بقلم العميد عبد الستار بن موسى
إن المنوال التنموي النيوليبرالي الذي فرضته الدوائر المالية بطريقة أو بأخرى وتبنتّه الدولة التونسية كان موجها بالأساس إلى مقاومة التضخم والعجز في الميزانية وتحقيق الاندماج في الاقتصاد العالمي على حساب الاندماج في الاقتصاد الوطني والإقليمي.
لقد فشل ذلك المنوال التنموي في بلادنا كما فشل في العديد من البلدان النامية إذ لم يحقق تنمية بل أنتج تقهقرا اقتصاديا ومزيدا من الفقر والبطالة وعمّق الفوارق الاجتماعية بين الجهات والفئات فبقي الشريط الغربي لبلادنا من شماله إلى جنوبه مهمشا ومفقّرا كما أنه همّش دور الدولة في المجال الاقتصادي وحتى الأهداف التي وضع من أجلها ذلك المنوال التنموي لم تتحقق فالتضخم شهد في بلادنا تصاعدا ملفتا والميزانية غرقت في العجز المستدام والاقتصاد لم يندمج عالميا بل أصبح أسير اقتصاد الدول الغنية وخاصة الغربية وصار معدّل النموّ في تقهقر مستمرّ.
لقد شهدت بلادنا عدّة انتفاضات ضدّ المنوال التنموي انطلقت منذ بداية التسعينات بولاية سليانة وولاية أخرى بالشمال الغربي لتعم كامل الشريط الغربي وخاصة خلال حراك الحوض المنجمي الذي كان بمثابة الشرارة التي أشعلت الحراك الثوري موفى 2010 وبداية سنة 2011. اندلع ذلك الحراك الثوري من أجل الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية من خلال الشعارات المرفوعة “حرية شغل كرامة وطنية“.
لقد تيقنت جلّ فئات الشعب بفشل المنوال التنموي وأصبحت تنادي بمنوال تنموي جديد يحقق مطالب الثورة ما عدى بعض الفئات القليلة التي استفادت ماديا من المنوال الحالي بسبب أنشطتها الربحية أو الغير قانونية كالتهريب وتجارة الأسلحة والمخدرات أو بفضل الامتيازات التي تحصلت عليها من السلطة الحاكمة عن طريق القرابة أو الولاء مقابل المساندة اللامشروطة.
إن العاطلين عن العمل الذين يزداد عددهم يوما بعد يوم والمنتمين لمختلف مستويات التعليم حتى أصحاب الشهائد العليا والدكاترة والتقنيين يعتبرون أنفسهم ضحية المنوال التنموي النيوليبرالي الذي لا يوفر لهم مواطن شغل وأصبحوا يحلمون بالهجرة إلى الضفة الغربية من البحر الابيض المتوسط سواء بصفة قانونية أو بصفة سرية ويفضلون الانتحار بحرا خيرا من العيش فقرا وقهرا.
أمّا الشغالون والأجراء بصفة عامة في جلّ القطاعات سواء الحكومية أو الخاصة فقد أصبحوا يشتكون من هشاشة وضعياتهم وتدهور المنظومة الاجتماعية والصحية وضعف دخلهم مقارنة بارتفاع الأسعار وانهيار المقدرة الشرائية. أما أصحاب المهن الصغرى من تجار وحرفيين فإنهم يعتبرون أنفسهم ضحية المنوال التنموي المعمول به وأصبحوا يشتكون من المزاحمة الشديدة التي تفرضها المغازات الكبرى ولا يقدرون على منافستها بفعل ضعف امكانياتهم مقارنة بإمكانياتها الضخمة واستفادتها من الامتيازات المتحصل عليها بفضل المنوال التنموي النيولبيرالي الذي يسير حسب قاعدة “حوت يأكل حوت وقليل الجهد يموت“.
أمّا المزارعين والفلاحين الصغار فإنهم ما انفكوا يشتكون من غلاء أسعار البذور والأسمدة الكيمياوية والأدوية الفلاحية وارتفاع كلفة الإنتاج في وقت يعانون فيه من صعوبة ترويج منتوجهم لعدم توفر مراكز التجميع والقبول وسيطرة الوسطاء على الأسواق الذين يشترون المنتوج بأثمان بخسة ويبيعونه للمواطن بأثمان باهظة فيحققون أرباحا خيالية ويستفيدون بذلك من المنوال التنموي الذي أضعف قدرة الدولة في المراقبة والمحاسبة.
