تم نشر بيان يوم الاثنين 29 مارس 2021 من طرف اتحاد الإيفواريين تحدث عن حادثة تعرض عدد من الأفارقة من جنوب الصحراء إلى اعتداءات متفرقة بالعنف الشديد وبالطرد من منازلهم خلال الأيام القليلة الماضية وذلك في منطقة الكرم، وهو ما أسفر عن إصابتهم بجروح متفاوتة.
وهنا يطرح السؤال لماذا لا تزال العبودية وأشكال التمييز العنصري قائمة رغم القانون المصادق عليه 50-2018 والاتفاقيات التي صادقت عليها البلاد التونسية في هذا السياق؟
قانون مناهضة الميز العنصري
في عام 2018 واستجابة لدعوة متكرّرة من المجتمع المدني، اعتمدت تونس قانونًا عضويا ينص على مُعاقبة التمييز العنصري، وجاء هذا القانون لسدّ ثغرة قانونية، وليُمكّن ضحايا التمييز من اللجوء إلى القضاء للانصاف وطلب العدالة، فقبل 2018، لم يكن هناك أي نص يقضي بمحاكمة مرتكبي الأفعال أو التصريحات ذات الطابع العنصري، مما جعل الضحايا عرضة لتمييز مضاعف، يتعرّضون من جهة للعنصرية، وعلى الرغم من مصادقة تونس على الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري منذ 1967، لم يُعتمد أي نص وطني، يقضي بنقل أحكام الاتفاقية الدولية إلى القانون التونسي.
يعتبر قانون 50-2018 الأول من نوعه في شمال أفريقيا والعالم العربي، حيث تنتشر العنصرية ضد الأشخاص ذوي البشرة السوداء بشكل خاص في تونس، ، وذلك منذ سنوات عديدة، ولكن لم يُسمع صوت هؤلاء الضحايا إلا بعد انتفاضة 2011 ، فقد سمح ذلك برفع الستار عن العديد من المشكلات المجتمعية، ويحمل قانون القضاء على التمييز العنصري رسالة، تؤكد رفض المُشرِع والمجتمع التونسي للعنصرية في تونس، والاعتراف بمنزلة الضحية لكل من يتعرض لهذا النوع من التمييز. يهدف هذا القانون إلى جعل هذه الرسالة سياسة عامة للدولة، شاملة ولا تقتصر على الإطار التشريعي وحده، فالهدف من تشريع أي قانون هو توفير إطار قانوني في المقام الأول، لكن عند تحليل القانون 50-2018 يظهر جليا أن هذا الأخير لا ينحصر في نطاق تشريعي فقط، بل يمتد إلى أبعد من ذلك، إذ يتجاوز الشق القانوني ليحدث تغييرات في جوانب مُجتمعية أخرى، غير أن تأثيره غير القانوني ظل محدودا، لذا وجب فهم الأسباب وراء ذلك فبعد 3سنوات من اعتماد القانون 50-2018، لم يحدث تغيير حقيقي حتى الآن إذ لا تزال العنصرية قائمة ولا تزال العنصرية متجذرة في مجتمعنا، وهذا جلي في الاعتداء الذي تعرض له أفارقة من أصول إيفوارية في 25-26 من مارس 2021.
وتبعا لما حدث من اعتداءات يكشف أن العنصرية في تونس قد استشرت وهو ما يفهم من تصريحات رئيس اتحاد الإيفواريين الذي يقدم نفسه كممثل عن الجالية الإيفوارية ودول جنوب الصحراء المقدر عدد المتواجدين منهم في تونس بأكثر من 20 ألف شخص، جالية تتعرض إلى الاعتداءات العنصرية ولدى توجهها إلى الأمن لتتبع المعتدين تجابه بعدم الاكتراث وعدم تتبع الجناة مما عمق إشكاليتهم، وذلك لغياب الجانب الزجري الرادع في قانون 50-2018.
ما هي الإسهامات القانونية لقانون 50-2018 في القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري؟
جاء هذا القانون ليُعرّف ما هو التمييز العنصري بشكل واضح، وعلى نحو يتوافق مع المعايير الدولية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، يُقصد بالتمييز العنصري وفقاً للقانون التونسي: “كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني أو غيره من أشكال التمييز العنصري، والذي من شأنه أن ينتج عنه تعطيل أو عرقلة أو حرمان من التمتع بالحقوق والحريات أو ممارستها على قدم المساواة أو أن ينتج عنه تحميل واجبات وأعباء إضافية.
كما ينص هذا القانون على عقوبات جديدة لمرتكبي جريمة التمييز العنصري “يعاقب بالحبس من شهر إلى عام واحد وبغرامة مالية من خمسمائة إلى ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يرتكب فعلا أو يصدر عنه قولا يتضمن تمييزاً عنصرياً…”
يعاقب بالسجن أيضا من عام إلى ثلاثة أعوام وبغرامة مالية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يرتكب أحد الأفعال الخطيرة التالية “التحريض على الكراهية والعنف والتفرقة والفصل والإقصاء، أو تهديد شخص أو مجموعة أشخاص على أساس عنصري، نشر الأفكار القائمة على التمييز العنصري أو التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية بأي وسيلة من الوسائل، الإشادة بممارسات التمييز العنصري عبر أي وسيلة من الوسائل…”
كما ينص الدستور في الفصل 21 من باب الحقوق والحريّات، على نبذ أيّ تمييز على أساس لون البشرة، ويؤكّد أنّ “المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز”.
