توجّه 6 أعضاء من هيئة الحقيقة والكرامة مساء الأربعاء 3 ماي 2021 بردّ على خلفية إعلان منظمة “أنا يقظ” إيداع شكاية ضدّ رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة وذلك في قضية البنك الفرنسي التونسي BFT بسبب “تخاذل أدى من جهة إلى تنفيذ عملية تقييم وتقدير تعويضات قد تكون غير مستحقة، ومن جهة أخرى إلى تقديم قرينة مجانية لخصم الدولة التونسية أمام لجنة التحكيم التابعة للبنك الدولي”.

قرار جبر ضرر فردي رمزي بـ 0% لخصم الدولة

أوضح الأعضاء الستة أنّ الهيئة لم تعالج موضوع BFT في إطار التحكيم والمصالحة، بل في إطار التقصي في الفساد البنكي وضمّنت المخرجات التي توصّلت إليها في تقريرها الختامي في المجلد الثالث حول الفساد المالي، الذي صدر سنتين بعد الحكم بالإدانة ضد الدولة في جويلية 2017 من طرف مركز التحكيم الدولي CIRDI، ولا يمكن للهيئة تقديم « قرينة لخصم الدولة » بصفة ما بعدية (à posteriori).

ولم تحدّد الهيئة أي مبلغ للتعويض في جبر الضرر للشركة العربية للاستثمار ABCI، لأنها ليست قضية تحكيمية منشورة أمام الهيئة، بل أمام التحكيم الدولي وهو الطرف الذي يقيّم الأضرار كما أنها لم تسند الضحية إلى ABCI في قضية البنك الفرنسي التونسي ،بل اعتبرت الضحية في القضية الحالية هي بالأساس الدولة التونسية و الشعب التونسي كما تثبته لائحة الاتهام.

وأكدت الهيئة أنها أحالت على القضاء المتخصص، لائحة اتهام حددت فيها الدولة والشعب كضحية (قضية عدد 35)، ووجهت فيها التهمة ضد 23 متهما من أجل “الاعتداء على المال العام والارتشاء والتدليس واعتماد التهديد لأخذ إمضاء و التحيّل والخيانة الموصوفة والتنازل عن الضمانات من دون خلاص الدين والحط من ديون الشركات دون مبرر “.
ونظرت دائرة تونس في جلستها يوم 8 فيفري 2021 في هذه القضية، ولعلّ هذا ما أحرج كل الذين وجهت لهم بطاقات جلب من طرف المحكمة والحال أن بعضهم موجود صلب دواليب الدولة اليوم، وفق الهيئة

وأضافت أنها استدعت جميع الأطراف الرسمية المعنية بهذه القضية (باستثناء ABCI) وضمّنت في الملف القضائي هذه الاستدعاءات ومحاضر الاستنطاق لكل من استجاب لاستدعاءاتها، فيما تغيب المكلف العام بنزاعات الدولة وممثل البنك المركزي وهذه مسؤوليتهما، حسب تأكيدها.

وأسندت الهيئة صفة الضحية لعبد المجيد بودن الذي كان يُشرف على إدارة الشركة العربية للاستثمار ومكنته من قرار جبر ضرر فردي رمزي بـــ 0% (صفر بالمائة)، وذلك إثر إيداعه شكوى لدى الهيئة تحت عدد 0101-030967 كضحية فردية لانتهاكات المحاكمة غير العادلة التي تعرض لها من قبل نظام بن علي، والتي تمثلت في تسجيل 52 قضية ضده في سنة واحدة أغلبها ملفقة وهذا ما عاينته محكمة التعقيب في قرارها الصادر في 16 أكتوبر 2012 تحت عدد 113.

واعتبرت الهيئة أنّ الحكومات منذ 3 عقود اختارت سياسة التقاضي المستمر والهروب إلى الأمام وهو خيار مضر بالمالية العمومية كما كشفه تقرير هيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة والتي حـررت على أساسه دعوة رفعها المكلف العام لنزاعات الدولة سنة 2016 كما خيّر جلّ المشرفين على هذا الملف بعد الثورة تحميل الدولة التونسية ودافعي الضرائب مسؤولية هذه الديون وتبييض الخواص الفاسدين الذين استفادوا من القروض بطرق غير شرعية كما تثبته الوثائق القضائية، حسب “الحقيقة والكرامة”.