أمّا الاقتصاد المنظم الذي يشمل التجار والصناعيين فقد أصبح مهّددا من قبل الاقتصاد الموازي من قبل أباطرة التهريب الذين استفادوا من المنوال الليبرالي وأصبحوا يجنون أرباحا خيالية ويحتفظون بإمكانيات هائلة من العملة الصعبة تفوق حتى إمكانيات البنك المركزي. كما أن القطاع البنكي كان ضحية للمنوال التنموي النيوليبرالي حيث أنه تحت ضغط أصحاب السياسة والمال أغدق عدّة قروض لمن لا يستحقونها وأصبح الآن عاجزا عن استرجاعها.
خلاصة القول أن أغلب شرائح المجتمع التونسي تضررت من المنوال التنموي الحالي الذي فرض من قبل الدوائر المالية العالمية في إطار تطبيق برنامجها المتعلق بالإصلاح الهيكلي دون استشارة الرأى الوطني. لقد أصبحت أغلبية الشرائح المتضررة من المجتمع تنشد منذ اندلاع الثورة منوالا تنمويا جديدا يحقق التنمية للبلاد والكرامة للعباد.
اهتمت القوى السياسية والمدنية أثناء مناقشة الدستور ومن خلال الحوار الوطني بالحرية لوضع حدّ للقمع والاستبداد بالديمقراطية لإقرار التداول على المسؤولية وإرساء استقلال السلطّة القضائية. إلا أن الاهتمام تسلطّ أيضا على الأوضاع الاقتصادية قصد معالجتها ووضع حدّ لتدهورها من خلال إعادة الاعتبار لدور الدولة وسعيا إلى تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية. لذلك نصّ الفصل 12 من الدستور بأن الدولة “تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والتوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدأ التمييز الايجابي”. كما أقرّ الفصل 12 بأن “الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه“. أمّا الفصل 10 من الدستور فقد أقرّ مبدأ التكافل والعدالة في أداء الضريبة بأن نصّ على أن “أداء الضريبة وتحمل التكاليف العامة واجب وفق نظام عادل ومنصف. تضع الدولة الآليات الكفيلة بضمان استخلاص الضريبة ومقاومة التّهرب والغشّ الجبائيين“.
أكّد الفصل 15 بأن “الإدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام، تنظم وتعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة واستمرارية المرفق العام ووفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة والمساءلة“.
امّا الباب الثاني من الدستور المتعلق بالحقوق والحريات فقد تضمن حزمة من الفصول المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالحق في الصحة والتعليم والعمل والماء والثقافة والملكية سواء كانت مادية أو أدبية، كما ضمن الفصل 45 من الدستور حق الانسان في بيئة سليمة متوازنة وألزم الدولة بتوفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث. إن كلّ تلك المواد الدستورية من شأنها إذا تمّ تنزيلها على أرض الواقع أن تساهم في توزيع عادل للثورة وفي تحقيق عدالة اجتماعية وتنمية مستدامة إلا أن مربط الفرس يكمن في تغيير المنوال الاقتصادي الذي تشبثت به السلطة الحاكمة قبل إعداد الدستور وبعده ولا غرابة في ذلك لأن الائتلاف الحاكم يتكون من اليمين سواء بجناحه المحافظ أو جناحه الليبرالي. وهو لا يرى فائدة في تغيير المنوال التنموي المعمول به والذي استفاد منه محور رؤوس الاموال المؤيدة له والداعمة اثناء الانتخابات والذي يشكل مراكز ضغط معارضة للإصلاحات الجوهرية التي تمّس من مصالحه ومن امتيازاته. فقد كانت تلك القوى عند إعداد دستور 2014 وراء عدم دسترة المجلس الاقتصادي والاجتماعي ثم اندثاره تماما. وهو المجلس الاقتصادي الذي تضمنه الفصل 70 من دستور 1959 الذي تمّ تعليق العمل به في مارس 2011 وتعويضه بقانون التنظيم المؤقت للنشاط. غاية ما سعى ويسعى إليه الائتلاف الحاكم القيام ببعض الإصلاحات المفروضة من الدوائر المالية المانحة والتي يسوّق لها عبر حوارات شكلية لا تشمل كافة القوى السياسية والمدنية.
