال في شيء باعتبار ان ليس كل الناخبين قاموا بالتزكية و حتى من قاموا بالتزكية فلم يزكوا الا مترشح واحد وعددهم في الأدنى 400 ناخب و لا يحتفظون بنسخة من برنامج المترشح وجوبا لا قبل التزكية ولا بعدها بل حتى أنموذجي مطلب التزكية التي وضعتها هيئة الانتخابات على ذمة المترشحين لا تنص على برنامج انتخابي بل الى موجز منه بل حتى الموجز محدود في المحتوى اذ يقتصر على تحديد المشاريع في مجال التنمية الاقتصادية( صناعي , فلاحي , خدمات ) و تحديد مشاريع التنمية في المجال الاجتماعي(صحة, تعليم ,بيئة, ثقافة ) مع سطرين للمجالات الأخرى [62]
في ظل عدم اشهار البرنامج الانتخابي للمترشح او حتى موجز منه المقدم بمطالب التزكية او بمطلب الترشح يظل شرط عدم بذل العناية الازمة لتنفيذ البرنامج الانتخابي أقرب الى التعلة منه الى شرط لممارسة حق سحب الوكالة اذ كيف يمكن ان يكون ذلك ناجزا في غياب معرفة يقينية ببرنامج الناخب.
لجهة المسؤولية يطرح هذا الشرط كذلك عديد الإشكاليات أولها هو شخصية المسؤولية فالنائب ليس مسؤولا بمفرده وطبيعة مهامه ليست تنفيذية و ان كان قرار الهيئة يستعمل مصطلح بذل العناية لان الامر لا يتعلق بتحقيق نتيجة الا ان الاشكال يبقى قائم حتى بالنسبة لبذل العناية فالنائب لا يملك الا صوته و الحال ان مهامه الأساسية نظريا هي نفس مهام المجلس أي سن التشريعات ومراقبة السلطة التنفيذية ( ان استطاع لذلك سبيلا ) لكن الشرط يتعلق بمسؤوليته الشخصية وهي غير ذات تأثير مباشر سواء على سن التشريعات او باقي مهام المجلس كما ان شكل البرامج الانتخابية او موجزاتها المصرح بها بمناسبة التزكية او تقديم ملف الترشح أي برامج تنموية بالأساس لا يمكن حتى للمجلس بالإجماع ان يحققها او ينفذ أي برنامج انتخابي لأعضائه لان تلك المشاريع وانجازها لا تهم الا السلط المحلية و الجهوية و المركزية و السلطة التنفيذية و لا يتدخل المجلس الا في إقرار الميزانيات على مستوى وطني في اطار قانون المالية الذي تحول قواعد اجراءاته دون سعي كل نائب لتنفيذ برنامجه الانتخابي بما يجعل الالتزام حتى ببذل عناية موضوعه مستحيل و استحالة موضوع الالتزام يبطله.
يتجه كذلك الالماع ان هذا الشرط يتعارض وطبيعة مهمة النائب اذ ان النائب في مجلس الشعب كما ينص على ذلك الفصل 3 من النظام الداخلي للمجلس الحالي هو “ممثل لدائرته الانتخابية وهو نائب عن الشعب اكمله بداية من تاريخ نشر كامل النتائج للانتخابات التشريعية بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ” فالمهمة وطنية لكن المسؤولية جهوية وهو تناقض يمس حتى منطق الأشياء اذ انه في تعارض المصلحة العامة والخاصة تقدم العامة وهو ما لا يبدو منطق شرط عدم بذل العناية اللازمة لتنفيذ البرنامج الانتخابي للنائب لكون البرامج كانت جهوية على فرض وجودها كما انه من الطريف انه يمكن طلب سحب الوكالة لعدم الحرص الكافي على المصالح الجهوية و لا يمكن ذلك عند عدم حرص النائب على المصالح الوطنية .
أخيرا يجدر التساؤل كذلك عن مدى توفر هذا الشرط بالنسبة لرئيس مجلس النواب ونائبيه نظرا لطبيعة مهامهم بالمجلس وهل سيقع اعفائهم باعتماد تأويل ضيق لصفة العضو على معنى الفصل 61 من الدستور والقانون الأساسي 16/2014.
امام عدم اشهار البرنامج الانتخابي لكل نائب وضيق هامش مسؤولية النائب في بذل العناية لتنفيذ ذلك البرنامج يترك مرة أخرى للسلطة التقديرية للمحكمة مطلق المجال لتحديد مدى العناية التي بذلها النائب في تنفيذ برنامجه الانتخابي على فرض انه حافظ عليه ليقدمه للمحكمة التي لا يمكنها الاكتفاء بموجز منطقا وحتى نطاق المسؤولية الذي لا يكون امام المحكمة الا قانونيا ولا يمكن بحال ان تنظر محكمة في المسؤولية السياسية فانه يطرح اشكالا جديا بما يكون معه الشرط متوفرا في جانب اغلب النواب او منتفيا في جانبهم.
على غرار الشرطين الاسبقين يظل توفر هذا الشرط رهين فقه القضاء الذي سيفصل نزاعات طلب سحب الوكالة وستكون المؤسسة او الالية باسرها متوقفة على التكييف القضائي لنلك الشروط والتأويل الموسع والمضيق الذي ستتبناه المحكمة المختصة والطريف ان تأويل واسع يجعل من شروط سحب الوكالة منطبق جميع النواب و تأويل ضيق يعفي جميع النواب من توفر تلك الشروط الا ان الأخطر من ذلك هو عدم تناسق معايير الاحكام و التأويل يكون مختلفا حسب النائب المعني بطلب السحب أي توظيف نزاع طلبات السحب سياسيا.
حالة استقلالية القضاء في تونس اليوم تؤكد شرعية شبهة التوظيف الممكنة من رئيس الجمهورية لآلية سحب الوكالة لتوفير حماية قضائية لمن يريد ان يقيه خطورة التصويت على سحب ثقته والتشفي من المغضوب عليهم عبر مراقبته للقضاء بما له من سيف اعفاء سلط على رقابهم.
بالنسبة للانتخابات البلدية تطبيق الشرط سيكون أكثر تعقيدا باعتبار ان الفصل49 من القانون عدد16/2014 والمرسوم الرئاسي عدد10/2023 الذي الغى كل ما يخالفه في مجلة الجماعات المحلية لا يوجب تقديم حتى موجز من البرنامج الانتخابي خاص بكل عضو والترشح يهم قائمة فكيف يمكن معرفة البرنامج الانتخابي لكل عضو من القائمة ومدى مسؤوليته عن تنفيذ ذلك البرنامج غير الموجود أصلا بما يجعل الشرط مستحيل واقعا وقانونا بما يؤكد عدم جدية وصورية تكريس آلية سحب الوكالة.
ونشير الى ان قرار هيئة الانتخابات عدد 8 لسنة 2023 بتاريخ 03 اكتوبر2023 الذي نظم إجراءات الترشح للانتخابات المحلية لا يشير في فصله 9 الا على موجز للبرنامج الانتخابي كبيان وجوبي في مطلب الترشح علما ان المنتخب في إطار تلك الانتخابات لن يباشر بالضرورة في المجلس المحلي وتنطبق في شانه كل الإشكاليات المشار اليها بالنسبة لنائب مجلس نواب الشعب طبعا على فرض جواز سحب النيابة من تلك المجالس.
لا تقف قائمة الإشكاليات عند ذلك الحد فعضو المجلس الجهوي او مجلس الإقليم وكذلك عضو مجلس الجهات والأقاليم لا يشترط لترشحه سواء لانتخابات او قرعة تقديم برنامج انتخابي كما يتبين من المرسوم الرئاسي عدد10/2023 وهو ما يطرح اشكالا في تطبيق شرط عدم بذل العناية المطلوبة لتنفيذ برنامجه الانتخابي فهل سيحاسب على برنامجه الانتخابي الذي قدمه في الترشح لعضوية المكتب المحلي؟ و ماذا عن اختلاف طبيعة الاختصاص بين تلك المجالس؟ وماذا عن أعضاء المجالس الجهوية من الذي ترشحوا ونالوا العضوية بالقرعة من المعاقين الذين لم يقدموا أصلا برنامج انتخابي ؟ عديد الأسئلة يمكن طرحها و يفترض ان تكون موضوع نزاعات قضائية عند التطبيق ان كان هناك تطبيق.
