يقلم العميد عبد الستار بنموسى
-III- إصلاح المؤسسات العمومية: مسألة أكيدة وجوهرية
2) الحلول بين تمطط الحوار وتأخرّ القرار
لقد اتّضح من خلال المعاينة والتشخيص أن الوضع المتردي الذي أصبحت عليه جلّ المؤسسات العمومية لا يمكن إصلاحه بعصا سحرية أو بمسكنات شكلية إذ لابدّ من إصلاحات جوهرية لا بدّ من إعداد استراتيجية جليّة وإرادة إصلاح قوية.
لقد تضمن الكتاب الأبيض الصادر في ماي 2018 وفي باب المقدمة بأن الحكومة التونسية اهتمت بضرورة ضمان ديمومة المؤسسات وتحسين الخدمات وبادرت بإعداد تقرير تأليفي حول إصلاح وحوكمة المؤسسات العمومية ناقشته بصفة تشاركية مع الأطراف المعنية وأفضى إلى صياغة استراتيجية وخطة عمل لتنفيذ تلك الاستراتيجية. أجمع الخبراء وأهل الاختصاص على أن الوضع الصعب الذي تمرّ به المؤسسات العمومية يعود أساسا إلى الإطار التشريعي والترتيبي الذي تجاوزته الأحداث وكذلك إلى غياب الحوكمة بصنفيها الخارجي والداخلي وخاصة إخلالات التسيير وضعف مراقبة نشاط المنشآت العمومية.
صادق المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 24 نوفمبر 2015 حسبما ورد بالكتاب الأبيض على المبادئ العامة للإصلاح تمّ طرح الخطة المتعلقة بتنفيذ تلك المبادئ للحوار في ندوة وطنية يومي 21 و22 نوفمبر 2016 ضمّت أحزابا سياسية ومنظمات وطنية كالاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وأفرزت تلك الندوة خطة عمل مبوبة حسب الأولويات.
تمّ خلال شهر جوان 2017 إحداث ورشات عمل ضمت الكفاءات من الأحزاب والمنظمات الوطنية والمنشآت العمومية وخبراء مختصين أسفرت عن ضبط استراتيجية الإصلاح التي تتنزل في إطار المخطط الخامس 2016-2020.
مــا هي محـــــاور الإصـــــلاح ومـــا هو مـــآلــها ؟ أ - محاور استراتيجية وخطة إصلاح المؤسسات : • المحور الأول : تطوير الحوكمة العامة للمؤسسات العمومية : تضمن المخطط الاستراتيجي مبدأ إعادة النظر في دور الدولة كمساهمة في المؤسسات العمومية وذلك من خلال اعتماد تعريف موحّد ومتفق عليه للدّولة المساهمة وإضفاء التناسق على تصنيف المؤسسات العمومية كالقيام بإحصاء شامل لمدى مساهمات الدولة وممتلكات المؤسسات العمومية. وفي هذا الإطار تندرج مسألة إرساء هيكل مركزي للتصرّف في المؤسسات العمومية التي تصبح خاضعة لنفس النظام الأساسي. تضمنت الاستراتيجية ضرورة دعم آليات مقاومة الفساد بالتنسيق مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومراجعة التراتيب المتعلقة بالصفقات العمومية في اتجاه تبسيطها مع الحرص على ضمان الشفافية اللازمة كتمكين وزارات الإشراف من دور أكبر عند تحديد السياسات القطاعية وعند إعداد العقود المتعلقة بالأداء والأهداف ومتابعتها بما يساعد على الارتقاء بأداء المنشآت العمومية ويسهل عملية متابعتها خاصة وأن العقود السارية اتضحت محدوديتها. • المحور الثاني : تطوير الحوكمة الداخلية بالمؤسسات العمومية : إن الهدف من تطوير الحوكمة الداخلية هو تحقيق أكثر استقلالية للمؤسسات عند اتخاذ القرار مع توفير الشفافية المرغوبة والمساءلة المطلوبة نظرا إلى أن الهياكل الحالية أصبحت فاقدة للنجاعة والجدوى بالتالي فإن تطوير الهياكل الداخلية يتمّ عبر عدّة إجراءات اهمها تعميم الهياكل المختصة التي تساعد مجالس الإدارة ومجالس المؤسسة في أعمالها كلجنة المخاطر ولجنة الموارد البشرية ولجنة الاستثمار ولجنة الاستراتيجية مع الحرص على تقييم أداء أعضاء اللجان باستمرار. لابدّ أيضا من دعم هياكل الرقابة وخلايا التدقيق. إن تطوير منظومة الحوكمة والمساءلة