تهافتت عديد الوسائل الإعلامية، في نقل خبر زائف يزعم وفاة رئيس الحكومة الأسبق حبيب الصيد، تزامنا مع “معركة التسريبات” بين رئيس الحكومة ووزير الصحة المقال، دون التثبت من المعلومة من مصادرها أو الإجابة عن حقيقة ما يحدث.
هذه الأحداث تلقي الضوء على الأزمة التي يعيشها الحقل الإعلامي التونسي قبل الثورة وإلى حدود اليوم، على الرغم مما تحقق من تحول ديمقراطي على مستوى المراسيم القانونية والهياكل التعديلية.
فهل تجاوزت وسائل الإعلام اليوم مرحلة الإعلام الحكومي؟ وهل أن الإعلام التونسي قادر على إرساء تجربة التعديل الذاتي؟ وأي دور يلعبه مجلس الصحافة في حماية الضوابط المهنية والأخلاقية؟
محمد ياسين الجلاصي، رئيس نقابة الصحفيين التونسيين، أكد لـ “jdd-tunisie”، أن ما يحدث في الفترة الأخيرة من “نشر للأخبار الزائفة ومن تسريبات، هو توجيه للرأي العام، عن القضايا الحقيقية التي تعيشها البلاد، خاصة “الجريمة الأخيرة” حول تلاقيح يوم العيد، والمعركة بين رئيس الحكومة ووزير الصحة المقال، وضعت لتوجيه الرأي العام عن القضايا التي تهم المواطن التونسي”.
وكانت وسائل الإعلام شاهدا على الأحداث السياسية المتوترة مؤخرا، بسبب ما سمي بـ “جريمة التلاقيح”، والتي على إثرها تمت إقالة وزير الصحة فوزي مهدي، من قبل رئيس الحكومة الذي حمله مسؤولية هذا القرار الفوضوي، في المقابل يجيب المهدي أن قرار فتح مراكز التلقيح يومي العيد، كان بضغط من القصبة، أحداث توسطتها تسريبات لوثائق بين مؤسسات الدولة عبر وسائل الإعلام.
في حديثها مع “jdd-tunisie” أوضحت الدكتورة والأستاذة الجامعية بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار سلوى الشرفي، أن ما حصل بخصوص بث إشاعة وفاة حبيب الصيد ثم تكذيبها، لم يعد يستغرب، قائلة “أنا لم أعد أصدق الأخبار حتى يتم تأكيدها من مصادر رسمية وليس من وسائل الإعلام، وذلك لما نشهده من بث للإشاعات في الفترة الأخيرة، إضافة إلى أننا لاحظنا انعدام الفهم وكشف الحقيقة بخصوص أزمة تلاقيح يوم العيد، وهذا ما يؤكد أن الإعلام اليوم غائب عن النقاط التي يستطيع هو فقط العمل عليها”.
وتواصل الشرفي، أنه منذ الثورة، ورثنا طرقا في العمل لا تستند إلى المهنية ولا لأخلاقيات المهنة بحكم عدم وجود ديمقراطية، ثم فجأة فتحت الأبواب لنجد أنفسنا أمام فضاء شاسع من حرية التعبير ولكن دون الوسائل المهنية وحتى الأخلاقية المطلوبة، وهذا لا ينفع في أي نظام سياسي سواء كان ديمقراطيا أو ديكتاتوريا.
وتشرح الدكتورة في الإعلام، “اليوم أصبح الإعلامي والمواطن العادي في فايسبوك، يتعاملان بنفس الطريقة مع الأخبار، وهذا سببه نقص المهنية، فإعلامنا اليوم أصبح قطارا لتمرير “سلعة المعلومة” الخاطئة، وفقد دوره الحقيقي في صناعة الحدث وكشف الحقائق عن ما خفي من الحقائق وليس نقل المعلومة فقط.
دراسة علمية، كشفت أن الأخبار الزائفة تنتشر بوتيرة أسرع من الأخبار الحقيقية، وخلص الباحثون إلى أن المحتويات الزائفة سواء كانت عبارة عن نص أو فيديو أو صورة لديها فرص انتشار بنسبة تتجاوز 70 بالمائة مقارنة بالحقيقية.