إن تنزيل المكاسب الدستورية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي على أرض الواقع يستوجب المراجعة الجذرية للمنوال التنموي النيوليبرالي وإرساء منوال تنموي جديد يحقق فعلا التنمية والعدالة الاجتماعية ولا يمكن ذلك إلاّ بإقرار المبادئ والاختيارات التي تجسّده وتدعمه والتي تتلخّص في تعزيز الاندماج الوطني ودعم الاندماج الإقليمي وحوكمة الاندماج العالمي للاقتصاد الوطني.
* تعزيز الاندماج الوطني للاقتصاد التونسي :
لا يمكن تعزيز الاندماج الوطني إلا بإعادة الاعتبار لدور الدولة وتشجيع الاستثمار الداخلي.
* إعادة الاعتبار لدور الدولة كقوّة دفع للاقتصاد الوطني : يشمل إعادة الاعتبار عدّة مجالات سياسية إدارية أو اقتصادية واجتماعية أو فلاحية وبيئية.
أمّا بالنسبة للجانب السياسي و الإداري فإن الأمر يستوجب إصلاح الإدارة إصلاحا جوهريا يقطع مع البيروقراطية والفساد يؤسس للشفافية والنزاهة والحوكمة الرشيدة والرقمية والمراقبة والمساءلة تطبيقا لأحكام الفصل 15 من الدستور ودعم اللامركزية واعتمادها بكامل البلاد مع المحافظة على وحدة الدولة تطبيقا للفصل 14 من الدستور وهو ما يستوجب الإسراع ببعثت السلطات المحورية وتركيز أقاليم تشمل مناطق شاسعة ومتكاملة ترابيا واقتصاديا مع المصادقة على مجلة التهيئة والتعمير الجديدة وجعلها متلائمة ومتناسقة مع مجلة الشؤون المحلية بهدف ارساء ديمقراطية تشاركية تنبع فيها المقترحات المتعلقة بالتنمية من القاعدة وتتبلور في إطار مخططات تنموية تتم تزكيتها من قبل السلطة المركزية وتشجع على دعم الاستثمار والحدّ من البطالة ومن التضخم المالي ومن عجز الميزانية كإعادة الاعتبار للقطاع العام المشرف على المصالح الحيوية للمواطن من ماء وكهرباء وتنقل وغير ذلك وإيجاد صيغ تعاون مشترك بينه وبين القطاع الخاص خدمة للصالح العام وللتنمية المستدامة بعيدا عن الزبونيّة والولائيّة.
أمّا بالنسبة لدور الدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي فإنه وفي إطار ممارسة لسيادتها باسم الشعب على الثروات الطبيعية يستوجب على الدولة حماية الثروات الطبيعية ومواقع الإنتاج من كل اعتداء أو نهب كما أنه يجب عليها إيجاد الآليات الناجعة لاستغلال تلك الثروات لفائدة الصالح العام بعيدا عن المصالح الشخصية والفئوية الضيقة وتشجيع الاستثمارات في القطاع العام والخاص في إطار تحالفات واضحة وشفافة.
كما أنه تطبيقا لأحكام الفصلين 10 و 12 من الدستور المتعلقة بالتوزيع العدل للثروة والعدالة الاجتماعية فإنه يجب على الدولة وضع الآليات الكفيلة بضمان استخلاص الضرائب بصفة عادلة لا تقوم على الولاءات والوساطات بل على الكفاءة والمردودية ومقاومة التهريب والغش الجبائيين.
كما يجب إعادة الاعتبار للاقتصاد التضامني بواسطة إحياء التعاضديات والتعاونيات وشركات الخدمات التي تضمّ أصحاب المال وأصحاب الفكر والساعد والتي لا ينحصر دورها في البحث عن الربح وتكديس المال بل في توفير الإنتاج ودعم المنتوجية لدفع عجلة التنمية. لا يعني هذا بالضرورة العودة إلى تجربة التعاضد التي جربت وفشلت خلال الستينات من القرن الماضي. كما لا يعني هذا القطع مع اقتصاد السوق أو عدم تشجيع المبادرة الحرّة التي يجب بالعكس دعمها مادامت تساهم في تطوير الاقتصاد الوطني وفي الرفع من نسبة النمو. لقد صادق البرلمان بأغلبية 131 صوتا مقابل اعتراض 29 نائبا فيما احتفاظ نائب وحيد يوم الأربعاء 17 جوان 2020 على القانون الأساسي المتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني. ولئن حلت تجربة الاقتصاد التضامني متأخرة فإن أثرها سيكون إيجابيا على مختلف القطاعات الاقتصادية، وقد سبق لفرنسا أن اعتمدت الاقتصاد التضامني والاجتماعي الذي وفرّ لها أكثر من 10 بالمائة من الناتج الإجمالي ونحو 10 بالمائة من مواطن الشغل.