2. الإجراءات
تهم إجراءات سحب الوكالة أساسا إجراءات طلب السحب (1.2) ومراقبة والتصويت على سحب الوكالة (2.2)
1.2 إجراءات طلب سحب الوكالة
على خلاف الدساتير التي تتبنى سحب الوكالة لم ينص دستور 2022 على إجراءات سحب الوكالة في حين خصص المرسوم 55 لسنة 2022 فرعا جديدا للقانون الأساسي عدد16 لسنة 2014 يهم سحب وكالة النائب في مجلس نواب الشعب كما نص الفصل 42 من المرسوم عدد10 لسنة 2023 بتاريخ 08 مارس 2023:” تنسحب الفصول من 39 إلى 39 سابعا من الفرع الثّامن جديد من المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرّخ في 15 سبتمبر 2022 المتعلّقة بسحب الوكالة على أعضاء المجالس المحلية وأعضاء المجالس الجهوية وأعضاء مجالس الأقاليم.” وصدر عن هيئة الانتخابات القرار عدد 281 لسنة 2024 لضبط شروط وإجراءات سحب الوكالة.
بالرجوع الى قرار الهيئة 281 نجد ان الهيئة وان كانت تتمتع بالسلطة الترتيبية التي من الطريف انها لم تصبح وظيفة ترتيبية [63] بصريح نص الفصل 134 من دستور 2022 فقد توسعت في اختصاصها والحال ان الفصل 134 يحصر تلك السلطة الترتيبية في مجال اختصاصها أي بعبارة أخرى فتلك السلطة الترتيبية لا يمكن ان تبرر توسع الهيئة نفسها بنفسها لاختصاصاتها بتلك السلطة الترتيبية التي تفترض نص قانون يكون قانون أساسي عملا بالفصل75 من دستور 2022 باعتبار اننا إزاء مجال قانون انتخابي و مجال تنظيم العدالة والقضاء و و مجال المجالس المحلية و الجهوية والاقاليم والهياكل التي يمكن ان تتمتع بصفة الجماعة المحلية و المجالات الثلاثة هي حصريا مجال قوانين أساسية وعليه لا يمكن للهيئة بقرار ترتيبي ان تنظمها في غياب نص قانون أساسي او فصل من الدستور يجعل من تلقي مطالب السحب و إجراءات السحب بصفة عامة من اختصاصها ويمكن التأكيد على عدم دستورية توسيع الهيئة لاختصاصها ليشمل المجالس البلدية و المحلية والجهوية و مجالس الأقاليم و المجلس الوطني للجهات والاقليم لمخالفة ذلك مع الفصول61و 134 و 75 و 81 و133 من الدستور .
بمزيد التعمق يمكن الجزم كذلك انه حتى بالنسبة لمجلس نواب الشعب والمجالس الأخرى فمخالفة الدستور والمبادئ العامة للقانون ثابتة كذلك. لئن نص دستور 2022 على مبدأ سحب الوكالة من النائب بمجلس نواب الشعب بصفة صريحة فانه لم يجعل ذلك من اختصاص هيئة الانتخابات حتى الفصل 134 الذي اقرها كهيئة دستورية لم يعهد لها الا ” إدارة الانتخابات والاستفتاءات وتنظيمها والاشراف عليها في جميع مراحلها ” ولا يمكن اعتبار إجراءات طلب السحب وقبولها من قبيل الانتخابات او الاستفتاءات او مرحلة من مراحل قبولها وان كان اعتبار سحب الوكالة استفتاء مغريا الى حد ما لكن له حدوده التي سنتعرض لها عند تناول التصويت على سحب الوكالة.
ان افترضنا جدلا ان دستور 2022 بإعلانه مبدا سحب الوكالة من النائب يقر اختصاص الهيئة خاصة ان الامر مقنن ومكرس بقانونين أساسين فإننا سنكون مجددا إزاء اشكال الاختصاص وخرق الفصل 75 حول مجال القانون الأساسي الذي تعرضنا له صلب الفقرة السابقة ذلك ان ما اضيف للقانون الأساسي عدد16 لسنة 2014 ما قرر بالمرسوم الرئاسي عدد10 لسنة 2023 حول سحب الوكالة اضيف بمقتضى مرسوم رئاسي وهو ما يناقض مبدا توزي الشكليات و التسلسل الهرمي لمصادر القانون و بإقحام تلك المقتضيات في قانون أساسي بفرض الامر الواقع الغير القانوني لا يصبح المرسوم الرئاسي قانون أساسي و الامر بالمثل لمقتضياته ضرورة انه لم تقع المصادقة عليه من مجلس نيابي لاحقا على افتراض شرعيته وشرعية المجلس النيابي القائم بل ان المرسوم الرئاسي 10/2023 اتخذ في قائم مجلس نواب الشعب المنبثق عن ما اعتبر انتخابات نيابية أخيرة أي في خرق غير مبرر لاختصاص ذلك المجلس.
بتجاوز مسالة الاختصاص يبدو قرار الهيئة المتخذ تطبيقا للمرسوم55/2022 والمرسوم 10/2023 لجهة تنظيمه لمطلب سحب الوكالة متسما بإرادة لعدم تسهيل الإجراءات وغياب للشفافية
ففي ما يخص عدم تسهيل الإجراءات يبدو القرار الترتيبي للهيئة معرقلا بعض الشيء للممارسة المادية لحق سحب الوكالة من ذلك مثلا وجوب تعريف بالإمضاء لدى السلط الإدارية أو امام الهيئة حسب الفصل 4 منه[64] وان كانت لم تختر اكثر الحلول تشددا في الإجراءات على غرار ما تعرفه بعض القوانين المقارنة من تحديد اضيق لنفاط او مراكز جمع الامضاءات و فان هذا الشرط الشكلي ورد موافقا لما اقر في قرار الهيئة عدد25 لسنة 2022 بخصوص قواعد وإجراءات الترشح للانتخابات التشريعية لسنة 2022 [65] بخصوص تزكية المترشحين الا ان الامر لم يكن كذلك بالنسبة لتزكيات المترشحين للمجالس المحلية التي لم تشترط فيها الهيئة شكلية التعريف بالإمضاء لا امام السلط الإدارية لا امام الهيئة [66] وهو ما يحول دون تسهيل ممارسة حق سحب الوكالة فضلا عن اشكال توازي الشكليات ان اعتبرنا توازي شروط التزكية وشروط طلب السحب و المفترض منطقا ان تكون شروط طلب السحب اسهل من شروط التزكية لكون السحب يفترض في صاحبه التأكد من توفر شروط و وقائع مادية على خلاف التزكية التي تقوم على الموافقة على البرنامج الانتخابي لكن كذاك على الثقة و افتراض الأمانة ويمكن اثارة أيضا الاختلاف في الشروط الفئوية التي وضعت للتزكيات كالتناصف بين النساء و الرجال و حد ادنى من المزكين الشباب و التي لم تشترط لسحب الوكالة .
لم تتجه النصوص المنظمة لسحب الوكالة في تونس الى إقرار تمويل عمومي لحملة جمع الامضاءات او خلاص القائمين على جمع الامضاءات
دائما في الصعوبات الإجرائية ومسالة توازي الشكليات والإجراءات فلم يقرر اجراء المراجعات للقوائم الانتخابية قبل ممارسة حق سخب الوكالة على غرار ما هو مقرر للانتخابات والاستفتاءات وان كان ذلك يبرر بالحيز الزمني الذي لا يجب ان يمتد بين طلب سحب الوكالة والبت فيها بالرفض او باجراء التصويت فان اعتماد القوائم الانتخابية غير المحينة من شانه ان يمثل اشكالا بالنسبة للمشاركين الذين لم يشملهم التحيين المستوجب على القوائم و لا نزاع مقرر بشأنهم ويرجع ذلك ان الاختيار لم يقع على اعتبار جمع الامضاءات حملة و يقع تقنينها على غرار ما قد نجد ببعض الأنظمة القانونية الأخرى التي تنظم حملة جمع الامضاءات من حيث المدة وهو اجل قد يطول او يقصر حسب السياسة التشريعية او السياسية بالأحرى أي حسب ما كان مراد واضع النص تسهيل او تعقيد ممارسة حق سحب الوكالة ففي ولاية اركنساس[67] يمنح القانون 90 يوما لجمع امضاءات سحب الوكالة من حاكم الولاية و لا يتعدى ذلك الاجل بضعة أيام في فينزويلا مثلا اين حدد المجلس الوطني الانتخابي 4 أيام لحملة جمع امضاءات لطلب سحب وكالة الرئيس الراحل هيغو شافيز سنة 2003 بما يعني انه بالنسبة لتونس يمكن ان يبدا كل ذي مصلحة بجمع الامضاءات منذ اليوم الموالي لإعلان النتائج الانتخابية في انتظار ان يصل لعدد المطلوب و يحين اجل تقديم مطلب السحب وهو امر غير منطقي لكن ممكن .
