ستّ سنوات مرّت على أحد أخطر وأعنف الهجمات الإرهابية التي عرفتها تونس في تاريخها، بعد أن استهدف الطّالب المتشدد ذي الثلاثة والعشرين عاما سيف الدين الرزقي، نزل امبريال مرحبا بسوسة، منهيا حياة 38 سائحا أغلبهم من بريطانيا.
26 جوان 2015، تاريخ فاصل، دخلت بعده تونس في حرب معلنة على الإرهاب والتشدّد لما تسّببت فيه الحادثة الدمويّة من خسائر اقتصادية.

الرزقي: ذئب منفرد

ما أثار استغراب واستهجان عموم التونسيين قبل ست سنوات، أنّ منفّذ الهجوم لم يكن معروفا لدى المصالح الأمنيّة المختصة ولم يسبق له أن شارك تنظيمات محظورة أنشطتها المشبوهة. سيف الدين الرزقي أصيل منطقة قعفور من ولاية سليانة التي تبعد عن مسرح الجريمة أكثر من 167 كلمترا لكنّه كان يعرف المنطقة جيدا بعد أن عمل فيها موسميا في فترات العطل لتوفير مصاريف دراسته بجامعة القيروان.


من مواليد 1992، لم تظهر على الشاب أي علامات تشدّد أو تديّن قبل ذلك اليوم الذي حمل فيه سلاحا وذهب للجلوس على الشاطئ تحت مظلة شمسية كبيرة تابعة لنزل امبريال بمنطقة القنطاوي حيث كان حوالي 250 سائحا أجنبيا، عندها قام بإطلاق النار عليهم فبدأوا بالجري نحو الفندق، وفي نفس الوقت سمعوا دوي انفجار صغير نابع عن قنبلة يدوية، واصل بعد ذلك التقدم نحو الفندق وهو يطلق النار مرورا عبر المسبح وبهو الفندق وموقف السيارات حتى خرج من الباب الأمامي. تدخلت الشرطة وقتها وقتلته.
عندما ظهر على شاطئ سوسة، حيث ارتكب مجزرة بحق سياح أجانب، كان يبدو من لباسه المكون من سروال قاتم وقلادة وقميص قصير الكمين، كأي شاب تونسي بين السائحين الألمان والبريطانيين والأيرلنديين الذين كانوا يستمتعون بأشعة الشمس، وتقول مصادر خاصّة لـ”JDD Tunisie”، إنّ الرزقي كان قبل ذلك بستة أشهر طالبا “عاديا” إلى أن تعرّف على قيادي بارز في تنظيم داعش الإرهابي عبر مواقع التواصل وكانت بضعة أسابيع كافية لغسل دماغه وتحويله إلى ذئب منفرد.
في سنة 2019، قضت المحكمة بسجن 7 متهمين في عمليتي باردو وسوسة (ملف واحد) مدى الحياة، كما أصدرت أحكام بالسجن تراوحت مدتها بين ستة أشهر و16 عاما، في حق متهمين آخرين في حين أخلت سبيل 27 آخرين.

تقصير أمني؟

سنة 2017، توصّل تحقيق بريطاني إلى أن رد فعل الشرطة التونسية على الهجوم الإرهابي كان “مخزيا، في أفضل الأحوال، وجبانا في أسوئها”.

وقال القاضي نيكولاس لورين-سميث إن المسلح كان يعتزم قتل أكبر عدد ممكن من السياح، مضيفا أنه لم يعثر على أي صلة مباشرة أو غير مباشرة بين رد فعل الضباط المسلحين في المنطقة وموت من قتل “والأمر ببساطة، بل الحقيقة المؤلمة، هي أن المسلح الذي كان في حوزته سلاح وقنابل يدوية، ذهب إلى الفندق وهو يعتزم قتل أكبر عدد ممكن من السياح. وكان ينبغي لرد الشرطة عليه أن يكون فعالا”.

وقد تجمع أقارب وأصدقاء البريطانيين القتلى، الذين كانت تتراوح أعمارهم بين 19 و80 عاما ومنهم ثلاثة أجيال، شاب وعمه وجده، أمام محكمة في لندن لسماع نتائج التحقيق، بعد أن كانت تريد من القاضي النظر فيما إن كان إهمال شركة السياحة، توي، أو مالك الفندق، عاملا مؤثرا في موت أقاربهم.

واعترف وزير الداخلية الأسبق، ناجم الغرسلي، بأنه “كان من الممكن القضاء على الإرهابي عقب سقوط الضحية الثالثة أو الرابعة في حال كان هناك ما يكفي من التأمين المسلح”، مشيرا إلى وجود “خلل مشترك في التعاطي مع هذه العملية بين أمن الدولة و أمن النزل”.

من جهة أخري، كشفت شهود العيان، وفيديوهات المراقبة عن هذا “الخلل” الأمني، حيث بينت وجود ما يشبه الغياب لكل شكل من أشكال الحراسة والأمن في النزل مما سمح للإرهابي بالتجول بكل حرية، من الشاطئ إلى بهو الفندق إلى الإدارة إلى المسبح المغطاة.

ضربة موجعة للاقتصاد

في ديسمبر 2015، أي بعد أشهر من العملية الإرهابية، أعلن الديوان الوطني للسياحة أن الأزمة تسببت في غلق 38 بالمائة من إجمالي الفنادق إذ بلغ عدد الوحدات الفندقية المغلقة، 192 وحدة ، أي ما يمثل 38 % من إجمالي 573 فندقا سياحيا.

وأكّد أن العمليتين الإرهابيتين اللتين استهدفتا متحف باردو خلال شهر مارس 2015، ونزل إمبريال بمدينة سوسة، تسببتا في غلق 71 وحدة فندقية ، وذلك نتيجة تراجع نشاطها في أعقاب تلك الأعمال الإرهابية.

وقال مرصد متابعة القطاع السياحي التابع لاتحاد المؤسسات المواطنة التونسية “كوناكت” في وقت سابق، أشار فيها إلى أن نسبة الفنادق السياحية المغلقة وصلت إلى 48 % من إجمالي الفنادق السياحية في البلاد.

يشار إلى أن القطاع السياحي في تونس يساهم بنحو 7 % من إجمالي الناتج المحلي ويمثل مصدرا رئيسا للنقد الأجنبي للبلاد، وتسببت تلك الأزمة في تراجع عائدات هذا القطاع نتيجة انخفاض عدد السياح الوافدين على البلاد، حيث ذكرت وزيرة السياحة السابقة سلمى اللومي أن عدد السياح الوافدين على تونس سجل تراجعا بنسبة 26.6 بالمائة.