والشفافية يستوجب إرساء استراتيجية متطورة لاستعمال التكنولوجيا الحديثة بصفة ملائمة. لابدّ في هذا الإطار من مراجعة النصوص القانونية بالتنصيص على إجبارية نشر المعلومات المالية المتعلقة بالمؤسسات العمومية بما في ذلك تقارير الأنشطة كإرساء آلية عقابية تجاه المؤسسات العمومية التي لا تحترم واجب وآجال نشر القوائم المالية تمّ الإقرار أيضا بضرورة تقييم أداء المجالس الإدارية فرديا أو جماعيا بما يساهم في تحميلهم المسؤولية عن أخطائهم بما في ذلك رئيس المجلس والمدير العام وتوكل هذه المهمة إلى لجنة تقييم مستقلة. تمّ أيضا إقرار الفصل بين الوظيفة الإدارية والمدير العام ووظيفة رئاسة المجلس (رئيس مجلس الإدارة) • المحور الثالث: دعم الحوار الاجتماعي وحوكمة التصرف في الموارد البشرية: لقد أصبح المناخ الاجتماعي رهانا أساسيا في الاقتصاد يؤدي تدهوره في الغالب إلى ترّدي أداء المؤسسات العمومية لذلك ولدعم الحوار الاجتماعي ولنجاعة الحوكمة لا بدّ من بعث هيئة للحوار الوطني تضمّ كافة الأطراف الفاعلة طبقا للميثاق الاجتماعي الذي تمّ إقراره سنة 2013 وهي هيئة شبيهة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي تمّ التخلي عنه سنة 2011. في هذا الصدد صادق مجلس نواب الشعب خلال شهر جويلية 2017 على القانون المحدث للمجلس الوطني للحوار الاجتماعي. إنّ نجاح الحوار على النطاق الوطني يستوجب مأسسة الحوار داخل كل مؤسسة عمومية والذي يشمل لقاءات دورية بحضور النقابات ممثلي الموظفين والعملة المنتمين وغير المنتمين للنقابات. أمّا مسألة تحديث منظومة التصرف في الموارد البشرية بما يتلاءم مع إصلاح الوظيفة العمومية فقد تمّ الاتفاق صلب الاستراتيجية على تطوير قاعدة المؤشرات المتعلقة بالموارد البشرية حتى تيسّر إدارة المسارات المهنية والتصرّف في الانتدابات وتثمن وتسهل تنقل الموظفين صلب الإدارات والمؤسسات العمومية وهو ما يتطلب قبل كل شئ إصلاح المنظومة القانونية لتصبح ميسّرة لعملية نقل الموظفين اختياريا والتحكم في طاقة الاستيعاب من خلال وضع قانون إطاري. أمّا بالنسبة لتحسين انتاجية أعوان وإطارات المؤسسات العمومية فقد تمّ الاتفاق على دعم آليات الرقابة وتحسين منظومة التحفيز وذلك باستبدال آلية الترقية اعتمادا على الاقدمية بآلية جديدة في العمل والجودة في الأداء ومن خلال صياغة ميثاق لقواعد العمل وإيجاد منوال بصفة تشاركية داخل كل مؤسسة. • المحور الرابع : تحسين الهيكلة المالية للمؤسسات العمومية: تمّ في نطاق الاستراتيجية المذكورة الحفاظ على الطابع العمومي للمؤسسات العمومية العاملة في القطاعات الاستراتيجية باعتبارها مكسبا هامّا للبلاد والمجموعة الوطنية ونظرا لمعاناتها من الانخرام في التوازن المالي ومن الصعوبات الهيكلية. فقد تمّ الاتفاق على إيجاد آلية تسمح باستمرار انشطتها وضمان ديمومتها. أمّا بالنسبة للمؤسسات العمومية العاملة في قطاع استراتيجي تنافسي أو في إطار غير استراتيجي فقد استقر الرأي على إعادة هيكلتها بهدف تحقيق الحدّ الأدنى من التوازن المالي والبحث بعد ذلك عن شريك استراتيجي للمشاركة في رأس مال المنشأة العمومية من خلال الحصول على أسهم أو الزيادة في رأس المال في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص وبدعم من الدولة. كما وقع التفكير في إنشاء صندوق يختص بإعادة هيكلة المؤسسات العمومية من خلال دراسة تتطرق إلى جرد لمهام طرق التصرف في الصندوق (الموارد المالية – ميزانية الدولة) وكذلك إحداث صندوق وطني مختلط يجمع بين العام والخاص وصناديق جهوية تختص