آثرت الهيئة عدم نشر جداول الاعداد المطلوبة لسحب وكالة النواب القابلة نيابتهم للسحب واكتفت بنشر طلب عبر عنوان ارساليات قصيرة مخصص للغرض لمعرفة العدد الأدنى المطلوب لسحب الوكالة وهو اختيار اخر قد يوحي بعدم تشجيع الهيئة لممارسة ذلك الحق و الأخطر من ذلك اشكال الشفافية الذي يطرحه هذا الاختيار خاصة في ظل عدم استقلالية الهيئة الهيكلية التي اثرناها في الجزء الأول ن هذا المقال اذا ان الفصل 39 مكرر جديد من القانون الأساسي 16/2014 حدد العدد الأدنى لمبادرة السحب بنسبة عٌشٌر النّاخبين المسجّلين بالدّائرة الانتخابيّة التي ترشّح بها النّائب المعني إلى الإدارة الفرعيّة للانتخابات المختصّة ترابيّا وكان من الاجدر منطقا وقانون تحديد النسبة من عدد الناخبين في الانتخابات الأخيرة خاصة مع نسبة الاقبال الضعيفة التي تشهدها انتخابات ما بعد 25 جويلية 2021 بما يجعل تحديد النسبة من عدد الناخبين المسجلين اختيار تشديد باعتبار ان هناك دوائر انتخابية سيكون عدد المبادرين بالسحب فيها اكثر من عدد الناخبين الأصليين للعضو المعني و في القوانين المقارنة تختلف اختيارات المشرعين ففيهم من يحدد عددا ادنى معين و منهم من يعين نسبة من عدد الناخبين في اخر انتخابات كما هو الحال مثلا في ولاية كاليفورنيا الامريكية حيث يشترط للمبادرة بسحب ولاية حاكم الولاية توفر امضاءات 12 في المائة من عدد الناخبين في اخر انتخابات لحاكم الولاية وهو ما يختره الرئيس قيس سعيد الذي اثر النسج على منوال قانون سحب الوكالة من نواب البرلمان البريطاني لسنة 2015 الذي يوجب في قسمه 14 ان يكون عدد امضاءات المبادرين او طالبي السحب لمجلس النواب عشرة في المائة من عدد الناخبين في الدائرة الانتخابية مع فرق في الحيز الزمني اذ يشترط ذلك القانون ان يتم ذلك في 6 أسابيع
في نفس السياق أي عدم تسهيل إجراءات السحب فقد نشرت الهيئة انموذجا لطلب سحب وكالة الا انها لم تنشر انموذجا لعريضة سحب وكالة و حتى ان اشارت الى عريضة السحب بمطلب السحب و تصريح اطلاع طالب السحب عليها فكان من الاجدر ان ينص المطلب على حصول طالب السحب على نسخة من عريضة السحب ذلك ان الاكتفاء بعنوان الشرط لا يعني بالضرورة التوافق على الوقائع و المآخذ التي يتأسس عليها مواقف الطالبين بما قد يخلق اشكالا لاحقا في كون طالب السحب قد يكون موافقا على الشرط المستند اليه لكن ليس بالصورة و التفصيل و التعليل الوارد بعريضة السحب بما يوهن التناسق و التنسيق بين طالبي السحب وبالتالي التعبير عن الإرادة الحقيقية للناخب هدف كل تصويت .
لم ينصص كذلك بمطلب السحب على ممثل طالبي السحب و الحال ان الامر يتعلق بوكالة لاتمام إجراءات السحب و لا يمكن ان يكون الوكيل مجهولا او افتراض معرفة الموكل به فضلا عما سينتج عن ذلك من إشكاليات في حالة تنازع على ممثل الساحبين ضرورة ان عريضة الطعن تكون ممضاة من قبل عشر الناخبين المسجلين بالدائرة الانتخابية المعنية [68] وانه لا يمكن الرجوع في طلب سحب الوكالة حتى ان كانت الهيئة تتولى التعريف بالإمضاءات والتثبت من صحتها عبر ارساليات توجّه للممضين، لإعلامهم بقيامهم بالإمضاء على عريضة سحب الوكالة من النائب المعني وتلقي اعتراضاتهم عند الاقتضاء.
يلاحظ كذلك ان لا القانون الأساسي ولا قرار الهيئة يشير الى مؤيدات العريضة والحال انها واجبة التعليل وبالتالي من المنطقي ان تكون مؤيداتها موجودة ضمن الوثائق التي تقدم بالمطلب كما لم يبين بأنموذج مطلب السحب ان رقم الهاتف المطلوب هو رقم هاتف جوال وان كان ذلك بديهيا.
تمظهر التضييق في حق طلب سحب الوكالة في حصر اجال ممارسة إجراءات السحب اذ وفقا للفصل 39 جديد فقرة أخيرة من القانون الأساسي عدد16 لسنة 2014 مثلما وقع تنقيحه بالمرسوم الرئاسي 55/2022 ” ولا يمكن سحب الوكالة قبل انقضاء الدّورة النّيابيّة الأولى أو خلال الأشهر الستّة الأخيرة من المدّة النّيابيّة. كما لا يمكن تقديم عريضة سحب الوكالة من النّائب إلا مرّة واحدة طيلة المدّة النّيابيّة.”
يعطي النص هدنة وجوبية او ما يشبه فترة تجربة او الهدنة في الدورة النيابية الأولى وهو ما يمكن تفسيره بمحاولة التوقي من ممارسة حق السحب كرد فعل على نتائج الانتخابات والتعسف بالتالي في حق السحب الا ان هذا التحليل قد يجد حدوده في كون هذا القيد على حق السحب يلغيه تماما وكان بالإمكان التشدد في شروط السحب طيلة تلك الفترة عوضا عن الغائه نهائيا بما يمثل ذلك من جواز إتيان النائب تلك الفترة ما قد يمس بأمانة ونزاهة نيابته دون أي حق للموكلين في سحب وكالتهم ونجد أنظمة قانونية تبنت سحب الوكالة دون أي تحديد في زمن الممارسة وهو ما يبدو اقرب للمنطق ففي دستور ولاية واشنطن الامريكية مثلا يمكن ممارسة حق سحب الوكالة في أي وقت من بداية الوكالة الانتخابية الى نهايتها[69].
اما بالنسبة لعدم جواز الوكالة في الستة أشهر الأخيرة فيبدو الامر منطقيا نظرا للحيز الزمني الذي يتطلبه الاعداد للتصويت على سحب الوكالة ان قبل المطلب وصدور احكام قضائية في الغرض وان كان سيوفر فرصة للنواب لإتيان الزبونة و بدء حملاتهم الانتخابية او حملات كتلهم او احزابهم طيلة تلك الفترة رغم تضارب ذلك مع واجب النزاهة في أداء المهام او إمكانية ان يمثل ذلك تقصير بين في أداء واجبهم في منأى من طلبات السحب
اما في ما يخص الحد المتعلق بعدد المرات الممكنة لممارسة حق السحب فقد حدد الفصل39 جديد المذكور عددها بمرة واحدة وقد بين الفصل 5 من قرار الهيئة عدد لسنة 2024 ذلك :” لا يجوز تقديم عريضة سحب الوكالة من أحد أعضاء المجالس المنتخبة الاّ مرّة واحدة طيلة المدّة النيابيّة شريطة أن تكون العريضة قد استوفت كافة اجراءاتها الشكلية والقانونية وعرضت على تصويت الناخبين دون أن تتم الموافقة عليها، ولا يتم احتساب العرائض التي لم تستوف شروطها القانونية ولم تعرض على الاقتراع.” ومن الواضح ان الهيئة قلصت من حدة ذلك الحد لممارسة حق السحب بعدم احتساب العرائض التي لم تعرض على الاقتراع حتى وان كان الحل يبقى غامضا في صورة الرفض شكلا وعدم الاقتراع وجواز إعادة طلب السحب على أساس نفس الأسباب من جهة فانه من جهة أخرى يبقي المجال واسعا لنقد ذلك التضييق والامر يتعلق بالاقتراع الذي لا يفضي الى سحب الوكالة لان الاقتراع المفضي لسحب الوكالة لا يطرح إمكانية لممارسة حق السحب مرة أخرى. الاقتراع الذي لا يفضي الى سحب الوكالة لا يتطلب الا مشاركة العدد الأدنى من الناخبين المسجلين أي عشرهم لامضاء العريضة و عليه فان عشر الناخبين بإمكانهم حرمان التسعة اعشار الاخرين من حق ممارسة سحب الوكالة اذا طرأت وقائع او أسباب جديدة تبرر طلب سحب الوكالة سواء بالنسبة للتسعة اعشار من الناخبين او حتى العشر طالبي السحب في المرة الأولى التي أدى الاقتراع فيها الى عدم سحب الوكالة بما يعني اننا يمكن ان نصل الى حالة اجماع الناخبين المسجلين على سحب الوكالة من النائب الا انهم لا يستطيعون فعل شيء لسبق الاقتراع على سحب الوكالة و يمكن تصور حتى افتعال النائب لمطالب سحب تنتهي بالتصويت على رفض السحب ليتمتع بحصانة من السحب طيلة بقية المدة النيابية بينما هناك من الأنظمة من يحدد مدة معينة يمكن بعدها ممارسة حق السحب ففي بوليفيا مثلا لا يجيز الدستور طلب سحب الوكالة الا بعد مرور نصف المدة النيابية[70].
