تظلّ خصوصية قانون العائلة النقطة الأبرز التي تطبع عقد الزواج وتجعله مميزا عن عقود النمط، واعتبر المشرّع أن كل إخلال بمقومات عقد الزواج يكون في إطار العنف الزوجي بكل صيغها، لا سيما العنف الصامت وهو وقوع جريمة الاغتصاب في ظل وجود عقد الزواج، إلا أنه ورغم ما تخلفه هذه الجريمة من مضار جسيمة لا تزال هذه المسألة خارج إطار التشريعات، فماهي دواعي الاغتصاب والحال أن الضحية زوجة؟ وماهو موقف المشرع من هذه الجريمة؟
الاغتصاب حق مكرّس للزوج
يعتبر الاغتصاب الزوجي من أقصى درجات العنف الجنسي الممارس على المرأة، ذلك أنه يمارس ممن يفترض فيهم صون هذه الأخيرة وحمايتها، وقد تضمنت المواثيق الدولية والتقارير الحقوقية العديد من التعاريف، التي يمكن اختزالها في أن الاغتصاب الزوجي هو إقدام الزوج على معاشرة زوجته بدون رضاها وباستخدام الإكراه، ولا يقصد بالإكراه هنا الإكراه المادي فقط، والمتمثل في استخدام القوة الجسدية من أجل إجبار الزوجة على المعاشرة الجنسية، بل أيضا الإكراه المعنوي المثمل في الابتزاز والتهديد بالطلاق أو الهجر أو الحرمان من حقوقها المالية.
وبالرجوع للقانون التونسي لا يوجد أي تجريم صريح للاغتصاب الزوجي، بل اكتفى المشرع بتجريم الاغتصاب بشكل عام بالفصل 227 من المجلة الجزائية.
وصرحت في هذا الإطار رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات يسرى فراوس لـ “JDD” أن الفصل 23 من مجلّة الأحوال الشخصية ينصّ على ضرورة قيام على كل من الزوج والزوجة بالواجبات الزّوجية حسبما يقتضيه العرف والعادة بما في ذلك الواجبات الجنسية، في غياب الشرح الفعلي للواجبات الجنسية التي يمكن أن تؤخذ على إطلاقيتها.
وأضافت أن الفصل 13 من نفس المجلة “لا يمكن للزوج أن يجبر زوجته على البناء، ما لم يدفع المهر.” بمعنى أنه لا يستطيع الزوج إجبار زوجته على معاشرته إذا لم يدفع المهر، وفي هذا السياق فإن مجلة الأحوال الشخصية تكرّس الاغتصاب الزوجي.
كما أوضحت أن ما يترتب عن الاغتصاب الزوجي من تداعيات كثيرة هي نتائج أوضحتها العديد من الضحايا عبر آثار جسدية أو شهائد طبية.. إذ تسبب هذه الجريمة اظطرابات في الأكل، تهتّك في الأعضار التناسلية، تهتّك في الرحم، نزيف، الإجهاض التلقائي، والانتحار في بعض الأحيان.”
في المقابل يعتبر القانون الفرنسي أن الاغتصاب الزوجي يكون أكثر تأثيرا وأشدّ ألما، لذا فإن الرجل الذي يغتصب امرأة لا يعرفها يعاقب ب15 سنة سجنا، أما إذا كانت زوجته فتضاعف عقوبته إلى 20سنة، وتشير آخر إحصائيات إلى أن 35% من النساء المتزوجات حول العالم يتعرضن ل”الاغتصاب الزوجي” لا سيما في البلدان العربية حيث تفتقد المرأة المتزوجة إلى الحماية القانونية غالبا، في ظل محدودية التشريعات المناسبة.
لا نص قانونيا
أوضحت أستاذة القانون الجنائي ألفة بن منصور لـ” JDD” أن العديد يعتبرون أن العلاقة الزوجية هي أحقية مشروعة، وليس للزوجة أن ترفض مهما كانت الظروف، واعتبرت أن هذا الفراغ التشريعي هو طمس للمنظومة القانونية، كما أن العديد من الشراح في تونس اعتبروا أنه لا يمكن الجمع في القانون التونسي بين صفتي الزوج والمرتكب لجريمة الاغتصاب، بالرغم أن المشرع في الفصل 227 من المجلة الجزائية استعمل عبارة “كل من واقع أنثى” واعتبار كلمة أنثى بالأساس، تعني امرأة نكرة لا تربطها بالجاني أي صلة شرعية، لاعتبار أن هناك فرق بين مواقعة الرجل لزوجته ومضاجعة امرأة أخرى.
ما يلاحظ أن مثل هذه الاعتداءات تتميز باعتبارها ظاهرة إجرامية تدخل في إطار جرائم الرقم الأسود، لأن ما قد ينشر منها لا يمثل في الواقع إلا جانبا من هذه الظاهرة في حين تبقى نسبة كبيرة دون تتبع، ولعلّ أهم سبب في ذلك هو تحاشي الضحايا وعائلتهن رفع الدعاوي في المسائل التي تمس بالشرف نظرا لما يتبع هذه الدعاوى من علانية، ويجمع أغلب فقهاء وأساتذة قانون أنه من الضروري تطوير المنظومة القانونية بالاتجاه صراحة على تجريم الاغتصاب الزوجي وفق ما نص عليه الدستور في الفصل 64 بأن على الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل حماية المرأة من العنف.
وفي هذا السياق حكم جنائي عدد 990 صادر عن الدائرة الجنائية بابتدائية صفاقس
إذ طرح على انظار الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بصفاقس في اطار القضية عدد 990 التي احيل فيها الزوج لمقاضاته من اجل الاعتداء بفعل الفاحشة طبقا لاحكام الفصل 228 من م ج بناء على الشكاية التي رفعتها ضده زوجته متهمة اياه وانه اساء معاملتها منذ الاشهر الاولى للزواج بان اصبح يطالبها بتمكينه من الاتصال بها جنسيا من دبرها،وامام الرفض الذي جبه به ، لم يجد الزوج من حل لاشباع حيوانيته الجامحة سوى تعنيفها واكراهها على الاستسلام له واغتصابها وقد تكررت الاعتداءات على مداد سنتين وقد اعتبرت المحكمة ـ بالرغم من وقوف الطبيب الشرعي على حصول عمليات ايلاج كاملة بدبر الزوجة ووجود كدمات بفخذها الايسر، وأن الجريمة موضوع نص الاحالة لا تقوم في حق الزوج، لعدم وجود ما يثبت انعدام الرضا.
ما يؤخذ من تعليل المحكمة هو ان الافعال الجنسية الشاذة التي يمارسها الزوجين لاتنقلب على الرغم من بشاعتها وخروجها عن النمط الطبيعي إلى جرم معاقب عنه جزائيا إلا إذا تمّ إثبات عنصر الرضا.