بتمويل برامج ذات الطابع الاجتماعي التضامني بالتعاون مع المؤسسات والمنشآت العمومية. ب - مدى تفعيل استراتيجية الاصلاح وتنفيذ الخطة المتعلقة بها : ظّل الكتاب الابيض المتعلق بإستراتيجية الاصلاح وبخطة العمل الصادر سنة 2018 وبتأخير كبير مجرد إطار يتم الاستئناس به عند إعداد مشروع الميزانية او بمناسبة عقد بعض المجالس الوزارية او الحوارات البرلمانية أو الندوات والمتلقيات ذات الصلة. في هذا الإطار تصدر رئاسة الحكومة تقريرا حول المنشآت العمومية كملحق لمشروع قانون المالية كل سنة يكاد يكون مطابقا للسنوات السابقة ويكرر نفس الاشكاليات كما سبق لوزير المالية الاسبق خلال جلسة عامة بمجلس نواب الشعب خلال شهر جانفي 2019 وبمناسبة المصادقة على اتفاقية القرض المبرم في 31 جانفي 2018 بين تونس والوكالة الفرنسية للتنمية بقيمة مائة مليون يورو قصد تمويل برنامج حوكمة المؤسسات العمومية أن أشار بأن برنامج إصلاح المؤسسات العمومية موضوع قرض التمويل والتي أصبحت تعاني من المصاعب المالية وتطلب سنويا من الدولة المساعدة المالية لتمويل انشطتها أو حتى لدفع أجور الموظفين أو سداد القروض، يتضمن عدّة محاور تهّم الحوكمة الخارجية من خلال تطوير منظومة الاشراف على المؤسسات العمومية والحوكمة الداخلية وذلك بتفعيل دور مجالس الإدارة لإحكام حسن التصرف في المال العام وتفعيل الرقابة العمومية وتطوير منظومة التصرف في الموارد البشرية مع تحسين المناخ الاجتماعي للمؤسسات وتفعيل مسؤوليتها الاجتماعية و اعادة هيكلة المؤسسات العمومية إثر تشخيص معمق لمشاكلها الإدارية والمالية لتفادي الاخلالات ودعم الانتاجية. إنها نفس المحاور التي تضمنها الكتاب الابيض دأب كل رئيس حكومة جديد وكل وزير مالية جديد على التأكيد بأن إصلاح المؤسسات العمومية مسألة أكيدة و أولية وعلى ضرورة مواصلة الحوار وهكذا تبقى مسألة الاصلاح مجرد اجترار. خلال الثلاثية الثانية من السنة 2021 انتظمت لبيت الحكمة لقاءات أشرف عليها رئيس الحكومة ضمت العديد من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وتمّ في هذا الصدد إمضاء اتفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل حول إصلاح 7 مؤسسات عمومية تنشط في القطاعات الاستراتيجية وهي شركة الخطوط التونسية وشركة الفولاذ والشركة التونسية للشحن والترصيف وديوان الاراضي الدولية والصيدلية المركزية والشركة التونسية لصناعة الفسفاط والشركة التونسية للكهرباء والغاز. انه اتفاق على أهميته اعتبره العديد من الخبراء الاقتصاديين مجرد إعلان نوايا للشروع في التفكير وليس للشروع في تنفيذ الاصلاحات متسائلين هل كانت لقاءات بين الحكمة تمثل فعلا حوارا اقتصاديا واجتماعيا وهل أن المشاركين فيها لديهم الكفاءة والقدرة على تقديم الحلول الناجعة وكيفية انفاذها. أمّا وزير المالية فقد صرّح يوم غرة أفريل 2021 بأن الوضعية الحالية للبلاد حرجة وحرجة جدا وبأن الصعوبات التي تمرّ بها البلاد والمؤسسات العمومية حقيقية وقد كانت الحكومة الحالية على دراية بها منذ تسلم مهامها وأنها ستدخل في نقاشات جدية في ما يخص إصلاح المؤسسات العمومية. إن الوقت لم يعد يسمح بالحوارات فالبلاد في حاجة إلى قرارات وإجراءات مستعجلة اعتمادا على المبادئ الاستراتيجية التي تمّ ضبطها والاتفاق عليها منذ سنة 2015 واستئناسا بالكتاب الابيض الذي تم اصداره سنة 2018 تتمثل الاجراءات الواجب اتخاذها بسرعة في إصلاح الإطار القانوني والترتيبي وحوكمة الهيكلة البشرية والمالية وإقرار آليات حسن التصرف وجودة الخدمات في المؤسسات العمومية.