تحديد ممارسة سحب الوكالة بمرة واحدة في صورة الاقتراع و علاوة على ما يمثله تناقض صارخ بين المبدأ و التطبيق فانه يقوض الأسس النظرية و غايات المشرع من إقرار سحب الوكالة باعتبار ان المبدأ سيكون غير مطبق والحال ان الأسباب الملجأة اليه متوفرة و الأنكى من ذلك فان الأسباب الجديدة التي قد تجعل الناخب في حاجة لسحب الوكالة هي منطقا جدية اكثر من الأسباب التي وقع الاقتراع فيها على سحب الوكالة و مجرد عدم سحب الوكالة عن طريق الاقتراع تجعل من الديمقراطية التمثيلية مرة أخرى مطلقة و تصبح النصوص الموضوعة لتأطيرها و الحد منها مكرسة لإطلاقتيها و الضرر الذي يدعي المشرع اجتنابه ممكنا بل مشروعا و ما شرع للتوقي من التعسف يستحيل الى تعسف وتكريس له ويمكن حتى تصور سعي النائب نفسه الى تنظيم تصويت على سحب نيابته مضمون النتيجة أي الرفض لتمتع بحصانة بقية مدة وكالته وقد اختارت قلة من الدساتير حصر طلب سحب النائب في مرة واحدة على غرار دستور الاكوادور[71] و فينزويلا[72] .
بعيدا عن التناقض في اختيارات المشرع التي في الأخير قد نعتبرها تهم جدوى النص يلاحظ تناقضا بين النصوص التي يفترض تناسقها ذلك ان الفصل 39 جديد من القانون الاساسي16/2014 كما وقع تنقيحه بالمرسوم 22/2022 يقتضي ” ولا يمكن سحب الوكالة قبل انقضاء الدّورة النّيابيّة الأولى أو خلال الأشهر الستّة الأخيرة من المدّة النّيابيّة. كما لا يمكن تقديم عريضة سحب الوكالة من النّائب إلا مرّة واحدة طيلة المدّة النّيابيّة.” و اختيار الحيز الزمني لكل شرط لا يتعارض و طبيعة المدة النيابية و تقسيمها بالنسبة لأعضاء مجلس النواب و المجالس البلدية ان انتهت طبعا إرادة رئيس الدولة الى تنظيم انتخابات بلدية الا ان ذلك الحيز الزمني لا يتوافق و طبيعة المدة الزمنية لوكالة أعضاء المجالس المحلية و الجهوية ومجالس الأقاليم و المجلس الوطني للجهات والاقاليم اذ ان أعضاء المجالس المحلية وان كانوا ينتخبون انتخابا مباشرا يضاف اليهم من يشاركون في القرعة من ذوي الإعاقة فان أعضاء المجلس المحلي انفسهم سيصبحون أعضاء مجلس جهوي حسب الفصل 21 من المرسوم عدد10 لسنة 2023 ” يتمّ تنظيم قرعة بين الأعضاء المنتخبين بالمجلس المحلّي لعضويّة المجلس الجهوي تحت إشراف الهيئة.” وأضاف الفصل 22 ” يقع التناوب لعضويّة المجلس الجهوي بين الأعضاء المنتخبين بالمجالس المحلّية، بالقرعة كلّ ثلاثة أشهر.” فكيف والحالة تلك احتساب المدة النيابية الأولى لأعضاء المجالس المحلية او الجهوية هي هي ثلاثة اشهر الأولى كعضو محلي و الثلاثة اشهر الأولى كعضو جهوي ام ثلاثة اشهر الأولى مهما كان المجلس؟ وبالنسبة للستة اشهر الأخير هل تعني فترتي المناوبة الأخيرتين لكل عضو ام فترة المناوبة الموافقة للستة اشهر الأخيرة من العهدة النيابية للمجلس برمته؟ وكيف يتم احتساب العدد الأدنى لطلب السحب لذوي الإعاقة الذين تحصلوا على العضوية بالقرعة؟ تزداد الأسئلة تعقيدا اذا ما اعتبرنا الفصل 23 من ذات المرسوم الرئاسي” يُشترط في الترشّح لعضويّة مجلس الإقليم أن يكون المترشّح عضوا في المجالس الجهويّة الراجعة بالنّظر ترابيّا للإقليم المعني.” فيما ينص الفصل 25″ يُشترط في الترشّح لعضويّة المجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم أن يكون المترشّح إمّا عضوا في المجلس الجهوي أو في مجلس الإقليم المعني.” تطرح نفس الأسئلة السابقة في مختلف الحالات ويمكن ان تطرح أسئلة أخرى على غرار صورة سبق التصويت على سحب وكالة نائب كعضو مجلس معين و لم يقع سحب الوكالة فهل يمكن إعادة طلب سحب وكالته في مجلس اخر يرجع او ينتقل اليه ذلك العضو؟ طبعا عدم تخصيص تلك المجالس بقواعد تحترم خصوصيتها يدعم الراي القائل بصورية آلية تكريس سحب الوكالة من تلك المجالس.
2.2 المراقبة والتصويت على سحب الوكالة
قبل فترة التصويت وبعد ايداع المطلب بالدائرة الانتخابية المختصة ترابيا تتولى هيئة الانتخابات اجراء مراقبة شكلية تتخذ على إثرها قرار ثم تقوم بإعلام المعني بالأمر
اقتضى الفصل 8 من القرار 281/2024 ” تولى الهيئة دراسة محتوى عريضة سحب الوكالة والتثبت من مدى استيفائها الشروط القانونيّة الشكليّة التالية:
– توفر صفة الناخب الممضي على العريضة
– تسجيل طالب سحب الوكالة بالدائرة الانتخابيّة المعنيّة.
-تعليل عريضة السحب،
– عدم وجود تكرار لإمضاءات الناخبين.
– توفر العدد الأدنى المشترط لطالبي سحب الوكالة.
ويمكن للهيئة ان تمكن طالبي سحب الوكالة من تصحيح بعض الاخلالات وتدارك النقص في عدد الامضاءات في اجل أقصاه ثلاثون يوما من تاريخ النظر في مطالب سحب الوكالة.”
والملاحظ ان تلك الشروط مبدئيا واضحة وان كان شرط تعليل عريضة السحب قد يوحي بمراقبة موضوعية لا شكلية و الاجدر كان استعمال صياغة :” وجود تعليل بعريضة السحب ” فقد تذهب الهيئة الى ان اقتضاب التعليل او عدم تناوله لكل الشروط المثارة غيابا للتعليل كما كان من الممكن توضيح وتحديد زمن احتساب العدد الأدنى المشترك لطالبي سحب الوكالة باعتبار انه يقع اعتماد القوائم الانتخابية على الحالة التي هي عليها لكن متى عند تاريخ تقديم المطلب او عند المراقبة ذلك ان وجود مطلب سحب لا يوقف التسجيل و التشطيب على القائمة الانتخابية.
