تشق حركة النهضة اختلافات عميقة وصلت إلى حد الانقسامات داخلها وتبادل التهم إثر قرار رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية الفارط بتفعيل الفصل 80 من الدستور واتخاذ تدابير استثنائية تعلقت أساسا بتعليق عمل البرلمان إلى حين إشعار آخر ورفع الحصانة عن النواب وإقالة رئيس الحكومة.

هذا الإعلان فاجأ حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي فعملت بشتى الوسائل على تمرير خطاب الانقلاب في الداخل وفي الخارج ولكنها فشلت في إقناع الرأي العام الدولي بهذه النظرية فخفّفت من حدة لهجتها وعادت إلى أسلوب المهادنة والمخاتلة حتى تمرّ العاصفة فجاء إعلان راشد الغنوشي عن إقالة أعضاء المكتب التنفيذي برمته وتكوين لجنة لإدارة لأزمة برئاسة النائب محمد القوماني الذي تربطه علاقات مع نوفل سعيد شقيق رئيس الجمهورية وفوّض له جميع الصلاحيات للوصول إلى حلّ مع رئاسة الجمهورية بالأساس.

إنّ أزمة حركة النهضة ليست وليدة اليوم ولكنها استفحلت في المدة الأخيرة بسبب تجميد عمل البرلمان الذي يمثل نقطة الارتكاز بالنسبة إليها، بالنظر إلى ترؤس راشد الغنوشي لهذه المؤسسة التشريعية وهيمنة كتلته على قرارات مكتب البرلمان والجلسات العامة بمعاضدة من كتلتي قلب تونس وائتلاف الكرامة.
أما السبب الثاني فهو الانشقاقات التي عصفت بصفوفها منذ بدأ الإعداد لانتخابات 2019، بعد الانقلاب على نتائج الاستشارة الجهوية المتعلقة بالقائمات المترشحة للانتخابات البرلمانية الأخيرة، والاستقالات التي طالت قيادات الصف الأول على غرار عبد الحميد الجلاصي ولطفي زيتون وزبير الشهودي ومحمد بن سالم وغيرهم”.
وعمّقت أحداث 25 يوليو الانقسامات في صفوف حركة النهضة، بين شق واسع ينادي بضرورة التماهي مع قرارات الرئيس وفتح قنوات الحوار معه، وبين شق ثانٍ يتزعمه الغنوشي يروّج لخطاب الانقلاب خاصة في الأوساط الخارجية.
راشد الغنوشي هو السبب
وفي واقع الحال فإنّ راشد الغنوشي هو السبب الرئيسي في تدهور ثقة التونسيين وأنصار النهضة في الحركة نتيجة الخيارات التي اتبعها والتحالفات التي أبرمها من ذلك التوافق مع نداء تونس ومن بعده قلب تونس.
وكان على الغنوشي الذي أصبح أقدم زعيم حزب في العالم بترأسه للحركة على مدار أكثر من 4 عقود أن ينسحب من رئاسة الحركة منذ مدة وأن لا يترشح لرئاسة البرلمان بوصفه شخصية غير وفاقية تحظى بأقل نسبة من ثقة التونسيين وبالتالي فإنّ انسحابه من الحركة قد يعطي نفسا جديدا لها وللمشهد السياسي في تونس.
من جهة أخرى فإنّ شباب حركة النهضة الذي لم يعش إرهاصات ما يسمى بـ”سنوات” الجمر اصطدموا بتصدّر المشهد بعد 2011 من طرف نفس الوجوه منذ عشرات السنين، وبتقلّدهم المناصب العليا في الدولة وفي الحركة وتحصّلهم على الكثير من المغانم دون أن تترك لهم مكانا للتموقع في مؤسسات الحركة أو في مواقع السلطة.
كما يعتبر أنّ ما حدث في 25 يوليو، بقدر ما كان انتفاضة شباب ضد الوضع المتعفن بقدر ما كان انتفاضة ضد الحركة وضد زعيمها بالخصوص.
لن تعود النهضة كما كانت
وإذ يصعب التكهن بمستقل الحركة في ظل الوضع الحالي فإنه من المفيد التذكير بموقف الإدارة الأمريكية الجدي بقيادة جو بايدن ودوره في ما يسمى بالربيع العربي حيث أن خفت دعمه إلى الإسلام السياسي بعد فشل ما يسمى بالربيع العربي فإنّها تبقى حريصة على نجاح التجربة التونسية وعدم إقصاء الحركة الإسلامية من المشهد السياسي في تونس المطالبة بالانصهار في المسار الديمقراطي و قطع العلاقات مع التنظيم الدولي للإخوان، مع إتاحة الفرصة للشباب بأخذ زمام الأمور صلب الحركة.
ولكن رغبة واشنطن قد تصطدم بجزء كبير من الرأي العام الداخلي الرافض لحركة النهضة، ويعتبرها آخر معاقل الإسلام السياسي في تونس، ويحمّلها المسؤولية الكبرى على التدمير الشامل الذي حصل في البلاد طيلة العشر سنوات الماضية.
ويبقى الشيء المؤكد أنّ حركة النهضة إن كتب لها البقاء بعد إعصار 25 جويلية لن تكون هي ذاتها بعد هذا التاريخ حيث سيتقلّص حجمها بشكل كبير خاصة وأن عددا كبيرا من أنصارها يتماهون مع قرارات رئيس الجمهورية وكانوا من بين الذين صوتوا لصالحة في الانتخابات الرئاسية الفارطة.
ا.و