في إطار الجهود الرامية لمنع انتشار فيروس كورونا، أغلقت المدارس في جميع أنحاء البلاد أبوابها، وشهدت البلاد العديد من التداعيات المتوقعة لذلك: طلاب متأخرون دراسيًّا، وآباء لا يتمكنون من إنجاز أعمالهم بسبب ضوضاء الأطفال.
لكن هناك مشكلة أكثر رعبًا تؤدي دورها في هذا السياق، فعندما يكون الأطفال في البيت، يدخلون على شبكة الإنترنت، ومستغلو الأطفال لن يفوتوا هذه الفرصة، فيسقطون في فخ هذا العالم الافتراضي وذلك نتيجة للعزلة الاجتماعية وقلة الرقابة، وقضاء الكثير من الوقت على أجهزة الكمبيوتر.
لأول مرة في تونس.. تجارة الأطفال باﻷطفال
قال روبرت بيزر، مدير المبادرات الاستراتيجية للاتجار بالجنس في Polaris، “إن المجرمين يعرفون أن هناك مجموعات معينة من الناس ليس لديهم الدعم، وليس لديهم القدرة على الحصول على العدالة لأنفسهم، وهؤلاء الأشخاص الذين، إذا جرى استغلالهم، فمن غير المرجح أن تواجهك أي مشاكل كالمتاجرة بالبشر مثلا”.
وفي هذا الإطار صرحت رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر “روضة العبيدي” لـ JDD أنه قد تم سنة 2020 تسجيل زيادة في نسبة استغلال الأطفال بنسبة 180.6% مقارنة بـ 2019 وهو رقم مفزع جدا، واتضح أن مستغلي الأطفال أضحت وسائل الاتصال لديهم أفضل فضاء سيبراني لاستقطاب ضحاياهم، وغالبًا ما يتظاهرون بأنهم قُصّر، ويبدأون محادثات بريئة، ثم تتطور تلك الاتصالات إلى ضغط على الأطفال ليرسلوا إليهم بصور أو فيديوهات فاضحة، ولاحقًا يستخدم المستغلون تلك الصور وسيلةً للابتزاز من أجل إجبار ضحاياهم على إرسال المزيد من المحتوى الفاضح والحفاظ على سرية الاستغلال الجنسي، وقد يهددون بإرسال الصور إلى آباء الأطفال إذا لم يمدوهم بالصور على نحوٍ مستمر ومتزايد، وأكدت أن هذا النوع من الجرائم مصدره الأساسي الأسرة، حيث يستغل عدد منهم فرصة مكوث الأطفال لمدة أطول في المنازل بسبب فترة الحجر الصحي والدراسة بنظام الأفواج، “أبشع استغلال”. وفق تعبيرها
وأضافت أنه تمّ تحقيق زيادة في نسبة الإتجار بالبشر بـ 62.5% حيث يعرفه القانون التونسي عدد 61 المؤرخ في 3 أوت 2016 الخاص بالإتجار بالبشر في فصله الثاني بأنه استقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم باستعمال القوة أو السلاح أو التهديد بهما أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال شخص له سيطرة على شخص…”
وبيّنت رئيسة الهيئة أنه تمّ ولأول مرّة في تونس تسجيل متاجرة أطفال بأطفال آخرين بنسبة 5.6% ويتم ذلك عن طريق الاستقطاب للعديد من المخاطر أبرزها المخدرات، السرقة، التسول… حيث تعدّ هذه الظاهرة خطيرة جدا خاصة وأنها في تفاقم تدريجي وتتمّ وسط غياب رقابة وتهميش وتأثيرات اجتماعية وأسرية ونفسية، حسب تعبيرها.
خلل في التشريعات
اعتبرت “روضة العبيدي” أن تواصل هذه الظاهرة يعود بالأساس إلى الخلل في المنظومة التشريعية التي تتضمن العديد من القوانين المتشابكة، على غرار قانون الشغل الذي يتطرق إلى تشغيل القاصرات والقانون الجزائي الذي يتعامل مع تسول الأطفال، بالإضافة إلى قانون المتاجرة بالأطفال وقانون العنف الشامل ضد المرأة الذي يصنف تشغيل القاصرات على أنه استغلال اقتصادي وليس متاجرة، ووضحت أن كثافة القوانين صعّبت مهمة تقييم وضعيات المتاجرة بالأطفال على السلطات القضائية.
وأضافت أن الإفلات من العقاب أسهم بشكل مباشر في تنامي ظاهرة المتاجرة بالأطفال، مشيرة أن القضاء عادة ما يسلط أخف العقوبات على مرتكبي هذا النوع من الجرائم، والمتمثلة عادة في تسليط مخالفة مادية وهو ما فتح المجال أمام المتاجرين بالأطفال إلى ممارسة جميع الأشكال الممكنة من الاستغلال.
من جهة أخرى، فإن ملائمة التشريعات وإعادة النظر في الجرائم المشابهة للاتجار بالأشخاص أو التي تتطابق معها هو التناسق بين مختلف النصوص التشريعية وتمكين الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص من الموارد المالية والبشرية اللازمة وتفعيل الدور المحوري الذي تلعبه في التنسيق ما بين مختلف الفاعلين في المنظومة القضائية، حتما سيساهم في الحد من هذه الجرائم، دون أن ننسى ضرورة تغير وسائل التعامل مع الضحية خلال المسار القضائي وخاصة من خلال الاستماع إليها لا سيّما وأنّ هذا التعامل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار خصوصيتها وكذلك ضمان توفير المعلومة القانونية والمساعدة القضائية المستوجبة لضحية الإتجار، غير أنه لم يتمَ التعامل مع مثل هذه الجرائم كظواهر مفزعة ومن الضروري تضافر الجهود للحدّ منها واستئصالها فغياب التدابير الكافية وحملات التوعية لحماية الطفل من مثل هذه الظواهر يأتي في ظل غياب تام للإرادة السياسية، وعدم الوعي بمدى تفاقم هذا الوباء الاجتماعي و استشرائه في حال عدم الحدّ منه.
لمكافحة هذه الظاهرة بشكل جدي، يجب أن تتكاتف الإرادة السياسية والتشريعية للاعتراف أولًا بوجود بل وتفشي هذه الظاهرة في صور عدة، ومن ثم البدء في حملة قومية تهتم برفع الوعي العام تجاه هذه الظاهرة ومخاطرها، وفي الوقت نفسه وضع خطط طويلة المدى لاحتواء مشاكل تفجرت منذ عقود وتأطير ضحاياها.