دائما في ما يخص دقة الإجراءات فان اجل تمكين طالبي سحب الوكالة من تصحيح او تدارك ينطلق منطقيا من تاريخ اعلامهم او دعوة الهيئة لهم لذلك و لا يقع احتسابه في اجل يحتسب من تاريخ النظر في مطالب السحب دون تقييد الهيئة باجل اعلام أي يمكن ان يخلق ذلك حالات تمييز او حتى تعسف و خروج عن الحياد المفترض نظريا في الهيئة اذا ان المساواة بين المواطنين في تطبيق القانون يقتضي ان يمنح الجميع اجلا متساويا لتدارك النقص او تصحيح الاخلالات ومع الاجل المذكور في الفصل 8 يمكن للهيئة ان تعلم طالبي السحب منذ اليوم الأول بما يوفر لهم اجلا متسعا و تحرم غيرهم من ذات الاجل بإعلامهم بعد أسبوع او أسبوعين او حتى اكثر من التعهد دون ان تكون قد خرقت الفصل 8 المذكور
في نفس السياق لا يجب ان يترك للهيئة مجال اخر للتمييز وعدم المساواة من خلال دعوة البعض لتصحيح جنس من الاخلالات و التغاضي عن ذلك للبعض الاخر فلفظ ” بعض ” المستعمل قد يمس بمبدأ المساواة المفترض بين طالبي السحب و اتجه اما تحديد الاخلالات القابلة لطلب التصحيح او اطلاق اللفظ أي عدم استعمال بعض لدعوة كل طالبي السحب لتصحيح كل الاخلالات و هو ما يفترض كذلك حذف ” ويمكن للهيئة ” الذي يمكنها من سلطة تقديرية تتعارض وشفافية الإجراءات ومبدا الشرعية الذي يقتضي ان تكون الإجراءات سابقة الوضع و تعويض ذلك بـ” وعلى الهيئة” .
بانتهاء فترة التصحيح كما نص على ذلك الفصل 9 “تقوم الهيئة بالبت في عريضة سحب الوكالة في أجل أقصاه 7 أيام وتتخذ قرارا بقبول العريضة أو رفضها شكلا دون الخوض في مدى توفر الشروط الأصليّة التي تبقى خاضعة لتقدير الناخبين ويكون قرار الرفض معلّلا.” ثم وكما جاء بالفصل 10 ” تعلم الهيئة النائب المعني بسحب الوكالة والمجلس النيابي الذي ينتمي اليه والممثل القانوني المعيّن في عريضة سحب الوكالة أو الذي قام بإيداعها بقرارها في ظرف 24 ساعة من تاريخ صدوره، كما تتولّى تعليقه بمقرّات الهيئة ونشره بموقعها الالكتروني.”
ويمكن بخصوص هذه الإجراءات السابقة للتصويت على سحب الوكالة تقديم ملاحظتين أولهما هو انه كان من الاجدر و الأنجع و حتى لحسن سير الإجراءات الانتخابية و القضائية احترام مبدا المواجهة قبل اصدار قرار القبول او الرفض شكلا أي انه من الأنجع اعلام النائب المعني بالسحب وتمكينه من الاطلاع على ملف المطلب وتمكينه من تقديم ما له من ملحوظات في ما يخص قبول العريضة شكلا قبل البت فيها لذلك الوجه من قبل الهيئة وهو ما سيوفر احترام لحق الدفاع و مبدا المواجهة وإثراء للنقاش القانوني قد يقلص من النزاعات اللاحقة او على الأقل يحدد نقاط النزاع القانوني قبل الطعن في قرار الهيئة.
اما الملاحظة الثانية التي يقتضيها النص فهو لئن كان واضحا و جليا ان قرار الهيئة لا يبت الا في الجانب الشكلي للعريضة الا ان نفس النص يجعل مناط المراقبة القضائية محل نقاش اذ يقرا” دون الخوض في مدى توفر الشروط الأصليّة التي تبقى خاضعة لتقدير الناخبين” علما ان الفصل 39 ثالثا من قانون 16/2014 لا يحصر مراقبة الهيئة في الجانب الشكلي على خلاف قرار الهيئة عدد281/2024 فهل يعني ذلك ان القضاء بمناسبة تعهده في الطعن في قرار الهيئة بالقبول او الرفض شكلا لن يتناول مسالة توفر الشروط الاصلية من عدمها والتعليل المقدم و المؤيدات المقدمة لإثبات وجودها ؟ بما يعني ان مسالة عدم التنصيص تقديم المؤيدات مع عريضة الطعن لم تكن مجانية ؟ ام هل كان مقصد الهيئة هو ان تبقى الشروط الاصلية خاضعة لتقدير طالبي السحب؟ لكن اللفظ المستعمل هو الناخبين أي ان القضاء بمناسبة النظر في الطعن في قرار الهيئة بقبول او رفض عريضة الطعن شكلا لا يمكن ان يتطرق الى مدى توفر شروط الطعن او مدى توفق الطالبين في تعليلها و اثباتها ؟ الرجوع للفصل 11 من القرار 281/2024 لا يوفر إجابة واضحة و صريحة اذ اقتضى :” يتم الطعن في قرار قبول أو رفض مطلب سحب الوكالة من قبل النائب المعني بمطلب سحب الوكالة أو الممثل القانوني لطالبي سحب الوكالة وفق نفس الشروط والإجراءات والآجال المنصوص عليها بالفصول من 27 الى 30 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء.” والذي كان موافقا للفصل 39 رابعا من القانون الأساسي عدد16/2014 الا ان الفصول 27 الى 30 المذكورة تهم نزاعات الترشح ولا يدخل ضمن اختصاص المحكمة المختصة فيها الا الشروط الشكلية للترشح لكن الوقوف عند ذلك يكون غير منطقي لان شروط الترشح لم ينصص بها على أسباب موضوعية كما هو الحال مع شروط سحب الوكالة من جهة ومن جهة أخرى ما فائدة تلك الشروط ان لم تخضع لمراقبة القضاء في وجودها وتعليلها ولماذا أصلا التعليل كشرط شكلي؟ ولماذا حرص النص على انابة وجوبية للمحامي في نزاعات طلب السحب ان كان الامر يتوقف على المراقبة الشكلية خاصة انه من غير المنطقي ان تقع مناقشة او مراقبة الشروط الاصلية ضمن نزاعات النتائج لما في ذلك من اهدار للطاقات والوقت ومخالفة للمنطق.
من جهة أخرى فالنصوص استعملت مصطلح “شروط” وهو ما يفترض مراقبة إدارية او قضائية لاحقة على غرار الشروط الشكلية وكان بالإمكان استعمال مصطلح” حالات ” وتجدر الإشارة ان القوانين المقارنة التي تشترط الشروط تضع نظام قانوني لمراقبة ما قبلية لتوفرها قبل التصويت الا تلك التي لا تضع شروط على غرار دستور ولاية كالفورنيا الامريكية [73]الذي لا يضع شروطا لطلب السحب انما يشترط فقط تعليلا يمكن من خلاله للنائب المعني ومن يسانده من الدفاع عن موقفهم و للناخبين تحديد الموقف من مبادرة السحب و يترك ذلك الدستور صراحة تقدير مدى جدية التعليل للناخبين مع العلم انه لا يمكن سحب التعليل.
سواء جرى العمل بمراقبة الشروط الاصلية بمناسبة نزاعات مطالب السحب وهو الأرجح نظرا لشبهة التوظيف ورغبة السيطرة على الإجراءات وتوظيفها سياسيا من طرف رئيس الجمهورية تحت عنوان تفادي التعسف في استعمال حق سحب الوكالة ام اتجه فقه القضاء الى الوقوف عند مراقبة الهيئة الشكلية فالأمر سيان نظرا لكون الهيئة كالقضاء لا تتمتع باستقلالية قرارها كما سبق وان ييننا.
حتى من خلال بقية إجراءات التصويت ونتائجه لا يعير النص أهمية لأسباب او الشروط الاصلية للسحب بما قد يفضح النية من إقرار الآلية مرة أخرى اذ نص الفصل 14 من القرار [74]عما يجب إعلانه عند التصريح بالنتائج ولم تتضمن البيانات الشروط او الأسباب التي دعت الى سحب الوكالة.
قد تبرز صورية تكريس مؤسسة سحب الوكالة من خلال اغفال النظام القائم تنظيم انتخابات في الدوائر الانتخابية التي لم تجري بها انتخابات تشريعية او محلية و التي كان من باب أولى و احرى تنظيمها منذ سنة للتشريعية واشهر للمجلس الجديد الا ان النظام يهتم بالتصويت على سحب الوكالة و الحال انه لم يؤمن تصويت على منحها في بعض الدوائر الانتخابية بما يفضح صورة تلك المجالس كذلك
يلاحظ كذلك طول الاجل الممنوح للهيئة للإعلان عن موعد التصويت إذ إقتضى الفصل 12 من قرار الهيئة عدد281/2024:” تتولّى الهيئة في أجل لا يتجاوز الستين يوما من تاريخ انقضاء آجال الطعن او من تاريخ صدور حكم بات في شأنها ضبط روزنامة عملية التصويت بالموافقة أو الرفض على سحب الوكالة من النائب المعني بمقتضى قرار تحدد فيه موعد تصويت الناخبين عليها في الدائرة المعنية ويقع نشره بالموقع الالكتروني للهيئة.” فستين يوما اجل ممتد وغير مبرر بالنسبة للأعداد اللوجيستي لانتخابات مجلس محلي، او جهوي او مجلس إقليم او بلدي وربما كان من الاصوب التفرقة بين الآجال حسب المجالس الذي ينتمي اليها الأعضاء المعنيون بالسحب و الفصل يخل كذلك بمبدأ توازي الشكليات بالنسبة للدعوة للتصويت على سحب عضو مجلس نواب و نشر تلك الدعوة التي يكون من الأنسب نشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية لكون الناخبين من غير الطالبين لن يكونوا بالضرورة على اطلاع متواصل على موقع الهيئة بما يرجعنا مرة أخرى لفكرة عدم تسهيل إجراءات السحب.