يشكل الاقتصاد الاجتماعي التضامني بديلا لمنوال التنمية الليبيرالي ويهدف إلى بعث أنشطة اقتصادية ذات أهداف اجتماعية ليس هدفها الأساسي مراكمة الثروة وعبر تجارب تعاضدية ومشاريع اقتصادية تشاركية تؤدي إلى الادماج الاقتصادي والتنمية لصالح المجموعة وتفضيل الانسان والمصلحة الاجتماعية على رأس المال. لقد عرف القانون الأساسي الجديد الاقتصاد الاجتماعي التضامني “بمنوال اقتصادي يتكون من مجموع الانشطة الاقتصادية ذات الغايات الاجتماعية المتعلقة بانتاج السلع والخدمات وتحويلها وتوزيعها وتبادلها وتسويقها واستهلاكها، التي تؤمنها مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني استجابة للحاجيات المشتركة لأعضائها والمصلحة العامة الاقتصادية والاجتماعية ولا يكون هدفها الأساسي تقاسم الأرباح”.كما أن الدولة ستكون راعية لهذا القطاع إذ نصّ القانون الجديد على إنشاء مجلس أعلى للاقتصاد الاجتماعي التضامني وهو هيئة حوكمة وتسيير للقطاع الجديد ملحق برئاسة الحكومة ويقوم بمتابعة المشاريع وتقييمها واقتراح القوانين والتوجهات الكبرى للقطاع .يجب أيضا مقاوم آفة التهريب بدون هوادة وتحقيق متابعة وإدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم عبر تيسير الاجراءات والقطع مع البيروقراطية والمسالك الملتوية وتوفير بعض الامتيازات التي تشجع على ذلك الاندماج والآليات الردعية.
أمّا في الميدان الفلاحي فإنه يتجه الحرص على دعم الفلاحين الصّغار مادّيا ولوجستيا عبر الخبراء والفنيين في الميدان الفلاحي كإحداث مراكز في كل أنحاء البلاد لقبول المنتوج الفلاحي في إبانه حرصا على عدم إتلافه وحمايته من الوسطاء ومصّاصي الدّماء. كما يتوجب على الدولة الاعتناء بالأراضي الدّولية وحمايتها من الاعتداءات والحرص على استغلالها بصفة محكمة سواء بواسطة التقنيين والمهندسين الفلاحيين أو بواسطة شركات فلاحية يقع إحداثها بمنتهى الشفافية والموضوعية ويتم مراقبة مستغلي الأراضي الفلاحية بصفة مستمرة وتوجيههم ومساءلتهم عند حصول سوء تصرف أو سوء استغلال منهم. يجب على الدولة أيضا وضع حدّ للأضرار البيئية المتأتية من إتلاف الثروة الغابية أو تكديس الفضلات في المصبات أو حتى في الأحياء والطرقات، لا يكون ذلك إلا بتشديد الحراسة على المناطق الغابية والضرب بقوة على أيدي العابثين كالقطع مع منظومة ردم الفضلات بالمصبات وتثمينها بواسطة تقنيات رسكلة حتى تصبح مصدرا جديدا للطاقة البديلة. يجب العمل أيضا على مقاومة الانجراف الذي يهدد التربة والتوسع العمراني الفوضوي الذي يهدد الأراضي الفلاحية والعمل على تصفية مياه البحر للحدّ من النقص الفادح في مياه الأمطار مقارنة بالمعدل الدولي ولمقاومة آفتي الجفاف والتصحّر ودعم الطاقات البديلة.
* تشجيع وتكثيف الاستثمار المنتج للثروة والموفر لمواطن الشغل :
إن الاستثمار من شأنه أن يخلق الثروة ويحدّ البطالة ويقلص من نسبة الفقر لذلك لابدّ من العمل على تشجيع الاستثمار الداخلي ومساعدة المشاريع الصغرى والمتوسطة عبر تيسير الإجراءات ودفع البنوك إلى المساهمة في المنوال التنموي من خلال اسناد قروض بفوائض ضئيلة وتوفير ضمان الدولة في تلك القروض. لابدّ أيضا من تشجيع المستثمرين داخل البلاد من أجل بعث مصانع تحويلية قريبة من مواقع الانتاج وتكثيف مراكز استقبال وتخزين المنتوجات الفلاحية ومراقبتها لضمان سلامتها والحدّ من ظاهرة احتكارها.
