أعلن رئيس الهيئة التونسية للوقاية من التعذيب “فتحي جرّاي” في جلسة عامة بمجلس نواب الشعب يوم الجمعة 16 أفريل 2021، عن تسجيل 630 انتهاكا داخل السجون ومراكز الإيقاف وذلك خلال الفترة الممتدة بين مارس 2020 ومارس 2021 وعبّر أن ظروف الإيداع بالسجون والإيقاف بالمراكز لا تزال بعيدة عن المعايير الدولية، رغم كل المجهوردات الرامية إلى تحسينها، وأشار في قوله إلى خطورة تواصل إفلات رجال الأمن من العقاب في قضايا ارتكابهم لجرائم الانتاهاكات المفتعلة ضد السجناء وممارسة التعذيب وكل أشكال العنف مبينا أن ذلك ساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تواصل الاعتاداءات وتكرارها.
وسجّلت جلسة الاستماع عدّة مداخلات من قبل النواب حول موضوع التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان بالسجون التونسية معللين آرائهم بتقارير مبينة لأرقام وإحصائيات وشهادات ضحايا التعذيب مرفوقة بشهائد طبية في نفس الغرض.
تعذيب وأوضاع مهينة في السجون التونسية
يقصد بالتعذيب في القانون الدولي لحقوق الإنسان أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد بدنيا كان أم عقليا يلحق بشخص لأغراض مثل الحصول على معلومات أو على اعتراف أو للمعاقبة أو الترويع أو الإجبار، إذ صرّح مبروك كورشيد في هذا الأساس أن في السجون التونسية اليوم جانب الحريات لم يتطوّر، رغم ترسانة الاتفاقات الدولية المصادق عليها والقوانين المجرّمة لهذه الانتاهاكات غير أن ظروف الإيقاف في المراكز والسجون وحلاقة شعر أطفال قُصّر وتهديدهم بالاغتصاب وسكب الماء على قصر وضربهم بالماتراك والتسبب بكسور خطيرة لبعض الموقوفين لا تزال في تبعية لمنظومة بوليس ما قبل الثورة، تُنتزع فيها الاعترافات وتٌقبر فيها كل الحقوق والحريات.
وأشارت”سارة الفرشيشي” عضو برابطة حقوق الإنسان في تصريح لها لـ “JDD” أن السجون التونسية لا زالت تحت سيطرة الجهاز الأمني إذ أكّد العديد من الموقوفين إثر زيارة ميدانية لبعض السجون، تعرضهم بمراكز الإيقاف إلى سوء المعاملة والضّرب والعنف اللفظي والمادي والهرسلة المعنوية والنفسية غلى جانب حلاقة شعر أطفال قُصّر وخلع سراويل بعض منهم وتهديدهم بالاغتصاب وضربهم بالماتراك والتسبب بكسور خطيرة لبعض الموقوفين كما وقع إرغامهم على إمضاء محاضر دون التطلع عليها إلى جانب ظروف السّجن والتي وصفتها بالكارثية من حيث عدم توفير أبسط مقومات العيش مثل الأسرة، والاكتظاظ وغياب كل وسائل الحماية والوقاية وهو ما سبّب في انتشار الوباء بين المساجين بنسق سريع في ظرف وجيز.
قصور التجريم وإفلات من العقاب
خلصت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان إلى أن “السجون مؤسسات عقابية ومهينة للبشرية أكثر منها مؤسسات إصلاحية”، و عليه فإن الإفلات من العقاب للمسؤولين عن ارتكاب كل أشكال الاعتداءات الحاصلة وغياب المراقبة في السجون من أبرز أسباب تفاقم هذه السياسية الممنهجة وديكتاتورية المعاملة.
وأشارت في هذا السياق سامية عبو في تصريح لها أن عديد الأمنيين مورّطين في تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان وقيادات أمنية كانت مكلّفة بالتعذيب في السجون قبل الثورة عوضا عن محاسبتهم تمت ترقيتهم وأصبحوا مديرين للسجون بعد الثورة.
إذ أن المحاسبة القضائية تظل استثنائية، حيث لا تتخطى الشكايات البحث أو التحقيق، ويتم استعمال أساليب مختلفة لتعطيلها أو طمس الأدلّة، ممّا يفسّر محدودية عدد القضايا التي تبلغ المرحلة الحكمية.
وصرّح في هذا السياق المحامي والناشط الحقوقي مختار الطريفي لـ”JDD” أن أن النيابة العمومية هي المكلفة بالتحرك وفتح التحقيقات الضرورية في مثل هذه التجاوزات إلى جانب وزارة الداخلية التي من شأنها فتح التحقيقات الإدارية في التجوزات المنوطة بمنظوريها، لكن القصور والتهاون عن أداء المهام المكلفة في عهدتهم هي إحدى مظاهر خرق القانون فضلا عن عدم معرفة مآلات القضايا التي تُرفع مع طول الإجراءات.
كما كشف فتحي جراي أن معظم وكلاء الجمهورية في تونس يتّخذون قرار الإيداع بالسجن من عدمه عن بعد، في الوقت الذي يفترض به أن يستمع وكيل الجمهورية للمعني بالأمر قبل أن يقرر فيه، كما دعا وزارة الداخلية إلى مزيد من تأهيل آلياتها في طريقة التعامل مع الموقوفين، وشدد على ضرورة التخلي عن سياسة القمع واختراق التشريعات الواردة والمتعلقة خاصة بالإكراه على الاعتراف.
بعد عقد من قيام الثورة التونسية والتي وضعت حدّا للدولة البوليسية، لا يزال الجهاز الأمني يشكل سلطة أحيانا تفوق القوانين وحتى الدستور الذي خوّل للمواطنين كل الحقوق والحريات ويحفظ كرامته وهو ما يدعو للتشديد في المراقبة وسط السجون وتوفر الإرادة السياسية والسعي لتطبيق ما تدعو إليه الاتفاقيات الدولية لضمان دولة ديمقراطية أساسها القانون والحرية.