قد يطرح سؤال نظري في علاقة بالتصويت وهو هل يمكن اعتبار التصويت على سحب الوكالة استفتاء على معنى القانون 16/2014 وبصرف النظر عن عدم الأهمية التطبيقية للسؤال الا اذا طرح اشكال تطبيقي لم يوضحه القانون المذكور او قرار الهيئة عدد281/2024 طبعا لا يمكن اعمال القياس في المسائل الإجرائية و المشرع و الهيئة كان بإمكانها ان تعرف التصويت على السحب كاستفتاء او تحيل الى احكامه وهو ما لم تفعل الا جزئيا فقد اقتضى الفصل 21 من قرار الهيئة :” تسري القواعد المضمنة بالقانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 والمتعلّق بالانتخابات والاستفتاء وخاصّة تلك المتعلقة بالحملة الانتخابية والاقتراع والفرز والاعلان عن النتائج على سحب الوكالة.”
فيما يخص التصويت يعرف الفصل 18 من القرار 281 /2024 الأغلبية المطلقة المطلوبة للسحب وهي النصف زائد من المقترعين لكنه لا يضع أي حل للفرضية النظرية الصعبة التحقق واقعا لكنها ممكنة وهي تساوي عدد المقترعين بما يعني انه في تلك الصورة لن يقع سحب الوكالة وهو ما يتناقض مع الأساس النظري وإقرار سحب الوكالة أي ان تواصل وكالة النائب لن تؤسس على ثقة اغلبية الناخبين، بل على عدم اتفاق الأغلبية على سحب الوكالة خاصة اذا كان عدد طالبي السحب يفوق عدد الناخبين الذين انتخبوه في الانتخابات الاصلية ونجد في القوانين المقارنة تضييق في ما يخص قبول السحب وعدد المشاركين ففي البيرو يشترط لسحب الوكالة من المجلس البلدي مشاركة نصف الناخبين على الأقل وفي ليتوانيا لا يقع سحب وكالة نواب البرلمان الا بأغلبية معززة أي ثلثي عدد الناخبين في اخر انتخابات برلمانية [75] ولم تتجه إرادة الرئيس قيس سعيد الى مزيد التضييق في ممارسة حق السحب باعتبار ان اشتراط نسبة مشاركة في واقع ضعف تاريخي في نسب المشاركة في الانتخابات ما بعد21 جويلية 2021 سيصبح بمثابة الشرط التعجيزي بما يفضح صورة تكريس الية السحب ثم انه لا يحتاج الى مثل ذلك التضييق طالما تحكم في مراقبة الشروط أي لن يقع التصويت الى على طلب سحب مزكى واقعيا منه بعدم العرقلة في إجراءات ما قبل التصويت كما لا يجب السهو ان الدعوة للانتخابات الجزئية تتم في شكل امر حسب الفصل 39 خامسا بالنسبة لاعضاء مجلس نواب الشعب و بقية المجالس بصريح المرسوم الرئاسي عدد10 لسنة 2022 ومن النافل التذكير ان الامر رئاسي و بالتالي حتى ان خرج مطلب السحب عن السيطرة يمكن ان يتنع رئيس الجمهورية عن اصدار امر الدعوة الى الانتخابات الجزئية خاصة انه له سوابق مع قوانين رفض امضائها رغم سلامة إجراءاتها و عدم اختصاصه و عدم دستورية رفضه.
يعتبر الفصل 18″ المقعد النيابي شاغرا من تاريخ اعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج النهائية للتصويت ويفقد النائب صفة العضوية في المجلس المعني تبعا لذلك مباشرة. ” فيما ينص الفصل 19 على ” يتولى المجلس النيابي حالا وبمجرد نشر القرار النهائي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات معاينة حالة الشغور في مقعد النائب المعني صلب محضر يحيله فورا الى الهيئة.”
وان كان نظريا تاريخ الإعلان على معنى الفصل 18 هو ذاته مبدئيا تاريخ نشر القرار على معنى الفصل 19 الا ان عدم تزامن الإعلان مع النشر قد يخلق بعض الإشكاليات خاصة في مسائل إجرائية كالتمتع بالحصانة او غيرها مما يتمتع به نواب بعض المجالس او رؤساؤها خاصة ان الامر قد يتحدد بالساعات او حتى اقل كذلك يمكن ان نتساءل حول فرضية عدم معاينة المجلس النيابي المعني لحالة الشغور لسبب اجرائي او حتى رفضا لنتائج التصويت او تماطل في إحالة محضر معاينة الشغور للهيئة الم يكن من الاجدر ان تتولى الهيئة اعلام المجلس النيابي المعني مباشرة بنتيجة التصويت و طلب اعلان الشغور شكلا و في الان ذاته الإعلان عن رزنامة الانتخابات الجزئية وتذهب بعض الأنظمة القانونية الى حد دمج التصويت على سحب الوكالة مع انتخابات جزئية مبكرة مثل ما هو الامر في ولايتي كاليفورنيا [76]و كولورادو [77]اين يمكن ان يفتح باب الترشح بالموازاة مع اعلان التصويت على سحب الترشح ويمكن لمن تتوفر فيهم الشروط العادية الترشح للانتخابات الجزئية المبكرة ضد النائب المعني بالتصويت على السحب و يصبح هناك سؤالين عند التصويت أولهما هل توافق على سحب النيابة من النائب فلان و ثانيهما من المترشحين تنتخب لسد الشغور ان وقع سحب النيابة . و الحل على طرافته باعتبار انه سيصبح حق السحب اقرب الى حق طلب و اجراء انتخابات مبكرة الا انه لا يخلو من منافع ذلك انه سيجعل النائب على بينة اكثر من اثار السحب و الاختيارات الممكنة المتاحة وقد يعدل عن السحب لعدم وجود مرشح احسن او يعدل عن مساندة المعني بالسحب لوجود مرشح او برنامج احسن فضلا عما يثري ذلك النقاش في الحملة و الاهتمام الذي سيثيره بما يرفع نسب المشاركين.
بالنسبة للانتخابات الجزئية لأعضاء المجلس الجهوي المعينين بالقرعة من ذوي الإعاقة كيف ستكون الانتخابات الجزئية والحال انهم تحصلوا على صفة العضو بالقرعة مرة أخرى نجد أنفسنا امام الاخلال بمبدأ توازي الإجراءات.
أخيرا يتجه الإشارة الى اثر اخر للتصويت على سحب الوكالة وهو منع النائب المسحوب وكالته من الترشح للانتخابات الجزئية المبكرة لسد شغور عضويته وهو منع لم يرد بالقانون الأساسي عدد16لسنة 2014 انما اقره قرار هيئة الانتخابات عدد281 لسنة 2024 في فصله واذا ما تجاوزنا مسالة اختصاص الهيئة و شرعية المنع دستوريا و قانونيا قد يصعب قبول الحل منطقا اذ طالما ان النائب المسحوب وكالته قد اتى ما يوجب ذلك السحب فلا أساس قانوني لتمديد في العقوبة لمدة نيابية أخرى ضرورة انه من المفترض انه لا ضرر للمصلحة العامة ان قدم برنامجا جديدا حاز على ثقة و مساندة اغلبية الناخبين لان سحبه كان على أساس سلوك معين و العهدة الجديدة من المفترض نظريا على الأقل انها تقوم على ثقة جديدة او عقد جديد مع ترك القرار للناخبين أصحاب الوكالة في تجديد الثقة فيه من عدمه خاصة ان كانت نسبة المشاركة في السحب ضعيفة فضلا عن فرضية ان يكون ذلك المترشح الأقل سوءا من المترشحين الجدد و تجيز بعض الأنظمة إعادة ترشح النائب المسحوب وكالته في انتخابات تعويضه على غرار كينيا [78] ويمكن الإشارة كذلك الى الحالات التي يعمد فيها النواب المطلوب سحب وكالتهم او المزمع طلب سحب وكالتهم الاستقالة لتفادي التصويت بالموافقة على السحب فهل يمكن لهم إعادة الترشح في الانتخابات الجزئية لسد شغور منصبهم مبدئيا لا يوجد مانع بالنسبة لعضو مجلس النواب في تونس من إعادة الترشح الا ان الامر يختلف بالنسبة لبقية المجالس و كان بالإمكان ان ينتبه المشرع لتلك الحالة كما فعل المشرعون في كولومبيا[79] و بيليز[80] اين يمنع النائب المستقيل بعد بداية حملة جمع الامضاءات من المشاركة في انتخابات سد شغور مقعده.