وأشارت إلى أنه رغم صدور الحكم النهائي بالإدانة من مركز التحكيم الدولي CIRDI سنة 2017، قامت هيئة الحقيقة والكرامة بذكر المخاطر التي تهدد المالية العمومية في هذه القضية، وجاء في تقريرها بالصفحة 57 ما يلي: « الأضرار التي يطالب بها ABCI International قدرت بحوالي 1 مليار دولار (أي 3 مليار دينار)» كما عرضت الهيئة هذه النتائج خلال المؤتمر الختامي لأعمالها يوم 14 ديسمبر 2018 مضيفة “يبدو أن هذه النتائج لا ترضي من يتسترون على الفساد ويحاولون باستمرار محو محتويات موقع الهيئة عبر القرصنة لأنّ كشف الحقيقة يُزعجُهم”.

واعتبرت الهيئة أنّ الحل الأنسب لمصلحة الدولة في هذه القضية يكمن في الإقرار بالفساد الحاصل في BFT واعتبار الدين الذي انجر عنه “دينا غير شرعي” وغير محمول على الدولة، اعتمادا على قرار الأمم المتحدة عدد A/HRC/20/23 حول الديون غير الشرعية، ويتعين على المنتفعين بالقروض الهالكة تسديدها وليس الشعب التونسي، وفق تعبيرها.

مركز التحكيم الدولي رفض وساطة “أنا يقظ”

وعبّرت الهيئة عن أسفها لما وصفته بـ”انخراط أنا يقظ في الحملة التضليلية” التي تروج أنّ الهيئة جعلت من خصم الدولة ضحيّة والتي يقودها من تورّط في قضايا الفساد والبعض منهم اليوم يمثل أمام القضاء المتخصص في العدالة الانتقالية بعد توجيه تهمة الفساد لهم. وهم نفس الذين يدّعون “تزوير تقرير الهيئة” مستندين على التشهير في المنابر الإعلامية عوض الحجة التي يفتقدونها، وفق قولها.

كما اعتبر أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة أنّ الساهرين على المنظمة جانبوا الصواب في طرحهم لحيثيات ملف البنك الفرنسي التونسي واتهموا الجهة الخطأ وفقدوا حياديتهم في هذا الملف، وفق تعبيرهم.

وقالت الهيئة أنها لم تر من “أنا يقظ” حماسا لمقاضاة من تسببوا في هذه الكارثة على المالية العمومية وعلى السمعة الخارجيّة للدولة التونسيّة على غرار الوزير الأسبق مبروك كورشيد وذلك رغم إقرارها « بتخاذله» في البيان ذاته المنشور يوم 23 فيفري الماضي، وتفويته فرصة استرجاع آلاف المليارات على الدولة التونسية خصوصا في ملفات التحكيم والمصالحة، وذلك في إطار سياسة الحكومة التي تبنت قانون المصالحة وعرقلت مسار العدالة الانتقالية وهذا لا يدخل في إطار صراع سياسي أو أيديولوجي كما اعتبرته “أنا يقظ” بل تبييض للفساد”، وفق تعبيرها.

وأكّدت أنّ مركز التحكيم الدولي CIRDI رفض مطلب تدخل “أنا يقظ” كوسيط في قضية الـــBFT بـسبب”فقدان الخبرة والتجربة والحيادية” موضحة أنها حاولت أن تلعب دور الوسيط في هذه القضية، وتوجهت بتاريخ 17 أكتوبر 2019 إلى مركز التحكيم الدولي (CIRDI ) بمطلب للتداخل (Amicus Curiae)، إلا ان الهيئة التحكيميّة رفضت هذا التدخل بتاريخ 2 ديسمبر 2019 معللة رفضها بــ”فقدان الخبرة والتجربة والحيادية” للمنظمة.


وقال الأعضاء الستة للهيئة أنّ المستهدف الحقيقي، في هذه الحملة التشويهية التي انخرطت فيها أنا يقظ، ليست هيئة الحقيقة والكرامة – التي انحلت بعد استكمال عهدتها ونشر تقريرها – ولكن المستهدف هي الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية وذلك لإلغاء أي محاسبة تتعلق بنهب الأموال العمومية، وهو ما يؤكده مشروع قانون المصالحة الجديد الذي يطبخ في البرلمان حاليا على أيدي القائمين بالانتهاكات زمن الدكتاتورية، وفق تعبيرهم.