وصول 500 تلقيح مضاد لكورونا إلى رئاسة الجمهورية بهبة من دولة الإمارات، دون علم اللجنة العلمية ومصالح وزارة الصحة المسؤولة عن الاستراتيجية الوطنية للتلقيح أو رئاسة الحكومة، ليس إلّا حلقة من مسلسل إدارة أزمة الجائحة التي حصدت أرواح الآلاف.
في هذا التقرير سنحوال رصد أهم مراحل مجابهة الجائحة وماتبعها من سياسات بعد عام من تسجيل الإصابة الأولى في مارس 2020.

الكمامات: صفقة مشبوهة وتسعيرة غير مشروعة

منذ ظهور أول إصابة بالفيروس في تونس يوم 2 مارس 2020، بدأت بوادر الأزمة تلوح في الأفق، حيث اشتكى المواطنون من شح الكمامات الطبية في الصيدليات وارتفاع مشطّ في الأسعار لتتدخل وزارة التجارة بعد حوالي شهرين، في ماي 2020، بتحديد سعر بيع الكمامات الجراحية ذات الاستعمال الوحيد للعموم، بـ 500 مليم للكمامة الواحدة، منبّهة “أن كل مخالفة لهذا القرار تقع معاينتها وتتبّعها وزجرها وفقا لأحكام القانون”.
مع العلم أنّ هذه التسعيرة بقيت حبرا على ورق فأثمان الكمامات ذات الاستعمال الوحيد لم تلامس الـ 500 مليم في جميع الصيدليات بكامل تراب الجمهورية، إلى حد اللحظة.
بالتزامن مع هذا التخبّط، أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وجود شبهة فساد تتعلق بصفقتي تصنيع 32 مليون كمامة واقية غير طبية ومليوني كمامة من الصنف ذاته لصالح كل من وزارات الصناعة والصحة والتجارة، مشيرة إلى أنها قامت بإحالة هذا الملف مع الوثائق إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس لإجراء تحقيق حوله.

ندوة صحفية لوزير الصناعة السابق صالح بن يوسف


وحول تفاصيل القضية، فإنّ وزارة الصناعة طلبت العمل على توفير أكثر من 30 مليون كمامة طبية تمهيدا لفرض ارتدائها على كل المواطنين، بعد رفع الحجر الصحي الشامل لكن وزير الصناعة حينها صالح بن يوسف، طلب من أحد المصانع المختصة توفير مليوني كمامة بصورة عاجلة، وذلك قبل حضور دفتر الشروط، كما تمّ تسريب المواصفات الفنية المطلوبة للكمامة، ليقوم أحد الأطراف بإفراغ السوق من القماش الخاص بتصنيع الكمامات وشراء كل الكميات المتوفرة لاحتكارها، قبل أن يتبيّن أن المصنع الذي استفاد من الصفقة، هو على ملك أحد النواب في البرلمان.
وأثار هذا الملّف جدلا واسعا بين التونسيين، الذين اعتبروا أن أزمة “كورونا”، كشفت إلى العلن استغلال بعض الأطراف في الدولة للظروف الصحية للإثراء غير المشروع بممارسة الاحتكار والتلاعب بالصفقات العمومية.

التحاليل: تلاعب ومخالفات

ومع ارتفاع عدد الإصابات نشطت محاولات للتربّح من التحاليل، منذ منحت وزارة الصحة المخابر الخاصة ترخيصاً للتحليل، من أجل تخفيف الضغط عن مخابر المستشفيات العمومية، وتمكين المواطنين من إجراء التحاليل من دون الانتظار طويلاً.
لكن مع ذروة انتشار الفيروس خلال الصائفة الماضية، أقدمت بعض المؤسسات الاستشفائية الخاصة والمخابر على الترفيع في تسعيرة إجراء التحاليل “بي سي آر”، من 209 دينارا، المحددة من قبل الدولة، إلى أكثر من 400 دينار كما يضطر المشتبه في إصابتهم إلى الانتظار أياما قبل وصول دورهم.
وفي وقت لاحق، أعلن وزير الصحة فوزي المهدي أثناء جلسة برلمانية في نوفمبر 2020 أنه و بعد إجراء التفقدية الصيدلية لمخابر في القطاع الخاص، وقع سحب كراس الشروط لـ 8 مخابر و وقع غلق مخبر واحد، بسبب إخلالات في التعامل مع المرضى وعدم احترام كراس الشروط واعتماد المناولة في إجراء التحاليل.


