مع بروز نظام وليد في ليبيا، وبعد 9 سنوات من سقوط نظام القذافي، ما زالت الأقليات العرقية تبحث لها عن موطئ قدم في الحياة السياسية بعد تغييبها عن دولة ما بعد القذافي.
وتعتبر هذه الأقليات أنها مهمشة ومقصية من الاتفاقات الحاصلة في تقريب وجهات النظر بين حكومة الوفاق وبرلمان طبرق.
فماهي أبرز هذه الأقليات وماهي مطالبها؟

التبو و”التطهير العرقي”

تقيم قبائل التبو في المربع الحدودي بين ليبيا وتشاد والسودان والنيجر، ولهم لغة خاصة غير العربية حيث يقيم معظم أفرادها في منطقتي قدر وحارة التبو في مدينة الكفرة، ويسكنون في بيوت مبنية معظمها من أوراق النخيل والصفيح، وجميعهم من ذوي البشرة السمراء و يقدر عددهم بحوالي مليوني نسمة تقريبا، ويعتقد أنهم ينحدرون من تشاد، ورغم أن أعدادهم تبدو كبيرة لأقلية عرقية منسية اليوم، إلا أن شعب التبو برمته يتكون من 50 عشيرة.

تعرضت أقلية التبو للتهميش طيلة فترة حكم الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي الذي جرّدهم من الجنسية سنة 2008 كما حرمهم من التعليم والصحة في اضطهاد ممنهج وصفته الأمم المتحدة بـ”التطهير العرقي”.
كما استغلهم القذافي في عدة حروب في أفريقيا كوقود حرب في تشاد ضد الرئيس التشادي حسين حبرى وفى حرب أوغندا وفى حرب لبنان ومات عدد كبير منهم ولم يعرف مصير الكثير منهم حتى الآن.

في المقابل، طلب القذافي دعم قبائل التبو عندما كان نظامه بصدد التهاوي مقابل تمكينهم من الجنسية الليبية لكنهم رفضوا ذلك وشاركوا في المعارك ضد النظام.

بعد التغيير السياسي، تحققت بعض الامتيازات للتبو، إذ استطاعوا، لأول مرة، تدريس لغاتهم وثقافتهم في المدارس، لكنهم لا زالوا يعانون من “التمييز المجحف”، وفق منظمة العفو الدولية.

وتؤكد المنظمة أن “التبو يعانون عوائق إضافية في الوصول إلى الرعاية الصحية لأنهم لا يملكون وثائق هوية أو دفتر هوية عائلي لإثبات الجنسية الليبية (..) ولم تعلن حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، ومقرها في طرابلس، ولا الجيش الوطني الليبي عن أي إجراءات لضمان وصول أفراد مجتمع التبو إلى نظام الرعاية الصحية العامة بدون وثائق هوية”.

سياسيا، ترفض قبائل التبو الاعتراف بمشروع الدستور الليبي الجديد، وتعتبر مضمونه “إقصائيا ولا يمثل كافة مكونات الشعب الليبي” وأنه “خاص بالمكون العربي فقط”، وأعلن مكون التبو وممثلوه المقاطعون في هيئة الدستور أنهم يرفضون رفضا قاطعا طرح مسودة الدستور للاستفتاء، ردا منهم على مطالبات ومراسلات هيئة الدستور للبعثة الأممية.

وأكد الحراك التباوي بمناطق الجنوب الغربي والشرقي أنهم يرفضون إعطاء الشرعية لمسودة الدستور من خلال حوار سياسي يعقد في تونس برعاية البعثة، وأن على الأخيرة أن تحرص على أن يكون الدستور توافقيا بناء على نص المادة ثلاثين من الإعلان الدستوري المؤقت الذي يوجب التوافق مع التبو والطوراق والأمازيع، حسب بيان لهم في نوفمبر الماضي.

الطوارق: من هم؟

كبقيّة القبائل غير العربية، حُرم الطوارق كغيرهم من القبائل غير العربية من الجنسية الليبية طيلة فترة حكم القذافي، ووفقاً لمجموعة الأزمات الدولية، فإن عملية تعريب مجتمعات الأمازيغ “تطورت بشكل أسرع وأشمل في ليبيا عنها في أي بلد مغاربي آخر”، فيحظر القانون رقم 24 مثلاً على الطوارق، إعطاء أبنائهم أسماء غير عربية، كما ألقي القبض على الذين حضروا احتفالات ثقافية في الدول المجاورة لدى عودتهم إلى ليبيا.


تمكن الطوارق الذين يعيشون في ليبيا منذ مائة سنة من الحصول على كتيب العائلة الذي يضم أسماء أفراد العائلة ، ولكن تم حرمان أولئك الذين استقروا في البلاد منذ 40 أو 50 سنةً من الحصول عليه، وهم لا يحملون الجنسية الليبية أو أي جنسية أخرى لذلك لا يمكنهم السفر للدراسة أو العلاج خارج ليبيا، ولا يستطيع أي منهم أن يصبح مسؤولا في الدولة.
وغاب الطوارق عن التسويات السياسية والمبادرات التي تسعى لحل الصراع الدائر في ليبيا.

صراع الأعراق بسبب الذهب الأسود

تتعايش المجموعتان في شريط يمتد من حدود النيجر إلى حدود إقليم طرابلس، ويشكل النفط أيضاً العنصر الذي ستتّحد حوله هاتان المجموعتان العرقيتان للدفاع عن مصالحهما المشتركة.

ولّدت الأزمة الليبية صراعاً على المداخيل الاقتصادية وكذلك من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية، وفضلاً عن الأرباح الآتية من التجارة بالبترول، يشكل تأمين البنية التحتية النفطية مورداً مهماً للجماعات التي تضطلع بهذه المهمة، ويتم تأمين هذه المواقع في فزّان من قبل التُبو والطوارق، حيث يتم استخدام هذه الوظيفة الاستراتيجية في المفاوضات بين السلطة المركزية والأقليات العرقية، وقامت هذه الأخيرة في مناسبات عدة، بأخذ البنى التحتية النفطية كرهينة للتأكيد على مطالبها الاجتماعية والسياسية ولكي يتم الاعتراف بحقوقها التي تم تجاهلها لفترة طويلة في عهد القذافي.

حصل خلال الحرب الأهلية الليبية الثانية قتال عنيف بين التُبو والطوارق في مدينة أوباري، معقل مجموعة الطوارق في ليبيا، على بعد 200 كيلومتر غرب سبها، يعود سبب نشوب هذا الصراع إلى سيطرة التُبو على المدينة والموارد النفطية الموجودة في محيطها، وعلى الرغم من توقيع اتفاق سلام بين المجموعتين في نوفمبر 2015، اندلعت الاشتباكات مرة أخرى بعد بضعة أشهر، متسببةً في مقتل عدة مئات من الأشخاص من الجانبين.