تواجه حركة النهضة خلال الفترة الأخيرة اتهامات مختلفة لعل أهمها شهادة القيادي السباق كريم عبد السلام الذي أكّد ضلوعها في أحداث عنف دموية في تسعينات القرن الماضي، إلى جانب عدم قدرتها على القيام بمراجعات حقيقة وعدم اعترافها بتاريخها.
وترد قيادات الحركة على هذه التصريحات باعتبارها “مغالطات وحملات تشويه لتوفير شروط الانقلاب على الشرعية الانتخابية” فهل نجحت النهضة في التحول إلى حزب سياسي مدني؟

المرجعية الإسلامية

تقدّم حركة النهضة نفسها على أنها “حزب سياسي وطني ذو مرجعيّة إسلامية”، ولا تقول الحركة في نظامها الأساسي إنّها حزب مدني وهي صفة أساسية ملازمة للحزب السياسي في المقابل صنّفت نفسها في خانة الإيديوليوجية الدينية.
وهنا نشير إلى الفرق بين الأيديوليوجيا والديّن باعتبار الأولى طريقة في الحياة والإدارة والنظرية الاقتصادية ونسق الأفكار والمعتقدات، وهي بالتالي أقل تأثيرًا من العقيدة الدينية ومتطلباتها اللازمة، ويحتويها الدين.


وفي السياق التونسي، فإن حركة النهضة حصلت على الترخيص الرسمي عقب ثورة 2011 وقبل صدور المرسوم 87 لسنة 2011 المتعلق بتأسيس الأحزاب وتسييرها، وذلك بمقتضى قانون سنة 1988 الذي يحجّر تأسيس الأحزاب ذات المرجعية الدينية والأيديولوجيا العقائدية.

المؤتمر العاشر: مراجعات أو إكراهات؟

في مؤتمرها العاشر في ماي 2016، أعلنت حركة النهضة في خطوة مفاجئة عن اعتزامها التخصص في العمل السياسي والتنصل من مهامها الدعوية لفسح المجال أمام المجتمع المدني بعد أن كانت ومنذ تأسيسها كـ”جماعة إسلامية” حيث كان يعتبر زعيمها راشد الغنوشي في الصفحة 82 “من تجربة الحركة الإسلامية في تونس” الصادر سنة 2000 «إن هذا التدين بدوره تألف بين العناصر الآتية: المنهجية السلفية التي تقوم على محاربة البدع في مجال العقائد ورفض التقليد المذهبي في المجال الفقهي والعودة في ذلك كله إلى الأصل: الكتاب والسنة، وتقوم هذه المنهجية أساساً على أولوية النص المطلقة على العقل والفكر السياسي ..”.


هذا التحول المعلن أثار جدلا سياسيا ودفع إلى طرح عدة تساؤلات عن طبيعة الحركة قبل هذا التاريخ وهل تحولت فعلا إلى منزلة الحزب السياسي وتجاوزت مرحلة الجماعة؟

بعد تعكّر صفو العلاقة بين رئيس الجمهوريّة الراحل الباجي قائد السبسي والحركة صرّح في حوار لجزيدة الصحاقة في سبتمبر 2017 “أردنا جلب النهضة لخانة المدنية لكن يبدو اننا أخطأنا التقييم (..) لاحظنا تردّدا وتوجّسا واضحا مِنَ البعض أعاق اندماجهم الكلّي في النسيج المجتمعي التونسي الذي يتحرّك على أرضية مشتركة هي النظام الجمهوري والدولة المدنية الحداثية والمجتمع المفتوح الذي قوامه حرّية الفرد”.

يلتقي تصريح قائد السبسي مع مؤشرات أخرى تدلّ على تمسك الحركة بجناحها الدعوي من خلال مؤسسة مجلس الشورى، أعلى سلطة بين مؤتمرين الذي تسيطر عليه القيادات التاريخية التي لم تغادر تونس سنوات التسعين والتي تُصنّف على أنها أكثر راديكالية.

ولربط الخطوة التي أقدمت عليها النهضة سنة 2016، يجب أن نشير إلى خروجها من السلطة وخسارتها لانتخابات عام 2014 وصعود منافسها نداء تونس، تزمانها مع التغيرات الجذرية التي وقعت في مصر بعد عام 2013 وسقوط مشروع جماعة الإخوان المصرية وخوف النهضة من تكرار السيناريو المصري في تونس.

دوليا، وعلى مستوى الإدارة الأمريكية صعدت إدارة دونالند ترامب، غير المنسجمة مع الجماعات الإسلامية، بعكس إدارة أوباما التي شجعت صعود جماعات إسلامية إلى السلطة في أعقاب ثورات الربيع العربي.