- مراجعة النصوص القانونية والترتيبية :
إن الإطار القانوني المتمثل في القانون المؤرخ في 1 فيفري 1989 المتعلق بالمؤسسات العمومية والذي تمّ تنقيحه سنوات 1994-1996-2002 و 2006 والأوامر التطبيقية والمناشير الحكومية وعددها 36 رغم أهميته وتنوعه فانه يطرح عديد الاشكاليات التي تتعلق بسير ا لمؤسسات ومدى نجاعتها وقدرتها على تحقيق الأهداف والتي أصبحت تعاني منها المنشآت العمومية. إشكاليات وسلبيات لابدّ من تلافيها وإيجاد الحلول الناجعة والسريعة لتفاديها مستقبلا . سلبيات تتعلق بتسيير المنشآت والإشراف عليها ومراقبة انشطتها.
إن دور الرئيس المدير العام ومجلس الإدارة أساس في انجاح أعمال المؤسسة. إن عضو مجلس الإدارة في الشركات الخاصة مالك لجزء من الشركة يسهر بالتالي على حسن سيرها وعلى تحقيق أهدافها حتى توفر أرباحا يستفيد منها شخصيا. أما عضو مجلس الادارة في المنشأة العمومية فهو مجرد موظف بإحدى الوزارات أو الادارات مما يجعل علاقته بالمؤسسة العمومية سطحية باعتباره لا يجني من تكليفه ونشاطه أي ربح أو خسارة.
اقتضى الفصل السابع من الأمر عدد 2197 لسنة 2002 بأن ممثلي الدولة بالمنشآت العمومية يتم يعيينهم بقرار من الوزير المشرف قطاعيا على المنشأة. أما ممثلين المساهمين العموميين والمنشآت العمومية فأنه يتم اختيارهم من بين الاعوان العموميين المنتمين لسلك الإطارات المباشرين لمدّة خمس سنوات على الأقل أو المتقاعدين. لقد اتضح من التجربة التي امتدت لأكثر من 31 سنة بأن طريقة تعيين المسيرين للمنشآت العمومية لا تؤدي فعليا إلى خدمة مصالح المنشأة خاصة وأن الاختيار كان قبل سنة 2011 يخضع إلى إرادة رئيس الدولة وحاشيته أما منذ سنة 2011 فقد أصبح يخضع للتجاذبات الحزبية والسياسية وفي كلتا الحالتين يتم اختيار الأشخاص على أساس ولائهم وليس على أساس كفاءتهم وتبقى مصلحة المنشآت العمومية في مرتبة سفلى. لذلك فإنه من الضروري الإسراع في تعديل القوانين ذات الصلة في اتجاه إعطاء دور أكبر للناشطين بالمنشآت العمومية في اختيار المسيرين بمجالس الإدارة وتمكينهم من سلطة القرار وبالتالي تحميلهم المسؤولية كما يتجه إصدار الأوامر الترتيبية وتنفيذها دون تأخير.
نصّ الفصل 10 من قانون 1989 على أن صلاحيات مجلس الإدارة المنصوص عليها بالمجلة التجارية لا تصبح نافذة إلا بعد مصادقة سلطة الإشراف أي الوزارة المعنية. كما تخضع تلك الصلاحيات إلى مصادقة ثانية تقوم بها الوزارة الأولى أو رئاسة الحكومة حاليا وبالتالي لا يتمتع مجلس الإدارة بأي هامش حرية وتبقى عقلية الإشراف ثقيلة ومعقدة وطويلة، الأمر الذي يتسبب في تعطيل انشطة المؤسسة العمومية وقد ينتظر الرئيس المدير العام شهرا للحصول على المصادقة المرغوبة.