خلاصة
تكريس آلية سحب الوكالة الشعبي من أعضاء المجالس المنتخبة في تونس كان في شكل استثناء لا مبدا مترتب عن ممارسة حق الانتخاب و لم يؤطر كآلية تعديل للديمقراطية التمثيلية اهم مؤسسة منتخبة من حيث أهمية الصلاحيات و الممارسة الفعلية للسلطة وهي رئاسة الجمهورية في دستور يجعل من رئيس الجمهورية محرك النظام السياسي و المحاسب الذي لا يحاسب و نصوص تزيد من ذلك النفوذ لتكرس هيمنة واقعية إضافية تلغي صفة المؤسسات المستقلة عن هيئات بخطورة هيئة الانتخابات و القضاء و ممارسة للسلطة تشظي و تعتدي على هامش الحريات و الحقوق لبقية المؤسسات بما يهمش تكريس الية السحب و يجعل منها عنوان لخدمة سردية الرئيس السياسية حول البناء القاعدي دون أي فاعلية بل يمكن حتى توظيفها لتدعيم سلطة رئيس الجمهورية الذي يكون قد استرجع بيد فتات ما قدمه بيد أخرى كتجسيد لسيادة الشعب وهو ما يتبين من دراسة النظام القانوني و الشروط الفضفاضة و الإجراءات الغير دقيقة والمتسرعة و التي قد يفهم منها ان سحب الوكالة هو ابغض المشروع في نظام الحكم الحالي ان لم يكن فرصة أخرى لمصادرة هامش القرار و الاستقلالية للمجالس النيابية المصادرة بالنصوص أصلا وهو ما يحيل الى فكرة الصورية و الايهام أي طبخة الحصى .
[1] هناك أنظمة قانونية اختارت ان يكون سحب الوكالة مؤسساتي وهناك من تتبنى سحب الوكالة الشعبي والمؤسساتي كدستور لينشتنشتاين او نظام مختلط اين تكون المبادرة مشتركة كولاية ايلينوي بالولايات المتحدة.
[2] جون جاك روسو . “حول العقد الاجتماعي “1762 الكتاب الثالث المحور V . مؤلف باللغة الفرنسية .
[3] يراجع حول المسالة :باير إتيان فاندام ” Le pouvoir de révoquer les élus” منشور بنشرية Esprit عدد478 بتاريخ أكتوبر 2021.
[4] لاندر / بافيار / رنياني بلاتينات /بادويرتنبرغ/ براندبورغ/ برلين/ برام . و مقال شارل ادوارد سيناك ” la révocation populaire des élus anotomie d’une institution démocratique” منشورة بمجموعة اهمال مهداة الى فيليب لافروا باشراف تانغي باسكيا بريون دار نشر بانتيون أساس 2020.
[5] بارن / لوكارن / اوري صولور / شافهاوس / ترقوفي /تيسان .
[6] ذهبت منظمة بوصلة في هذا الاتجاه في ورقة تحليلية صادرة عنها بتاريخ 19 سبتمبر 2022 وانتهت الى ان القانون الانتخابي يؤسس “يؤسّس لمجلس نيابي رجالي من أصحاب الأموال والولاءات القبلية و برلمان اعرج نظرا لمساوئ سحب الوكالة التي وصفتها بوسيلة ابتزاز جديدة للنواب https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20225342
[7] Y.WELP مقال « Recall referundums in peruvian municipalities : apolitical weapon for bad losers or instrument of accountability ” منشور بنشرية Democratization لسنة 2016 مجلد23.
[8] مقترح قانون دستوري عدد 4863 اودع لدى الجمعية العامة بتاريخ 01 ديسمبر 2021 رفض في جانفي 2022 .
[9] حكمت المحكمة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب بثبوت خرق الدولة التونسية لحق الفرد في المشاركة في إدارة الشأن العام لبلده بخرق الفصل 80 من دستور 2014 و اصدار الأوامر الرئاسية وخاصة عدد117/2021 التي امرت بإلغائهافي قرارها عدد017/2021 إبراهيم بلغيث ضد الدولة التونسية بتاريخ 22/09/2022 .
[10] على الأقل بالنسبة للإجراءات السابقة للتصويت على السحب التي يمكن تكييفها باستفتاء
[11] يراجع حول الوضعية الحقيقة بيان الهيئة الوطنية للمحامين بتاريخ20 مارس 2024 و تقرير منظمة تقاطع من اجل الحقوق و الحريات “ اخر أيام الحرية : تقرير سنوي حول انتهاكات حقوق الانسان في تونس لسنة 2023 .”فيفري 2024 والتقرير السنوي لحقوق الانسان للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان افريل 2024.
[12] يعتبر حق الفرد في المشاركة في الشؤون العامة لبلده من حقوق الانسان المكرسة في المواد1.21 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان و 5.21 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و 1.13 من الميثاق الافريقي لحقوق الانسان و الشعوب
[13] استنتاج لجنة البندقية كان واضحا وهو عدم تطابق المرسوم 22/2022 مع الدستور و القوانين الداخلية و المعايير الدولية بل حتى الامر 117/2021 نفسه ( فقرة 71 صفحة 18 ) بل وذهبت الى حد ان الغاء او تعديل المرسوم 22/2022 هو شرط اساسي لمشروعية ومصداقية اية انتخابات او استفتاء ( فقرة 75 صفحة 19 ).
[14] من 9 أعضاء جسب الفصل 126 من الدستور الى 7 أعضاء
[15] من 6 سنوات الى 4
[16] ورد بالفصل 5 جديد من ان تعيين اعضاء الهيئة يكون بامر رئاسي بعد ان كانوا ينتخبون من ممثلي نواب الشعب وفق اجراءات مضبوطة
[17] الفصل 5 جديد
[18] الفصل 6 جديد كان رئيس الهيئة ينتخب من مجلس نواب الشعب
[19] الفصل 15 جديد رئيس الجمهورية يقبل طلبات الاعفاء و يبت فيها وهو اختصاص كان لمجلس نواب الشعب
[20] الفصل 14 فقرة أولى جديد
[21] ورد بالفصل 8 جديد من كون رئيس الهيئة هو من يختار نائب الرئيس و الناطق الرسمي بعد ان كان نائب الرئيس و الخطط داخل الهيئة توزع عن طريق الاقتراع بين اعضاء الهيئة كما ورد بالفصل 25 جديد من ان رئيس الهيئة هو من يعين المدير التنفيذي للهيئة و هو من يعزله بعد ان كانت هذه الصلاحيات موكولة الى اغلبية مجلس الهيئة .
[22] على سبيل المثال فقه قضاء المحكمة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب بالقرار 01/2014 الحركة من اجل حماية حقوق الانسان ضد جمهورية ساحل العاج بتاريخ 18 نوفمبر 2016 (RJCA1697) فقرة 125 والقرار 59/2019 ايكس ايقراق زاد ضد جمهورية البنين صفحة 28 فقرة 124.
[23] يراجع حول الاحكام التمييزية مقال ” BINATIONAUX OU MI-NATIONAUX” إبراهيم بلغيث منشور بالنسخة الالكترونية لمجلة Journal de dimanche Tunisie ” https://jdd-tunisie.com/fr/binationaux-ou-mi-nationaux/ وموقع Pont de Genève
[24] بموجب الامر الرئاسي عدد 525 /2023 بتاريخ07 جويلية 2023 اعفى قيس سعيد عضو الهيئة ماهر الجديدي الذي انتقد علنا عدم احترام صلاحيات الهيئة وقبله سامي بن سلامة الذي اعلن عن اعفاءه من قبل الهيئة قبل احالته على التحقيق من اجل الخيانة الموصوفة .
