“فلتكن حربا بالحديد ضد المحتكرين”، وعد جديد أطلقه رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد مساء السبت 28 أوت 2021، عند تنقلّه إلى منطقة بئر مشارقة من ولاية زغوان حيث أحبطت وحدات من الحرس الوطني قبل أيّام 30 ألف طن من مادة الحديد المخزنة بغرض المضاربة.
وتعرف تونس خلال الأسابيع أزمة في التزوّد بحديد البناء وارتفاعا غير مسبوق في أسعاره، كما ارتفعت بالتوازي مع ذلك أسعار الخضر والغلال والزّيوت النباتية بعد قيام وزارة التجارة بحملات مداهمة لمخازن التبريد مما أنعش السّوق السوداء.
القضاء على الخط
صرّح وكيل الجمهورية والناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بزغوان سامي بن هويدي لصحيفة JDD Tunisie أن منطلق الابحاث حول حجز أطنان من الحديد في مصنع ببئر مشارقة كان أثر ورود معلومات على النيابة العمومية حول إحدى الشركات الموجودة في دائرة قضاء المحكمة الابتدائية بزغوان، بخصوص إمكانّية تورّطها في شبهات احتكار مادة الحديد، فأذنت النيابة للفرقة المركزية للحرس الوطني بالعوينة بمباشر الأبحاث وتعهيدها بصفة رسمية منذ يوم الخميس الماضي والتنسيق معها.
وأضاف أنه تم إعلام النياية بعد إجراء الأعمال الميدانية التي قامت بها الفرقة المذكورة وأنّ الأبحاث لا تزال جارية .
وأوضح أنّ الطرف المقابل طالب بتقديم مؤيدات وتمسك بمشروعية كميات الحديد ، مشيرا إلى أنها حُجزت داخل مقر صاحب الشركة في انتظار البت في مآل المحجوز والمحضر بصفة نهائية وأن الابحاث جارية لكشف حقيقة المضاربة.
تراشق بالتّهم
ارتفاع أسعار الحديد، أثّر على قطاع الأشغال والمقاولات بعد توقّف الحضائر إذ يشغّل إجمالا حوالي 500 ألف تونسي بين مقاولين وعمّال أصحاب مهن ذات صلة بالبناء، حسب رئيس الغرفة النّقابية الوطنية لمقاولي البناء والأشغال العمومية، مهدي فخفاخ.
فخفاخ، اتّهم في تصريح لـ”JDD Tunisie” مصنّعي الحديد بالوقوف وراء الأزمة، موضّحا أنّ سعر الطن الواحد من الحديد بلغ 3000 دينار، ووصل سعر قضيب الحديد، إلى أكثر من 30 دينارا.
وأضاف أنّ عدم احترام التسعيرة والترفيع المشط في الأسعار في غياب الرّقابة والتعديل أدّى إلى تفشّي الاحتكار والمضاربة وانتعاشة السوق السوداء.
في المقابل، أفاد مصدر من غرفة مصنعي الحديد لـ”JDD Tunisie”، أنّ 7 مؤسسات تونسية تصنع الحديد منها مصنع وحيد على ملك الدّولة، في حين أنّ الأسعار يتم تحديدها على مستوى وزارتي التجارة والصناعة دون مراعاة لكلفة الإنتاج.
وأضاف أنّ المصنعين يضطرّون إلى ممارسات غير قانونيّة تجنّبا للبيع بالخسارة أو تسريح العمال والموظفين وإفلاس مؤسساتهم.
وزارة التّجارة تتدخّل
من جهتها، أعلنت وزارة التجارة وتنمية الصادرات، في بلاغ يوم 20 أوت 2021، أنّ تسعيرة مادّة حديد البناء لن تشهد أيّ تغيير خلال الفترة الحاليّة ولن يتمّ التّرفيع في أسعار البيع للعموم، “مراعاة للظّرفيّة الحاليّة والتّوجّه العامّ نحو التّحكّم في الأسعار والذي انخرطت فيه طوعا أغلب القطاعات والمؤسّسات”.
ودعت الوزارة، كافّة الوحدات الصّناعيّة المنتِجة لهذه “المادّة الحسّاسة” وتجّار الجملة والتّفصيل إلى الالتزام بالإنتاج والتّوزيع بالنّسق الذي يضمن تزويد السّوق بصفة منتظمة، مذكرة بأنّها ستتصدّى لجميع عمليّات المضاربة والاحتكار.
وبينت أنها ستقوم بمتابعة تطوّر الأسعار العالميّة لمدخلات الإنتاج الخاصّة بهذه المادّة، لاتّخاذ ما يتعيّن من إجراءات للتأقلم مع المستجدّات والشّروع في الإصلاحات المستوجَبة التي من شأنها التّرفيع في مستوى الاعتماد على الإنتاج الوطني من العروق الفولاذيّة بما يخفّف من وطأة تغيّرات الأسعار العالميّة على السّوق الوطنيّة.
قطاع تتحكم فيه شركات
وفي سياق متّصل، أكّد الوزير الأسبق للتكوين المهني والتشغيل فوزي عبد الرّحمان، أنّ قطاع تصنيع الحديد فيه شركة الفولاذ العمومية المفلسة والتي لم تقدر الحكومات المتعاقبة على وضع مشروع اقتصادي لها و لا حتى على التصرف فيها. و تتحكم معها في القطاع أربع شركات خاصة منهم اثنتان كبيرتان و لهما غرفة نقابية يرأسها صاحب الشركة الأهم و هي التي تفاوض الحكومة في ثمن الحديد.
وأوضح عبدالرحمان في تدوينة على صفحته الخاصة بموقع فايسبوك، أنّ الحديد عرف زيادة ب 10 بالمائة في جانفي و 15 بالمائة في مارس وفيما أراد مصنعي الحديد زيادة أخرى ب34 بالمائة في أفريل تصدت لها غرفة البناء و قررت حكومة هشام المشيشي زيادة ب 12 بالمائة في جويلية لكنها لم تتم بعد الإطاحة بالحكومة.
وأوضح الوزير الأسبق أنّ شركات لا يتجاوز عددها أصبع يد واحدة و أشخاص يتعاملون بتنظيم وفاق غير شرعي (cartel) لا يسمح بمساحة منافسة شريفة و لا يسمح بداخلين جدد على القطاع، يتحكمون في القطاع .
ودوّن “هذه عينة في قطاع البناء.. تتحكم فيها كارتيلات وفاقية تنسف مبدأ المنافسة الحرة بتواطؤ مع أجهزة الدولة و مؤسساتها و حتى منشآتها العمومية. أهل الميدان يعرفون ذلك جيدا و لا أحد يجرأ على الكلام.، و يبقى العامل الأهم غياب سياسات عمومية و وطنية و استشراء الزبونية و الفساد و ثقافة اللامحاسبة و اللاعقاب”، وفق تعبيره.