جدت جريمة قتل بشعة وقعت في منطقة باردو، ليلة أمس الأحد 22 أوت 2021، بإقدام رجل على قتل زوجته وطفليه قبل أن يقدم على الانتحار.
هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها في تونس، فقد تواترت مثل هذه الجرائم داخل الفضاء الأسري وخارجه، نذكر منها قضية رفقة الشارني التي قتلت على يد زوجها بعد أن أطلق عليها النار بسلاحه المهني، وهو عون أمن.
جرائم قتل متتالية داخل الفضاء الخاص والعام، تطرح الأسئلة حول ماهية أسباب ارتفاع منسوب الجريمة في تونس وكيفية المعالجة؟
أكد مهدي مبروك أستاذ علم الاجتماع ووزير الثقافة الأسبق، لـ “jdd-tunisie”، أن كل المؤشرات الإحصائية تدل على ارتفاع الجريمة الاجتماعية بنسق متصاعد خلال السنوات الفارطة وتعدد جرائم العنف والقتل و الاغتصاب وهي جرائم شهدت في ذات الوقت تحولا نوعيا في تنفيذها من خلال التشفي، التبجح و التمثيل بجثث الضحية وحتى التباهي بها على مواقع التواصل الاجتماع”.
مضيفا “تظل الجريمة بشعة ولكنها ازدادت بشاعة ووحشية خلال السنوات الأخيرة وهذا يأتي في سياق تحولات حادة يمر بها المجتمع التونسي في فترة انتقالية حساسة اتسمت بضعف الدولة و فقدان قدرتها على الضبط الاجتماعي والمعاقبة خصوصا في ظل التحرش بها و بترسانتها التنفيذية والتشريعية، إضافة إلى تراجع أدوار العائلة وفقدان قدرتها على التنشئة السليمة وتنامي دور جماعات الأتراب و الأصدقاء.
تابع محدثنا أن تنامي التحريض على العنف والجريمة من خلال شبكات التوصل الاجتماعي وذلك على حساب دور العائلة والمدرسة ويعد الفقر ومحدودية المستوى الدراسي سببا في فشل سياسات الإدماج الاجتماعي وتنامي أشكال التهميش، كلها أسباب خلقت مناخات ملائمة لتنامي الجريمة.
وأكدت عديد التقارير التحليلية والإحصائية أن العنف عموما لا زال يتصدر المركز الأول في لائحة الجرائم لسنة 2019 بنسبة 36,3 بالمائة متقدما على العنف الأسري. وتجاوز المجموع العام لقضايا العنف المسجلة 600 ألف من سنة 2011 إلى سنة 2017، وارتفعت خلال نفس الفترة قضايا القتل إلى حدود 1700 محاولة، أي تطورت بنسبة39,9 بالمائة منذ 2011، ناهيك أن سنة 2019 احتوت لوحدها على 226 محاولة قتل.
تونس والجريمة
صنّف مؤشر “نامبيو” العالمي للجريمة تونس العاصمة في المركز 177 دولياً لسنة 2021 من بين 427 مدينة حول العالم، وأشار التقرير إلى أن تونس سجلت مستويات دنيا للجريمة على المستوى العالمي والعربي والمغاربي والأفريقي، متأخرة عن العاصمة الغانية أكرا التي احتلت المرتبة الأولى في مؤشر السلامة الأمنية. وحصلت تونس على تقييم 47.1 نقطة في مؤشر الجريمة.
إلا أن هذا التصنيف لا يعكس الأرقام الوطنية في تونس، أو يقلص الشعور العام لدى التونسيين بالخوف، فقد كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مؤخرا أن العنف الإجرامي يمثل 71 بالمائة من حالات العنف في تونس.
وتعود أسباب ارتفاع العنف الإجرامي حسب المنتدى إلى تصاعد الضغط النفسي لدى التونسيين بعد ثورة 2011 مع تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وضعف مؤسسات الدولة وعدم احترامها.
وطغى العنف داخل المسكن على بقية الفضاءات بنسبة 38.7 بالمائة، يليه العنف في الشارع الذي بلغت نسبته 32.3 بالمائة خلال الأشهر السبعة الأولى من 2021.
التونسيون في حالة تشاؤم
كشف سبر الأراء الخاص بشهر جوان لسنة 2021، لمؤسسة سيغما كونساي، أن نسبة تشاؤم التونسيين بلغت 92.8 بالمائة وتعد فئة الشباب بين 18 و25 سنة الأكثر تشاؤما بـ 95 فاصل 2 بالمائة حسب نتائج “الباروميتر” السياسي.
وأشار الباحث في علم الاجتماع فؤاد غربال في تصريح سابق لـ “jdd-tunisie”، إلى “أن التونسيين اليوم في حالة تشاؤم، ولا يرون أي بوادر للإصلاح، من خلال ما تشهده البلاد من حالة فساد وعنف لدى الطبقة السياسية، مرجحا أن التبعات السياسية لهذا التشاؤم هو انتشار الشعبوية في صفوف السياسيين”.
وتعد تونس ضمن قائمة الشعوب الأكثر تعاسة في العالم، وفق استطلاع رأي أعدته مؤسسة “غالوب” (Gallup) الأميركية، في ديسمبر 2020.
و شمل هذا التصنيف 144 دولة حول العالم معتمدا على معايير الشعور النفسي عند الأفراد وبناء على تجارب القلق والضغط النفسي والألم الجسدي والحزن والغضب.