* إعادة الاعتبار للعنصر البشري :
وذلك بالكف عن معاملة الفرد كعنصر انتاج ووسيلة لتحقيق التنمية. يتم الاستغناء عنه طبقا لأهواء المستثمرين بل جعله هدفا للتنمية وهو ما يستوجب تغيير المنظومة الشغلية بإلغاء الوضعيات الهشّة وجعل التدرج والترقية لا تستند فقط على الأقدمية بل أيضا على الكفاءة والمردودية والانضباط في العمل كضمان حقوق العامل من أجر محترم وحوافز تشجيعية وتغطية اجتماعية وصحية لائقة.
* دعم الاندماج الاقليمي للاقتصاد الوطني:
– لا بدّ من دعم اندماج الاقتصاد الوطني على المستوى الاقليمي بدءا بالمحيط المغاربي مرورا بالمحيط العربي وصولا إلى المحيط الافريقي ولا يكون ذلك إلا بالسعي إلى تحقيق تكامل اقتصادي خاصة مع دول الجوار وبإحداث فضاءات للتبادل الحرّ وتيسير التنقل بين الاقطار المغاربية وتبادل السلع تصديرا وتوريدا كالسعي إلى إحداث شركات مغاربية ومصانع مشتركة. وهو ما يستوجب تطوير البنية التحتية وإحداث طرقات سيارة وشبكة سكك حديدية تربط بين مختلف أقطار المغرب العربي و تطوير المطارات و الموانئ البحرية كما يتجه دعم التبادل التجاري والاقتصادي والثقافي مع الدول العربية والدول الافريقية وإنشاء مواقع إنتاج مشتركة للحدّ من البطالة ومن الهجرة غير النظامية إلى الغرب . لقد أكد أخيرا الديوان الوطني للزيت أن قارة أوروبا تستأثر بنحو% 70 من إجمالي الصادرات و أن القارة الإفريقية أضعف مورد لزيت الزيتون التونسي بأقل من 10000 طن سنويا لذلك لابد من دعم الحضور التونسي في الأسواق الإفريقية استنادا إلى اتفاقية السوق المشتركة لشرق و جنوب إفريقية (الكوميسا) و التي تهدف إلى تطوير التجارة البيئية بين دول القارة الإفريقية.
- أمّا بالنسبة للعلاقة مع بقية أرجاء العالم فإنه يتجه حوكمة الاندماج الدولي:
على الدولة إعادة النظر في علاقتها مع الدول الغنية وخاصة الاتحاد الاوروبي في اتجاه تعاون مشترك يقوم على المعاملة التفاضلية لبلادنا ويضمن استقلال القرار الوطني وحماية المنتجات الوطنية والحدّ من التداين الخارجي. لا بدّ في هذا الإطار من استشارة المجتمع المدني والمنظمات الوطنية وتشريكها عند اتخاذ أي قرار يتعلق بالتبادل التجاري والصناعي وبإشكال التعاون الدولي.
يتضح من كل ما سبق ذكره أن إنشاء منوال تنموي جديد أمر لا مناص منه إلا أنه ليس بالأمر السهل والهيّن فإن كان التوافق على الانتقال السياسي سيتوجب مجرد تنازلات فإن التوافق حول المنوال التنموي البديل يستوجب تضحيات قد لا تقبل بها الأطياف السياسة الليبرالية واليمينية لذلك على المجتمع المدني أن يتحمل المسؤولية كاملة والإشراف على حوار وطني اقتصادي واجتماعي يضم كافة الأطراف والمنظمات الوطنية المعنية كاتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين وبقية الهيئات المعنية ومنظمات المجتمع المدني والاستئناس إلى آراء الخبراء المختصين في الميادين الاقتصادية والاجتماعية قصد إعداد استراتيجية متكاملة تضبط أسس وآليات ومبادئ المنوال التنموي الجديد وسبل تنفيذه ثم العمل على اقناع الاحزاب السياسية للموافقة عليه وممارسة الضغط من أجل رعايته وتنفيذه بصفة محكمة وناجعة.