تَأزُّم الوضع الاقتصادي في تونس بسبب جائحة كورونا وتدهور الطاقة الإنتاجية والتنمية وزيادة حدة الفقر والتهميش وارتفاع نسبة الفئات المتضررة من العولمة والرأسمالية، تدفع  إلى دراسة طبيعة النظام الاقتصادي في تونس منذ الاستقلال إلى غاية اليوم للوقوف على مواطن الخلل قصد النظر في سبل حلحلة الأزمة. 

نظام اشتراكي 

من جانبه قال أستاذ الاقتصاد وعميد كلية ”ابن سيناء”، رضا قويعة، في تصريح لـ”JDD” أن النظام التونسي حاول خلال فترة الستينات تعميم النظام الاشتراكي في الاقتصاد من خلال تأسيس تعاضديات وشركات عمومية في جميع مناطق البلاد على غرار تخصيص شركات الفصفاط في كل من قفصة وقابس وشركات الفولاذ في بنزرت والحلفاء في القصرين والنسيج بالقيروان وغيرها من المؤسسات التي تهدف إلى تنمية الجهات.

وأوضح قويعة أن هذه التجربة لم تنجح لأسباب داخلية متمثلة في عدم استعداد الشعب التونسي آنذاك لمثل هذه التجارب وأسباب خارجية تتمثل في رفض كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المساعدة على تمويل هذه المشاريع.

smart

نظام رأسمالي

وبين قويعة أن هذه العوامل دفعت النظام السياسي لتغيير توجهه الاقتصادي إلى نظام رأسمالي وذلك بداية من سنة 1970، مشيرا إلى أنه تم بناء على هذا التوجه

وضع القانون 72 الذي يحاول أن يعطي امتيازات للمستثمر الأجنبي المباشر وتسهيلات جمركية وتيسير عمليات التصدير والتمويل، وفق قوله.

وأضاف قويعة أن هذا النظام الاقتصادي الرأسمالي مكّن المؤسسات الخاصة من اتخاذ متسع للتَّموقع أكثر من المؤسسات العمومية فباتت القوانين جلها في صالح القطاع الخاص، مؤكدا أن النظام الرأسمالي أصبح منذ ذلك اليوم إلى غاية اليوم مسيطرا على العجلة الاقتصادية في تونس في جميع القطاعات.

وأشار أستاذ الاقتصاد إلى أن الدولة كانت تملك حوالي 400 شركة عمومية في أوائل الانفتاح الاقتصادي الرأسمالي تم خوصصة معظمها، وفق تعبيره.

أزمة الرأسمالية في تونس 

وبين أستاذ الاقتصاد، رضا قويعة، أن هذا النظام الرأسمالي واجه مشاكل عديدة على غرار تعمق الفوارق الطبقية بين الأغنياء والفقراء في تونس وتعمق المشاكل الجهوية بسبب عدم تسلسل الأنظمة الاقتصادية ومرورها بسنوات عجاف بسبب خلق مؤسسات خاصة جديدة وكسر مؤسسات ذات خبرة وقدرة على التنافسية مع المؤسسات الخارجية والنهوض بالاقتصاد الوطني، إلى جانب عدم وجود علاقة بين مؤسسات البحث والتعليم العالي والشركات بما يمكن هذه الأخيرة من تطبيق الابتكارات من خلال تبني حلول عملية وعلمية للنهوض بمواردها المالية، وفق تعبيره.

نظام التعديل الهيكلي 

هذه الأزمات التي مر بها النظام الاقتصادي الرأسمالي دفعت الدولة في الثمانينات إلى اعتماد نظام التعديل الهيكلي الذي يقوم على تحرير الأسعار وإعطاء أكثر تسهيلات للرأسمالية والاستثمار الأجنبي بهدف النهوض بالاقتصاد في البلاد وزيادة تحرير الهياكل الاقتصادية وخاصة منها المؤسسات العمومية. 

 برنامج التحرر الاقتصادي

وفي ذات الإطار اعتبر المنتدى الاقتصادي العالمي بين سنتي 2011 و2012 أن البلاد التونسية كانت تعد من أكثر الدول قدرة على المنافسة الاقتصادية في أفريقيا حيث احتلت المرتبة 36 عالميا إلاَّ أن هذا النمو لم ينتج عنه تحسن في الظروف المعيشية للمواطنين خاصة في المناطق الداخلية، حيث ارتفعت نسبة البطالة والتهميش.

البنك الدولي

ووفقا للبنك الدولي، فإن المخاطر والتحديات التي يواجهها الاقتصاد التونسي تحتاج إلى وضع وتطبيق لوائح تنظيمية للنهوض بالأوضاع الخاصة من خلال وضع استراتيجية شاملة لإصلاح نظام الخدمة المدنية والمؤسسات الحكومية إلى جانب تحسين أنظمة الحوكمة ومكافحة الفساد والانطلاق  في حوار للنظر في أسباب الاضطرابات الاجتماعية ومعالجتها.