[25] هذا المرسوم موضوع قضية امام المحكمة الافريقية لحقوق الانسان و الشعوب عدد002 /2022 إبراهيم بلغيث ضد الدولة التونسية من اجل خروقات حقوق الانسان وقد اتخذت المحكمة قرار انهاء الإجراءات الكتابية في انتظار التصريح بالحكم
[26] الفصل الأول من المرسوم
[27] الفصل الأول من المرسوم على خلاف ما نص عليه الفصل131 من الدستور والفصل الأول من القانون الأساسي 34/2016
[28] اقتصرت مهمة المجلس حسب المرسوم الرئاسي 11/2022 على الاشراف على الاقضية الثلاثة التي يتكون منها المجلس والحال انه كان يتكون من أربعة هياكل
[29] ابداء الراي لم يعد وجوبيا كما هو الحال مع القانون الأساسي 34/2016 والفصل 114 من الدستور
[30] الفصول 3و 4 و5 من مرسوم 11/2022
[31] الفصل 7 من المرسوم في خرق للفصل 112 من الدستور والفصل 32 من القانون الأساسي 34/2016
[32] الفصل 8 من المرسوم في خرق للفصل41 من القانون الأساسي 34/2016
[33] الفصل 13 من المرسوم في خرق للفصل 114 من الدستور الذي يوجب تقرير سنوي يبلغ الى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة و رئيس مجلس النواب
[34] الفصل 34 نمن القانون الأساسي 34/2016
[35] الفصل 15 من المرسوم في خرق للفصل 106 من الدستور و الفصل 55 من القانون الأساسي 34/2016
[36] الفصل 16 من المرسوم
[37] الفصل 19 من المرسوم
[38] الفصل 30 من المرسوم 11/2022
[39] وقع اللجوء الى هذه الالية بعد 2011 في مناسبتان من طرف وزراء العدل العميد الازهر القروي الشابي سنة 2011 و نورالدين البحيري في 2013
[40] يراجع تقرير اللجنة الدولية للحقوقيين :” الاعتداءات على القضاة و أعضاء النيابة العمومية في تونس : إعفاءات وملاحقات جنائية تعسفية ” ديسمبر 2023
[41] الفصل 21 كتاب الأول من دستور كولورادو والفصل 13 فقرة12 من دستور ويسكنسون
[42] الفصل 61 من دستور الأكوادور
[43] الفصل 2.34 من الدستور الألماني لسنة 1919
[44]الفصل 06 من دستور النمسا
[45] الفصل 11 من دستور آيسلاندا
[46] الفصل 89 فقرة 3 من دستور مولدافيا
[47] الفصل 95 فقرة 3 من دستور رومانيا
[48] الفصل 106 من دستور سلوفاكيا
[49] الجزء الثالث من قانون السحب والمبادرة لمقاطعة كولومبيا البريطانية الكندية لسنة 1995
[50] حول المجالس المحلية يراجع مثلا :” مكانة المجالس المحلية في المشهد المؤسساتي التونسي ” ورقة معدة من منظمة مراقبون و منظمة “democracy reporting international ” https://democracyreporting.s3.eu-central-1.amazonaws.com/images/660ed0db1cf69.pdf
[51] يراجع بخصوص تفييم أداء مجلس نواب الشعب تقرير منظمة انا يقظ : سنة على تركيزمجلس النواب :وظيفة تشريعية تعيش في جلباب الرئيس https://www.iwatch.tn/ar/uploads/RAPCOMP.pdf
[52] Charité bien ordonnée commence par soit même
[53] الفصول من 39 الى 39 سابعا .
[54] ربما كان ذلك بمنطق نائبه كهو او ان الهيئة امتداد لرئيس الجمهورية التي يعين و يعزل أعضائها دون أي قواعد موضوعية مسبقة
[55] حتى بالنظر الى القانون الأساسي عدد23 لسنة 2012 الذي ينظم الهيئة رغم تنقيحه بالمرسوم الرئاسي عدد22لسنة 2022 رغم تعداد فصله 3 لما يقارب 20 اختصاص للهيئة
[56] يراجع مثلا تصريحاته بخصوص لجنة الصلح الجزائي من ذلك ما صرح به عند الاجتماع بتلك اللجنة في 20 جوان 2023 منشور بصفحة رئاسة الجمهورية على الفيس بوك https://www.facebook.com/watch/?v=999387581475997
[57] لا نعرف مدى وجاهة التمسك بهذا المبدا او انطباقه في ظل الفوضى القانونية التي تعرفها المنظومة القانونية في تونس منذ25 جويلية 2011
[58] المصادق عليه بتاريخ 28 افريل 2023 من أعضاء ذلك المجلس
[59] من ذلك الفصل 103 او الفرع الخامس في حفظ النظام من الباب الثالث الفصول من 118 الى 121
[60] يمكن الاستئناس بما ورد بالفصل 14 رابعا الذي يعرف الخطا الفادح في مجلة الشغل
[61] عرف الفصل 3 من القانون الأساسي 14/2016 الحملة الانتخابية ب: ” هي مجموع الأنشطة التي يقوم بها المترشحون، أو القائمات المترشحة، أو مساندوهم أو الأحزاب خلال الفترة المحددة قانونا، للتعريف بالبرنامج الانتخابي أو البرنامج المتعلق بالاستفتاء باعتماد مختلف وسائل الدعاية والأساليب المتاحة قانونا قصد حث الناخبين على التصويت لفائدتهم يوم الاقتراع.”.
[62] يراجع قرار الهيئة غير المنشور الذي سمح باعتماد نموذجين لمطلب التزكية للانتخابات التشريعية ليوم17 ديسمبر 2022
[63] السلطة الترتيبية بقيت سلطة ولم تصبح وظيفة كبقية السلط في دستور قيس سعيد ربما لكونها ليست للشعب بطبعها حسب تصور قيس سعيد و ينفرد رئيس الجمهورية بالسلطة الترتيبة العامة
[64]“تقدم عريضة سحب الوكالة إلى الإدارة الفرعيّة للانتخابات الراجعة لها بالنظر الدائرة الانتخابية المعنيّة مرفقة بمطالب سحب وكالة فرديّة ممضاة من قبل الناخبين المسجلين بالدائرة الانتخابية المعنيّة حسب اخر بيانات السجل الانتخابي وذلك وفقا للأنموذج المعد من الهيئة للغرض والمنشور بالموقع الالكتروني الخاصّ بها ويجب أن تكون العريضة معلّلة ومعرف عليها بالإمضاء امام السلط الإدارية أو أمام الهيئة.”
[65][65] الفصل 7 من القرار 25 لسنة 2022 بتاريخ 26 سبتمبر 2022
[66] لم ينص قرار الهيئة عدد08 لسنة2023 صراحة على ذلك انما نصص على ذلك بموقع الهيئة و بنماذج التزكيات وبقية الوثائق
[67] دستور اركنساس لسنة 2014 فقرة 25-4324
[68] الفصل 4 من قرار الهيئة عدد281/2024
[69] الفصل الأول قسم 33 من دستور ولاية واشنطن الامريكية و لا يتعلق الامر بالعاصمة الفيدرالية .
[70] الفصل 240 فقرة 2 من دستور بوليفيا
[71] الفصل 105ففقرة2 دستور الاكوادور
[72] الفصل 72 فقرة ثانية من دستور فينيزولا
[73] الفصل 2 قسم14 فقرة 1 من دستور ولاية كاليفورنيا
[74] “تتولّى الهيئة الإعلان عن النتائج الأولية للتصويت على سحب الوكالة في أجل لا يتجاوز 48 ساعة من غلق مكاتب الاقتراع بالدائرة المعنية. ويتضمن الاعلان عن النتائج التنصيص وجوبا على:
عدد الناخبين المرسّمين بالدائرة المعنية،
عدد الناخبين الذين قاموا بالتصويت،
عدد أوراق التصويت البيضاء،
عدد أوراق التصويت الملغاة،
مجموع الأصوات التي تحصّلت عليها كلا الاجابتين نعم أو لا.
وتصرّح الهيئة بقبول عريضة سحب الوكالة في صورة تحصّل الاجابة ب”نعم” على أغلبية الأصوات المصرّح بها.”
[75] الفصل 14 من دستور ليتوانيا
[76] الفصل II قسم 15 فقرة 1و3 من دستور كاليفورنيا
[77] الفصل XXI قسم2 فقرات من 6الى 8 دستور كولورادو
[78] الفصل 47 فقرة 7 من قانون الانتخابات الكيني لسنة 2011 .
[79] الفصل 71 فقرة 1 قانون كولومبيا لسنة 1994 حول اليات التشاركية للمواطنين
[80] الفصل 58 فقرة 3 من دستور بيليز