إن المؤسسة العمومية التي لا تسير مرفقا عموميا وتخضع للمنافسة يجب أن تخضع إلى قواعد تسيير المؤسسات الاقتصادية الخاصة باعتبارها مطالبة بالدخول في المنافسة لتوفير ارباح وتحقيق استثمار. أما المؤسسات العمومية التي تؤدي خدمات حيوية ولا تخضع للمنافسة كالماء والكهرباء فيجب اخضاعها لقواعد التصرف العام. - الرقابة على المنشآت العمومية :
تؤكدّ التقارير المتعلقة بالمنشآت العمومية على ضعف الرقابة سواء كانت خارجية أو داخلية ويرجع ذلك إلى تعدد وتنوع النصوص القانونية والترتيبية وكثرة هيئات الرقابة التابعة للوزارات أو لرئاسة الحكومة. بحيث لا تكون مثل الرقابة التي تخضع لها الشركات الخاصة والتي تتسمّ بالدقة والحزم والشفافية. لذلك يتجه الإسراع في التقليص من عدد الهياكل الرقابية الخارجية وصولا إلى توحيدها تفاديا للتداخل في أعمالها، كما يتجه تعزيز الرقابة الداخلية وتوفير الكفاءات البشرية واللوجستية للقيام بها على أحسن وجه. - حسن التصرف في الموارد البشرية والمالية وتعزيز النجاعة والمردودية :
ورد بتقرير وحدة متابعة الانظمة الانتاجية للمؤسسات العمومية بأن أسباب الصعوبات المالية التي تعاني منها المؤسسات تتمثل أساس في :
• ارتفاع التكاليف وخاصة كتلة الأجور التي بلغ حجمها سنة 2012 : 3511 مليون دينار مقابل 2579 مليون دينار سنة 2010.
• ارتفاع عدد العاملين بالمؤسسات العمومية نحو 180000 مقابل 120000 سنة 2010 أي بزيادة ستين ألف.
لئن خصّ المشرع الموظف العمومي بقانون خاص وهو قانون الوظيفة العمومية لما يقوم به من دور في إسداء الخدمات العمومية غير الربحية ويتمّ خلاصه من ميزانية الدولة بواسطة الضرائب، فإنه بالنسبة العاملين بالمنشآت العمومية ذات الصبغة الربحية والتي تخضع للمنافسة من الضروري تطبيق أحكام مجلة الشغل في شأنهم أي اتباع أكثر مرونة على مستوى الانتداب والتأجير وهي مرونة تمكن تلك المنشآت من تحسين انتاجها والرفع من مستوى مردودية أعوانها.
إن المنشأة العمومية عندما تحقق أرباحا تدعم ميزانية الدولة من خلال الضرائب ومناب الدولة من الارباح لكنها عندما تتكبّد خسائر تثقل ميزانية الدولة عبر المساعدات التي تتلقاها لإنقاذها.
لقد أكدت العديد من التقارير الصادرة عن وزارة المالية إلى أن تدهور الوضعية المالية للمنشآت العمومية ترجع إلى عدّة أسباب أهمها غياب استراتيجية واضحة في مجال المساهمات في المنشآت وتدني الانتاجية بسبب تدحرج قيمة العمل وتفشي اجراءات البيروقراطية بحيث لا يصدر القرار الإداري في الوقت المناسب وقد يصدر بعد فوات الأوان. كذلك بسبب ارتفاع كلفة الانتاج وتعدد هياكل الاشراف وضعف الرقابة بصنفيها الداخلية والخارجية وعدم نجاعة إجراءات الرقابة الداخلية بالإضافة إلى سوء التصرف واستشراء ممارسات الفساد.
إن الوضع المتردي للمؤسسات العمومية يستوجب التحرك سريعا لإصلاح المنظومة التشريعية والترتيبية ووجود إرادة قوية لمقاومة سوء التصرف والفساد وإعادة الهيكلة المالية والبشرية واللوجستية وتجنب المقاربات الايديولوجية النيولبيرالية التي يرّوج لها دعاة الخوصصة ويدفعون إلى إفلاس المؤسسات العمومية والتفريط فيها. إن البطء في انجاز الاصلاحات سيعمق أزمة المؤسسات العمومية وسيزيد من مخاطر التفليس والتفويت وهو ما تسعى إليه بعض اللوبيات التي تضع مصالحها فوق كل اعتبار وتهمل المصلحة الوطنية. لم نعد في حاجة إلى لقاءات صورية وحوارات شكلية نحن في حاجة إلى إرادة سياسية واضحة وقوية وإلى إصلاحات جريئة وجذرية لا تخدم المصلحة الشخصية بل المصلحة الوطنية وتنقذ المؤسسات والمنشأت العمومية.