بعد مرور 3سنوات، هل حقق هذا القانون أهدافه؟
يبدو أن الإسهامات القانونية قد أصبحت حقيقة واقعة، إذ تمكن بعض ضحايا التمييز العنصري من اللجوء إلى القضاء والحصول على أحكام تعويضية.
تم الحكم بخمسة أشهر سجنا وخطية مالية بثلاث مائة دينار في حق امرأة تهجّمت على معلم بمدرسة ابتدائية ونعتته بأوصاف عنصرية، في فيفري 2019 وكان ذاك هو أوّل تطبيق للعقوبات المنصوص عليها بالقانون المتعلق بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري بتونس، قانون اعتبره البعض قانونا تاريخيّا لاعترافه وتجريمه خاصة لظاهرة التمييز العنصري ولما يحتويه من ضمانات من شأنها القضاء عليه.
لكن مع ذلك، تظل الإسهامات غير القانونية بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش في تونس، فبعد 3 سنوات من سن القانون، لم نلمح إلى يومنا هذا أي خطة عمل أو إستراتيجية وطنية لمنع التمييز العنصري ومكافحته، ولم نلاحظ أي برنامج يعتني بالتوعية في المؤسسات العامة أو الخاصة، ولا تسليطا للضوء على معاناة الأشخاص المعرّضين للتمييز العنصري.
وأوضحت النائبة عن رئيس جمعية منامتي غفران بينوس لـ “JDD” أن التمييز العنصري لا يزال مستشريا في البلاد التونسية خاصة ضد الأفارقة أو مثلما يتم نعتهم بـ “السّود”، وتتعمق الأزمة خاصة في حال التوجه للقضاء لعدم التوفر الدائم لوسائل الإثبات لديهم، فلا يتم التعامل مع قضاياهم بصفة صارمة، وتتواصل العنصرية الضمنية التي تظهر في عديد من الأشكال، الاعتداء اللفظي والمادي، وسوء المعاملات في أمكان العمل، في مقاعد الدراسة والعديد من الأشكال الأخرى التي تتجلى ضمن هذه الضاهرة والتي تعرّيها التشكيات التي تنلقاها جمعية منامتي”.
وفي عام 2020، حظيت حركة “Black lives matter” باهتمام المجتمع المدني التونسي، بعد أن تظاهر أنصارها في شوارع تونس العاصمة، في حين لم يتم تسجيل أي تعقيب للسلطات الحكومية على قضية العنصرية في تونس ولم يصدر عنها أي نوع من التأكيد على ضرورة تطبيق القانون، وبينما يعول المجتمع المدني على إنشاء لجنة وطنية ويعقد عليها آمالا كبيرة في إحداث التغيير.
رغم كل محاولات التغيير، ظلت ظاهرة العنصرية في تصاعد في تونس، حيث شهدت الساحة السياسية تمييزا عنصريا ضد النائبة السوداء الوحيدة في البرلمان التونسي في ديسمبر 2019، وتسببت جائحة كوفيد 19 في تفاقم هذه الظاهرة، حيث سُجلت العديد من الحوادث العنصرية التي استهدفت المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى المقيمين في تونس، خلال فترة الحجر الصحي.
فحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية نشر دراسة بعنوان “من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس ” تؤكد أن المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء يرون أنّ 61 بالمائة من التونسيين عنصريون حيث تعرض 51.1 بالمائة منهم أثناء فترة إقامتهم في تونس لأعمال عنصرية وكراهية من قبل التونسيين منها الشتائم بنسبة 89.60 بالمائة، والعنف الجسدي بنسبة 33.90 بالمائة، والتحيل بنسبة 29.60 بالمائة، والانتهاكات بنسبة 22.90 بالمائة، والابتزاز بنسبة تقدر بـ 7.80 بالمائة، وتستعرض الدراسة تعرّض المهاجرين في أماكن الترفيه للممارسات العنصرية بنسبة 18 بالمائة والمستشفيات بنسبة 6.5 بالمائة والجامعات بنسبة 5.5 بالمائة ومقرات المنظمات الدولية بنسبة 3.3 بالمائة وحتى عيادات الأطباء الخاصة بنسبة 1 بالمائة.
وفق تقرير المنتدى تنقسم أعمال العنف إلى 87.20 بالمائة من طرف المواطنين، كما تعرضوا بنسبة 56.80 بالمائة للعنصرية من سائقي سيارات الأجرة و 3 بالمئة من قبل أصحاب المحلات التجارية، وتطرقت الدراسة إلى العنف المؤسساتي الذي تعرّض فيه المهاجرون للعنصرية في مراكز الأمن بنسبة 9.60 بالمائة ومن قبل رؤساء العمل بنسبة 5 بالمائة.