الخبر الزائف أو ما يعبر عنه بـ(Fake news) “هو خبر صمّم لغاية معلومة وهي تضليل الجمهور والتلاعب به، ولهذا السبب يكتسي الخبر الزائف كل مقوّمات الشكليّة للخبر الصحفي، أما الأخبار الناتجة عن أخطاء صحفية التي سببها عدم احترام المنهجية الصحفية والتعليمات المهنية الخاصة بالتحري لا تصدر عن سوء نية”
الدكتور والباحث في علوم الإعلام صادق الحمامي.
تجربة التعديل الذاتي
وفي حديثها عن تجربة التعديل الذاتي في الإعلام التونسي، أفادت الأستاذة الجامعية سلوى الشرفي، “لا نزال على بعد أشواط من تجربة تحقيق التعديل الذاتي في إعلامنا التونسي، لأن التعديل الذاتي يتطلب مجتمعا متشبعا بمعنى الديمقراطية، ومتمكنا من أدوات وأخلاقيات مهنته، حينها يتمتع بالحق في التعديل الذاتي، إنما في الوضع الذي نراه حاليا في وسائل الإعلام، لا يمكن نجاح هذه التجربة.
وأضافت “إنما مجلس الصحافة وما يفرضه من خلال تركيبته المتنوعة بين الصحفيين والخبراء، فهو قادر على التغيير في المشهد الإعلامي، لأن كل ما قلته حول أخلاقيات المهنة يجب أن تتكفل به مؤسسة”.
وتعتبر أن مجلس الصحافة ربما يمثل الحل في الوقت الحالي، “وذلك لوقف هذا التيار التخريبي والمهزلة الإعلامية الحالية، من خلال البحث في نقاط الضعف في المشهد الإعلامي والعمل على إصلاحها”.
في سبتمبر 2020، تم الإعلان عن إحداث مجلس الصحافة التونسي، وهو أول مجلس صحافة مستقل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
من جهته، أكد رئيس نقابة الصحفيين أن ” دور المجلس هو متابعة كل هذه الأخطاء المتعلقة بأخلاقيات المهنة، وأنه لا يمكن الحكم بالفشل على تجربة أولى، لكن مجلس الصحافة مطالب اليوم بأن يأخذ دوره في التوجيه حول أخلاقيات المهنة، وفض النزاعات وتقديم التوصيات حول كيفية التعاطي مع قضايا معينة، وهذا إلى حد اليوم للأسف غائب”.
مجلس الصحافة بدوره يواجه صعوبات
في سبتمبر 2020، تم الإعلان عن إحداث مجلس الصحافة التونسي، وهو أول مجلس صحافة مستقل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
اعتدال مجبري رئيسة مجلس الصحافة تجيب عن دور المجلس المغيب اليوم، بقولها “وفقا لمهام المجلس، هو لا يتدخل في المشهد الإعلامي العام إلا بطلب من الجمهور، بمعنى أن المواطنين أو الشخصيات السياسية أو الشخصيات الفاعلة في الشأن العام، يمكن أن يقدموا بشكوى للمجلس، للنظر فيها ومحاولة التسوية بين الطرفين على أساس التراضي أو ينشر هذه الشكوى”.
أما مسألة الأخبار الزائفة أوضحت المجبري، أنها تندرج ضمن مداولات أخلاقيات المهنة التي أنتجها المجلس، والتي من المفترض أن يستند إليها الصحفي في عمله اليومي.
مجلس الصحافة هو بمثابة محكمة شرف يعمل على ضمان حق الجمهور في أخبار دقيقة وفق أخلاقيات المهنة، لكن مسألة التعديل تكون وفق تقدم شكايات عن مؤسسة إعلامية أو صحافي أو أن المجلس يتعهد من تلقاء نفسه بقضية ما.
اعتدال المجبري
رئيسة مجلس الصحافة، أشارت أن تجربة المجلس لم تفشل رغم ما يوجهه من صعوبات، مضيفة ” نحن لا مقر لنا، ولا موارد مالية وبشرية إلى حد اليوم وهي صعوبات حالت لتعطيل عمل المجلس بالشكل الذي يجب العمل به، ولتجاوز هذه العراقيل يجب تأمين فريق إداري وتوفير تمويل جزئي من الدولة”.