وفي هذا السياق كانت هيئة مكافحة الفساد أعلنت أنها تلقت إشعارا عن شبهة تلاعب في صفقة شراء التحاليل السريعة التي وقع الإعلان عنها من قبل الصيدلية المركزيّة بتاريخ 28 مارس 2020 إلى يوم 31 مارس 2020، وبينت الهيئة في شهر أفريل 2020 أن الإشعار وردها من مبلّغة ونقلت عنها تأكيدها أن الصفقة موجّهة لشركة بعينها وأنه لم يتمّ إشهار اسم الشركة التي تحصّلت على الصفقة المذكورة.
وما زال هذا الملف يراوح مكانه ولم تعلن الجهات القضائية أو الحكومية عن تفاصيل التحقيقات في هذه الشبهة.

التلاقيح: تأخير وتكتّم

لم تصل إلى حدّ اللحظة الدفعة الأولى من تلاقيح كورونا والتي ستوفرّها منظومة “كوفاكس” بعد أن كانت السلطات الصحية أعلنت وصولها منتصف شهر فيفري الماضي، وتم تأجيل موعد وصول الجرعات المضادة لكوفيد-19 إلى موعد لاحق لا تعلمه إلّا وزارة الصحة وهياكلها.
وكشفت الوزارة عن حصول تأخير في وصول الدفعة الأولى، موضحة أن هذا التأخير لا يرتبط بمنظومتها التي قدمت طلباتها في الآجال القانونية المحددة وقامت بالتنسيق الكامل مع منظمة الصحة العالمية وبرمجت الانطلاق في عمليات التلاقيح بداية من منتصف فيفري، معتبرة أن أموراً تقنية وإدارية بين منظومة “كوفاكس” ومصنع لقاحات “فايزر” الأميركي، أدت إلى تأخر وصول كميات اللقاح إلى تونس، وهي كميات موجهة بالأساس لتلقيح الإطارات الطبية والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة وكبار السن.
ويبدو أنّ الأمور الإدارية بين كوفاكس وفايزر لا تحصل إلا إذا تعلق الأمر بتونس حيث أنّ أكثر من مائة مليون شخص حول العالم تلقوا على الأقل الجرعة الأولى في حين ما زال التونسيون ينتظرون وصول العقار.


ووسط تململ التونسيين بسبب تأخر وصول اللقاح، يشتعل فتيل صراع جديد بعد تسرب معلومات حول تلقي رئاسة الجمهوية جرعات من اللقاح في شكل هبة من الإمارات لتردّ رئاسة الجمهورية في بلاغ نشرته صباح اليوم الاثنين 1 مارس 2021 وتؤكد أنها تلقت 500 تلقيح مضاد لفيروس كورونا، بمبادرة من دولة الإمارات العربية المتحدة “وقد تم بأمر من رئيس الجمهورية قيس سعيد، تسليم هذه الجرعات إلى الإدارة العامة للصحة العسكرية وتؤكد رئاسة الجمهورية على أنه لم يقع تطعيم أيّ كان لا من رئاسة الجمهورية ولا من غيرها من الإدارات بهذا التلقيح، وذلك في انتظار مزيد التثبت من نجاعته، وترتيب أولويات الاستفادة منه ” .

غير أن رئاسة الحكومة نفت علمها بهذه الهبة وأكدت في بيان أنه “على إثر ما تمّ تأكيده من توفّر عدد من جرعات التلقيح ضد فيروس كورونا في بلادنا، يهم رئاسة الحكومة ان توضح بأنه لا علم لها بوصول هذه التلاقيح ولا بمصدرها ولا بمدى توفّرها على الشروط الصحية والقانونية الضرورية، ولا بمآلها”. كما أذن رئيس الحكومة هشام مشيشي “بفتح تحقيق فوري حول ملابسات دخول هذه التلاقيح وكيفية التصرّف فيها وتوزيعها”، وفقا للبيان.