قبل 8 سنوات، في منتصف يوم كان يفترض أن تحتفل فيه الجمهورية بعيدها، 14 رصاصة تخترق جسد المعارض والنائب المؤسس محمد البراهمي بعد أشهر قليلة من اغتيال المعارض شكري بلعيد لتدخل بعدها تونس منعرجا جديدا إثر إسقاط حكومة الترويكا.
آخر أطوار الملف القضائي
صرّح عضو هيئة الدّفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي الأستاذ ياسين عزازة لـJDD Tunisie اليوم الأحد 25 جويلية 2021 أنّ جزءا من المنظومة القضائية تورّط في الاغتيال وفي الجريمة بصفة لاحقة من خلال محاولة إخفاء وطمس الجريمة عبر وكيل الجمهورية السّابق بالمحكمة الابتدائية بتونس البشير العكرمي. وأضاف عزازة أنّ كلّ الشّكايات التي رفعتها هيئة الدّفاع ضدّ حركة النّهضة وجهازها السّرّي ما زالت ترواح مكانها مشيرا إلى أنّ المحامين في انتظار إحالة البشير العكرمي على تحقيق قضائي لتقديم كلّ المؤيّدات إلى النّيابة العموميّة.
وفُكّك ملف اغتيال محمد البراهمي إلى جزئين: الأول منشور أمام الدائرة الجنائية الخامسة بالمحكمة الابتدائية بتونس المختصة في قضايا الإرهاب والثاني تعهّد به المكتب 12 بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب والذي قام بحجز محتويات ما عرف بـ”الغرفة السوداء” صلب وزارة الداخلية وفتح تحقيقا في ملف “الجهاز السرّي لحركة النهضة” وعلاقته بعملية الاغتيال.
وقالت المحامية إيمان قزارة إن محاميي الدفاع عن المتهمين في القضية قاموا بالاستئناف فيما عرف بقضية الجهاز السري والذي تم ضمّها للجزء الثاني من الملف المنشور لدى التحقيق الذي قرّر بتاريخ 28 ماي 2020 إحالة كلّ من محمد العكاري رئيس الجهاز الأمني لتنظيم أنصار الشريعة وعامر البلعزي الذي اعترف بإخفائه للمسدسين اللذين استعملا في اغتيال كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي وذلك بتهمة المشاركة في القتل أما مصطفى خذر فقد وجهت له تهمة الامتناع عن الإدلاء بمعلومات مهمة تتعلق بتنقلات وأرقام هواتف وعلاقات أبي بكر الحكيم المتهم باغتيال البراهمي.
“أبو عدنان”
أحد أبرز رموز التيار القومي الناصري في تونس ولد البراهمي يوم 15 ماي 1955 بمدينة الحشانة من ولاية سيدي بوزيد من جيل حلم بـ”الحرية و الوحدة والاشتراكية” فانخرط منذ دخل الجامعة في العمل السياسي عبر “الطلبة العرب التقدميون الوحديون” الذراع الطلابي للتيار الناصري في تونس بالتزامن مع اشتداد نظام بورقيبة الذي طالت عصاه كل التيارات السياسية فسُجن البرامهي ومُنع من الالتحاق بالمقاومة في فلسطين في مناسبتين.
حصل البراهمي سنة 1982 على الأستاذية في المحاسبة اشتغل معلّما لفترة وجيزة ثم التحق بالوكالة العقارية للسّكنى سنة 1985 بعد أن عمل بديوان إحياء المناطق السقوية بسيدي بوزيد. لكن فترة الاستقرار لم تدم طيلا إذ انتفض أبو عدنان إثر العدوان الأمريكي على ليبيا سنة 1986 بعد أن تزّعم المسيرات المنددة بهذا العدوان.
بعد الثورة اتنخب نائبا عن دائرة سيدي بوزيد فعارض الترويكا الحاكمة بشدة معتبرا أنها تشجّع على تغذية الخطاب العنيف في المساجد وتفف وراء شبكات التسفير التي تقوم بحرب بالوكالة ضد سوريا. في 9 أفريل 2013، أعلن البراهمي التحاقه بالجبهة الشعبية واعتبرها خيارا إستراتيجيا وأسس حزب التيار الشعبي في 7 جويلية من نفس السنة بعد أن انشقّ رفقة عدد كبير من رفاقه عن حركة الشعب الذي اعتبر حيهنا أنها “أصبحت قريبة من السلطة”.
الاغتيال الذي أسقط الحكومة
فتح اغتيال الشهيد محمد البراهمي أبواب أزمة سياسية بعد مطالبة المعارضة بحل المجلس الوطني التأسيسي وإسقاط حكومة الترويكا عبر اعتصام أمام البرلمان عرف باعتصام الرحيل واحتجاجات بحجم لم تعرفه تونس منذ هروب بن علي كما علقّ حوالي سبعين نائبا عضويتهم في المجلس، حتّى قرّر رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر في 6 أوت 2013 تعليق أعمال البرلمان إلى أجل غير مسمى مما أدى إلى خلافات داخل أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم: حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل الديمقراطي لأجل العمل والحريات.
واستمرت الأزمة السياسية إلى حين تقديم علي العرّيض استقالته من رئاسة الحكومة في 10 جافي 2014، ليخلفه مهدي جمعة المستقل في 29 من الشهر نفسه بعد مشاورات مراطونية عرفت بالحوار الوطني بقيادة المنظمات الوطنية.